كما هو معروف فإن الزمن يسير في اتجاه واحد موجب، لكن نتائج مجموعة من الأبحاث الحديثة توصلت إلى أنه في بعض الحالات فإن الوميض الناتج عن انفجارات أشعة غاما يبدو أنه يعيد نفسه مرات عديدة كأنه يعود في الزمن الى الخلف.
تقترح دراسة جديدة تفسيرًا محتملًا، ذلك أن الأمواج الناتجة عن ظاهرة الانبثاق النسبي -تدفق المادة المؤينة من مراكز المجرات النشطة بفعل اكتسابها تسارع كبير بشكل طولي- التي تولد من خلال انفجارات الأشعة غاما الوامضة أمواج تفوق سرعتها سرعة الضوء وقد يكون أحد تأثيراتها المحتملة رجوعها إلى الخلف في الزمن، ظاهرة انعكاس الزمن.
هذه السرعات الكبيرة لأمواج الصدمة محتملة الوجود، فكما هو معلوم عندما يسافر الضوء عبر وسيط مثل غاز أو البلازما فإن سرعته تكون أقل مما هي عليه في الفراغ -تعتبر سرعة الضوء في الفراغ السرعة القصوى في الكون- ولهذا فإن الموجة التي تتدفق من انفجارات أشعة غاما الوامضة تكتسب سرعة أكبر من سرعة الضوء دون خرقها لقوانين النسبية الخاصة ومن أجل فهم ذلك يجب الرجوع إلى مصدر هذا الانبثاق التدفق النسبي.
تعتبر انفجارات الأشعة غاما أكبر الانفجارات طاقة في الكون، قد تستمر ما بين ميلي ثانية إلى بضع ساعات وتمتاز بوميض مهول لكن لا نملك إلى حد الآن من المعرفة ما يمكّننا من فهم سببها.
في رصد لاتحاد نجمين نيوترونيين سنة 2017 اتضح أن هذا التصادم العنيف تولد عنه انفجار أشعة غاما، ويعتقد الفلكيون أن مثل هذه الانفجارات قد تنشأ أيضًا نتيجة تصادم ثقب أسود بنجم ذي كتلة وسرعة كبيرتين يحدث خلاله قذف عنيف للمادة إلى الفضاء المحيط على شكل مستعر فوق الأعظم جبار (هايبرنوفا)، وإذا كان الثقب الأسود يدور بسرعة كافية فإن الانهيار الناتج عن الاصطدام السابق سيسبب ظاهرة الانبثاق النسبي من الثقب الأسود عبر أقطابه مسببةً انفجارات أشعة غاما الوامضة.
بالعودة إلى الأمواج المنبثقة عن انفجار أشعة غاما التي تسافر بسرعة تفوق سرعة الضوء فإنه من المعلوم خلال عبور الجسيمات لوسيط مادي فإنه من الممكن أن تسافر بسرعة تفوق سرعة الضوء وتعرف هذه الظاهرة باسم إشعاع شيرينكوف Cherenkov radiation يظهر على شكل وهج أزرق والذي ينتج عندما تعبر جسيمات مشحونة مثل الإلكترونات وسيطًا ماديًا -الماء مثلًا- بسرعة أكبر من التي يعبر بها الضوء نفس الوسط.
كتب الفلكيان جون هاكيلا Jon Hakkila من جامعة شارلستون Charleston وروبرت نميروف Robert Nemiroff من جامعة ميشيغان التكنولوجية Michigan Technological University ورقة بحثية مفادها أن نفس التأثير المذكور سابقًا قد يُرصَد في التدفق النسبي لانفجار أشعة غاما وقد صاغا بالفعل نموذجًا رياضيًا يبرهنان فيه صحة الفرضية.
يقول هاكيلا في هذا الصدد: «تصادم موجة في انفجار أشعة غاما خلال توسعه النسبي يؤدي إما إلى تسارعها فتكتسب سرعة أعلى من سرعة الضوء أو تتباطأ فتتناقص سرعتها إلى أقل من سرعة الضوء.
هذه الأمواج خلال التصادم مع الوسط المحيط تنتج إشعاع شيرينكوف مع/أو إشعاعًا تصادميًا آخر عند اكتسابها لسرعة أكبر من سرعة الضوء في هذا الوسط وآليات أخرى (إشعاع سنكروتروني synchrotron وظاهرة كومبتون Compton) في حالة تباطؤ سرعتها إلى أقل من سرعة الضوء».
هذا الانتقال الموجي يولد صورة مزدوجة بسبب انحناء الضوء خلال انفجار أشعة غاما.
مثل هذه الصور المزدوجة تحدث أيضًا عبر كاشف شيرينكوف، فعندما يعبر جسيماتٌ وسيطًا ماديًا كالماء بسرعة مقاربة لسرعة الضوء فإنها تسافر بسرعة أكبر من إشعاع شيرينكوف الذي تولده ولذلك بصورة نظرية تبدو أنها تتواجد في مكانين في نفس الوقت، حيث الصورة الأولى تبدو كأنها تتقدم في الزمن أما الأخرى فهي تعود الى الوراء في الزمن.
مع العلم أن هذه الازدواج لم يُرصَد تجريبيًا بعد، لكن إن صحت النظرية فإنها ستكون مسؤولة أيضا عن انعكاس الزمن الملاحظ في الوميض من انفجار أشعة غاما التي تحدث للأمواج الناتجة في حالتي التسارع والتباطؤ عند عبورها وسيطًا ماديًا.
بالطبع فإن الأبحاث ما زالت في بدايتها في هذا المجال، إذ يعتقد الباحثون أن الأمواج الناتجة عن التصادم خلال انفجار أشعة غاما مسؤولة عن تغير في الكثافة والحقل المغناطيسي المحيط بها وهذا يحتاج تحليلًا دقيقًا، أما إذا كان الوسط بلازما فإن الرهان السابق يلغى.
رغم ذلك فإن الباحثين يعتقدون أن هذا النموذج يقدم تفسيرًا أفضل لخصائص انفجارات أشعة غاما وذلك بأخذ انحناء الضوء بالاعتبار، إذ يقول الفلكي هاكيلا في هذا الصدد: «النماذج القياسية لانفجار أشعة غاما لم تأخد خصائص انحناء الضوء، في حين أن التدفق النسبي -الانبثاق- سبب هذه الخصائص».
اقرأ أيضًا:
هذا النجم الدوار شبيه الثعبان قد يفجر أشعة غاما في درب التبانة عندما يموت
ترجمة: ياسمين نصرالله
تدقيق: رزوق النجار