ظل المفهوم الأساسي للواقيات الذكرية على حاله إلى حدٍ كبير لآلاف السنين، فمع كل التقدم في الصحة والطب والتطورات التكنولوجية وفهمنا للمواد وعلم وظائف الأعضاء البشري، ما زالت فكرة ارتداء الرجل لغلاف خارجي في أثناء العلاقة الجنسية لمنع انتقال العدوى المنقولة جنسيًا أو الحمل دون تتغير.
نستعرض في هذا المقال التاريخ الطويل للواقي الذكري، منذ بدايات استخدامه في للحد من انتشار العدوى (كما في النماذج المصنوعة من الكتان وأمعاء الحيوانات التي استخدمها قدماء الرومان) وحتى وسائل الوقاية الحديثة التي نعرفها اليوم.
الواقي الذكري في العصور القديمة
أشار المؤرخ الطبي فيرن بورو عام 1981 إلى أن تاريخ اختراع الواقي الذكري غير واضح تمامًا، إذ قال: «لقد ضاع تاريخها في أساطير العصور القديمة». ويقترح بعض العلماء أن المصريين القدماء كانوا من أوائل من استخدموا الواقيات الذكرية التي كانت تُصنع من الكتان غالبًا. لكن دونا دروكر بوصفها مساعدة مدير المنح الدراسية وتطوير الأبحاث في كلية التمريض بجامعة كولومبيا ومؤلفة كتاب (تاريخ موجز حول وسائل منع الحمل)، تشير إلى أن «وسائل الحائل الأنثوي كانت أكثر شيوعًا من الحائل الذكري».
وبحسب المعلومات، استخدم قدماء الرومان واقيات ذكرية مصنوعة من الكتان، بالإضافة إلى أخرى مصنوعة من أمعاء أو مثانة الخراف والماعز، للحد من انتشار العدوى مثل مرض الزهري. وطورت الحضارات الصينية القديمة أيضًا واقيات ذكرية مصنوعة من ورق الحرير تُستخدم مع الزيت للترطيب، وأخرى من الجلد الرقيق.
أوصاف أولية للواقیات الذكریة
مع تقدم المعرفة العلمية والطبية خلال عصر النهضة، شهدت الواقيات الذكرية تطورًا مماثلًا، فوفقًا لمعرض وسائل منع الحمل المُقام في مركز ديتريك للتاريخ الطبي، أصبحت الواقيات الذكرية شائعة الاستخدام في أوروبا في القرن الخامس عشر بفضل انتشار وباء الزهري.
وبعد فترة وجیزة عام 1564، قدّم عالم التشریح الإیطالي غابرییلو فلوبیو وصفًا -یُعد الأقدم- للواقي الذكري، فقال: «غلاف مصنوع من الكتان، مثبت بشریط یوفر الحمایة من مرض الزھري». ولكن وفقًا لدروكر استمر الواقي الذكري المصنوع من مواد حیوانیة بالانتشار، وخاصة أمعاء الأغنام أو جلود الأسماك، وتقول: «لم تكن الواقيات تُستخدم لمرة واحدة فقط، بل كانت قابلة للغسل وإعادة الاستخدام، وغالبًا ما كانت تُستخدم مع مراهم ومحاليل طبية».
ظهرت كلمة (condum) أول مرة في الطباعة عام 1706 في قصيدة للورد بلهيفن، ووردت أيضًا في كتاب فرانسيس جروس بعنوان (قاموس كلاسيكي للسان البذيء) عام 1785، وفيه وصف الواقي الذكري بأنه «أمعاء الأغنام المجففة التي يرتديها الرجل في أثناء الجماع لمنع انتقال العدوى الجنسية».
في القرن السابع عشر طور اليابانيون نوعًا مختلفًا من الواقي الذكري، عُرف باسم (كابوتو-غاتا) وكان مصنوعًا من قشرة السلحفاة أو القرن، إلى جانب نسخة جلدية تُسمى (كاوا-غاتا).
الواقیات الذكریة في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين
في أوائل القرن التاسع عشر، كان يُشار إلى الواقي الذكري بأسماء مشفرة مثل (بودروشات والأحرف الفرنسية والحاميات والدروع والآلات)، وكان الناس يشترونه من الحانات ومحلات الحلاقة وبيوت الدعارة والباعة المتجولين. لكن وفقًا لمعرض موانع الحمل في مركز ديترك للتاريخ الطبي، لم تكن الواقيات الذكرية شائعة الاستخدام قبل عام 1840 بسبب ارتفاع أسعارها، حيث كان سعر الواقي الواحد دولارًا واحدًا في وقت كان متوسط الأجر الأسبوعي حوالي 14 دولارًا.
في تلك الفترة، حاول المخترعون صناعة واقٍ ذكري من قماش مقاوم للماء باستخدام مادة الجوتا بيرشا (نوع من اللاتكس المستخرج من الأشجار) ومطاط الهند، لكنهم لم ينجحوا. وتقول دروكر إن تلك الواقیات المصنوعة من المطاط القديم كانت: «سميكة وتتعرض للتمزق أو التفتت». وبينما كانت هذه الواقیات ناعمة ومرنة عند تدفئتها، كانت تصبح ثابتة وهشة عندما تبرد.
ولكن كل شيء تغير عام 1844 عندما حصل تشارلز غودییر على براءة اختراع المطاط الفلكاني، وفي 1855 أُنتِج أول واقٍ ذكري من المطاط الفلكاني على نطاق واسع، ما أدى إلى انخفاض كبير في أسعار وسائل الوقاية وأتاحها لشرائح المجتمع المتوسطة والعاملة.
تقول دروكر: «جعل المطاط الفلكاني الواقيات الذكرية أرقّ وأكثر مرونة، ولم تقلل من الإحساس بقدر ما كانت تفعل الواقیات المصنوعة من المطاط غير الفلكاني».
وبفضل هذا الاختراع، تفوقت الواقيات المصنوعة من المطاط الفلكاني على غيرها من الطرق تقريبًا، مع إن بعض الشركات كانت تروج للواقيات القابلة لإعادة الاستخدام المصنوعة من أمعاء الأغنام أو جلود الأسماك، مستهدفة المستهلكين الذين يهتمون بالبيئة».
لكن سرعان ما أصبح من الصعب على الأمريكيين شراء الواقيات الذكرية بسبب قانون كومستوك لعام 1873، الذي حظر إرسال البضائع المتعلقة بالجنس عبر البريد، وكذلك الإعلان عنها وبيعها. لذا كان من الممكن تسويقها وبيعها بوصفها وسائل للوقاية من الأمراض فقط لا لمنع الحمل.
لم يُستخدم الواقي الذكري بانتظام لتحديد النسل حتى الفترة بين عامي 1910-1920، إذ تقول دروكر: «كان بإمكان الرجال شراء الواقي الذكري من الصيدليات المحلية أو عبر طلبات البريد، لكن النساء نادرًا ما يشترين الواقي الذكري، إن حدث ذلك أصلًا».
توزيع الواقیات الذكریة خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية
بينما وزعت الجيوش الفرنسية والألمانية الواقيات الذكرية على جنودها في بداية الحرب العالمية الأولى، لم تزود القوات البريطانية والأمريكية الجنود بوسائل الوقاية في البداية بسبب مخاوف دينية من أن تؤدي إلى نشاط جنسي خارج نطاق الزواج. ولكن في 1917 بدأ توزيع الواقيات الذكرية على الجنود البريطانيين بعد أن أبعدت الأمراض المنقولة جنسيًا 5% من الجنود عن ساحات القتال، وحذا الجيش الأمريكي حذوهم بعد عام لنفس السبب.
بعد فترة وجيزة من الحرب العالمية الأولى، طُوّر نوع جديد من الواقي الذكري، تقول دروكر: «في 1920 طُوّر مطاط اللاتكس الذي جعل الواقيات الذكرية أرقّ وأمتن من المطاط الفلكاني وإنتاجه أقل تكلفة. إضافة إلى ذلك، كانت مدة صلاحية واقيات اللاتكس تصل إلى خمس سنوات، بينما كانت واقيات المطاط الفلكاني صالحة لمدة ثلاثة أشهر فقط».
شهدت الحرب العالمية الثانية أول ترويج منظم وواسع النطاق للواقيات الذكرية للوقاية من الأمراض، وتضمن ذلك الأفلام التدريبية العسكرية، والملصقات، والكتيبات، ووُزعت الواقيات الذكرية على جميع القوات الأمريكية، وكانت متاحة للشراء من منافذ الجيش أيضًا.
الواقیات الذكریة في مرحلة ما بعد الحرب في أمريكا
بينما كان الهدف الأساسي من توزيع الواقيات الذكرية على الجنود خلال الحروب هو الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيًا، تغير هذا الهدف بسرعة بعد عودة الجنود إلى ديارهم.
تقول أمينة أرشيف ومُسجلة متحف في مركز ديترك للتاريخ الطبي جينيفر نيفيس: «حتى منتصف القرن العشرين، كانت مهمة الواقي الذكري الأساسية هي الوقاية من الأمراض التناسلية، لكن بعد ذلك أصبح وسيلة رئيسية لتنظيم الأسرة». وتضيف دروكر: «في الخمسينيات، بدأ إنتاج أنواع أكثر تنوعًا من الواقيات الذكرية من حيث الترطيب، والملمس، واللون، والحجم، والسماكة».
ووفقًا لمعرض منع الحمل في مركز ديترك، اعتمد 42% من الأمريكيين في سن الإنجاب على الواقي الذكري لمنع الحمل بحلول 1965. ولكن بحلول الستينيات، انخفض استخدام الواقي الذكري نتيجة انتشار حبوب منع الحمل وأجهزة الرحم. وفي الثمانينيات، شهد الواقي الذكري انتعاشًا في الاستخدام بعد ظهور فيروس نقص المناعة البشرية، وفي 1986 أصدر الجراح الأمريكي تقريرًا أوصى فيه باستخدام الواقي الذكري بوصفه وسيلة لمنع انتقال الفيروس.
اقرأ أيضًا:
ما الأمراض المنقولة جنسيًا التي لا يحمي منها الواقي الذكري؟
قد يمنع الواقي الذكري الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية إذا استُخدم بطريقة صحيحة
ترجمة: أمیمة الھلو
تدقيق: مؤمن محمد حلمي
مراجعة: محمد حسان عجك