الوحدة أمرٌ شائع، تؤثر تقريبًا في واحد من بين كل ثلاثة بالغين، بإمكانها التأثير سلبًا وتدمير دماغك وجهازك المناعي ويمكن أن تؤدي إلى الاكتئاب والانتحار، إضافة إلى زيادة خطر الموت المبكر تمامًا كخطر التدخين والسمنة وربما أكثر.
إذا كنت تشعر بالوحدة، فغالبًا ستعاني من عدم الارتياح في أغلب المواقف والحالات التي يتأقلم معها الآخرون بشكل طبيعي، وحتى لو كنت تنال قسطًا كافيًا من النوم، فلن تشعر بالراحة طوال يومك.
أصبحت الوحدة شائعة أكثر خلال العقدين الأخيرين، مقارنة مع ثمانينيات القرن الماضي، فقد ازداد عدد الأشخاص الذين يعيشون لوحدهم في الولايات المتحدة الأمريكية لما يقارب الثلث، وعند سؤال الأمريكيين عن عدد الناس الذين يشكلون الدائرة الضيقة حولهم فإن الرقم قد انخفض من ثلاثة في 1985 إلى اثنين في 2004.
وفي المملكة المتحدة يفصح 21% إلى 31% من الناس عن شعورهم بالوحدة في بعض الأوقات، وصدرت نفس النسب تقريبًا عن العديد من الإحصائيات في أجزاء أخرى من العالم.
وهذا الشعور لا يقتصر على البالغين فقط، فما يقارب 10% من الأطفال في دور الحضانة وفي المرحلة الأولى من المدرسة يفصحون عن شعورهم بالوحدة في بيئتهم الدراسية.
الكثير من الناس يمرون بهذه الحالة، لكن الوحدة حالة مخادعة، لأنك قد تعاني منها بغض النظر عن عدد الناس الذين يحيطون بك وبغض النظر عن عدد معارفك الشخصية وأصدقائك.
وكما يقول الكوميدي روبين ويليامز في فلم أعظم أب في العالم: «كنت أعتقد أن أسوأ شيء في الحياة هو أن تكون وحيدًا، لكنني كنت مخطئًا، فأسوأ شيء هو أن ينتهي بك المطاف مع أشخاص يجعلونك تشعر بالوحدة وأنت بينهم».
ما هي الوحدة؟
يشير مصطلح الوحدة لوجود فرق أو تفاوت بين عدد ونوعية العلاقات التي ترغب في الحصول عليها، وبين ما تحظى بها في الواقع.
من الممكن أن تكون سعيدًا بامتلاكك صديقين فقط، ومن الممكن أن تشعر بالوحدة بين حشد من الناس.
لكن الوحدة لا تتعلق بما تشعر به فقط، فعندما تكون في هذه الحالة فإن تصرفاتك ستتغير أيضًا، لأن قدرتك على التحكم بنفسك ستضعف.
فعلى سبيل المثال ستميل لأكل قطعة من الشوكولا بدلًا من تناول الغداء، أو ربما سترغب في طلب وجباتك من المطاعم دائمًا ولن يكون لديك رغبة بأداء التمارين الرياضية التي تعتبر عاملًا مهمًا للحفاظ على الصحة الجسدية والنفسية، وغالبًا ستطغى العدوانية والغضب على أغلب تصرفاتك وردود أفعالك تجاه الآخرين من حولك.
يعتقد الناس أحيانًا أن السبيل للهروب من الوحدة هو -ببساطة- التحدث والتواصل مع أشخاص أكثر. في الوقت الذي قد يساعد ذلك بعض الشيء، فالوحدة لا تتعلق أبدًا بعدد علاقاتك الاجتماعية أو عدد الأشخاص الذين تتواصل معهم، ولكنها تتعلق بشكل أساسي بطريقة نظرتك للعالم من حولك.
عندما تكون وحيدًا فستبدأ بالتصرف بشكل مختلف، ستتغير نظرتك للعالم، ستلاحظ التهديدات أو الأخطار من حولك بشكل أسرع، وستتوقع في أغلب الأوقاتِ الرفضَ في العلاقات، وستميل للنقد والحكم أكثر على الأشخاص من حولك، وبالتأكيد سيلاحظ الناس هذه التصرفات المزعجة وسيبدؤون بالابتعاد عنك، مما سيدخلك بالنهاية في دوّامة من الوحدة.
أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين لا يعانون الوحدة معرضون بشكل كبير للشعور بها في حال كان أصدقاؤهم يعانون منها.
لذا فالوحدة مُعدية، تمامًا كما السعادة، فعندما تكون على تواصل دائم مع أشخاص سعيدين فستشعر غالبًا بالسعادة أيضًا.
هناك أيضًا جين للوحدة يمكن أن يتم تمريره، لكن وراثة هذا الجين لا تعني أنه سينتهي بك المطاف وحيدًا، ولكنه سيلعب دورًا في شعورك وردّة فعلك عند انتهاء أحد علاقاتك الاجتماعية، ففي حال كنت تملك هذا الجين، ستشعر بالألم لعدم امتلاكك العلاقات التي ترغب فيها.
حسنًا، هذا الخبر سيكون سيئًا بعض الشيء للرجال، فقد ينتج عن الوحدةِ الموتُ في النهاية، وهو أكثر شيوعًا لدى الرجال. الرجالُ الوحيدون يكونون غالبًا أقل مقاومة لهذه الحالة وينتهي بهم الأمر بالإصابة بالاكتئاب أكثر من النساء.
السبب وراء ذلك أن الرجال بشكل عام يخافون ويترددون بالإفصاح عما يشعرون به، ويتلقون الكثير من الأحكام والانتقادات من المجتمع في حال البوح بمثل هذه المشاعر، لدرجة أن الرجال يجدون صعوبة بالاعتراف حتى لأنفسهم عن كونهم يشعرون بالوحدة وينتظرون وقتًا طويلًا قبل التماس المساعدة، مما يقود لعواقب وخيمة على مستوى صحتهم النفسية.
كيف أهرب من هذا الشعور؟
لكي نتغلب على الوحدة ونحسّن من صحتنا النفسية فإن هناك عدة أشياء نستطيع القيام بها. هناك دراسة وجدت طرقًا مختلفة لمقاومة الوحدة مثل زيادة عدد الأشخاص الذين تتحدث إليهم، تحسين مهاراتك الاجتماعية، وتعلّم كيف تقوم بمدح الآخرين.
لكن يبدو أن أهم شيء هو تغيير نظرتك للعالم من حولك، أن تُدرك أن الناس أحيانًا لا يستطيعون لقاءك وقضاء الوقت معك بسبب أن لديهم مشاغلهم الخاصة وليس بسبب اعتقادك أنك وحيدٌ وتسليمك لهذه الفكرة.
ربما رفض ذلك الشخص دعوتك على العشاء بسبب ضيق وقته ببساطة أو أنك دعوته قبل وقت قصير جدًا ولديه موعد ضروري مع شخص آخر.
إن الناس الذين لا يعانون الوحدة يدركون هذا الكلام جيدًا، فعندما يرفض أحدهم دعوتهم على العشاء فهم لا يبدؤون برمي اللوم وتوبيخ أنفسهم على ذلك، هم ببساطة لا يعزون الفشل لأنفسهم وإنما للظروف المحيطة، وهكذا يكونون قادرين على مواصلة حياتهم بشكل طبيعي.
إن طرد أفكار الشك وسوء الظن بالآخرين يساعد أيضًا على التخلص من الشعور بالوحدة.
لذلك في المرة القادمة التي تقابل فيها شخصًا جديدًا، حاول التخلص من هذا الدرع الذي تستخدمه، حاول التخفيف من أفكار الشك والانتقاد حتى ولو كنت تجهل النتائج المستقبلية لهذه العلاقات الجديدة.
- ترجمة: عمر اسماعيل
- تدقيق: رزان حميدة
- المصدر