تعتبر الهيدرا في الأساطير الإغريقية أحد الوحوش البحرية المخيفة التي قاتلها الابطال، حيث تصبح أقوى كلما قطعوا أحد الرؤوس لينبت لها رأسان جديدان عوضًا عنه. في الحقيقة، فإن هذا الكائن ليس بالأسطوري تمامًا, فالهيدرا في عالمنا الواقعي عبارة عن كائنات صغيرة لا يتعدى طولها السنتيمتر الواحد (0.4 بوصة), غير مخيفة على الاطلاق. تعيش في المياه العذبة وتنتمي اإلى شعبة اللاسعات (Cnidarians)والتي تشمل قناديل البحر والمرجان ايضًا. ويتميز أفراد هذه الشعبة بامتلاكهم للخلايا اللاسعة, وهي نوع من الخلايا المتخصصة في إمساك الفريسة، تحتوي على إبر مجهرية طويلة لحقن السموم العصبية. وتقضي الهيدرا معظم وقتها ثابتة غير متحركة عبر التشبث بأي شيء، ولا تتحرك إلا عندما تنطلق فريستها (معظمها من العوالق) مبتعدة عنها. وتعتمد في حركتها على ما يعرف بالتشقلب عبر ثني جسدها ثم استخدام مجساتها للتشبث من جديد أو لإمساك الفريسة.
ولكن للهيدرا بعض الصفات المميزة كقدرتها على إعادة توليد جسد متكامل من أي قطعة صغيرة يتم اقتطاعها من الجسد الرئيسي, وعدم شيخوختها، فالهيدرا تجدد خلاياها باستمرار, حيث وضحت دراسة جديدة نشرت في مجلة the Philosophical Transactions of the Royal Society أن للهيدرا القدرة على تعديل شيفراتها الوراثية تبعا للاحتياجات, إذ أنها تستطيع إعادة تجديد اجسادها (الأمر الذي حير العلماء لفترة طويلة) حتى عندما تفقد خلاياها العصبية والجذعية. ولمعرفة هذا السر قام مجموعة من البحاثين في جامعة جينيف (University of Geneva) بالتحقيق في طبيعة التعبير الوراثي لجينات الهيدرا الفاقدة للخلايا الجذعية بشكل أساسي في حالة كونها في طور التفعيل أم لا, من خلال مقارنتها مع الهيدرات الأخرى التي تمتلك الخلايا الجذعية. حيث اكتشف الفريق أن هناك اختلافًا في سلوك الخلايا الطلائية (وهي خلايا بسيطة ذات قدرة على الانقسام بشكل مستمر مثل خلايا الجلد لدينا وبطانة الجهاز الهضمي) التي تغطي الجسم الخارجي للهيدرا.
وعلق الدكتور إيفان فينر (Yvan Wenger): «لقد استطعنا أن نشخص 25 نوعًا مختلفًا من الجينات ذات القدرة التعبيرية العالية في خلايا الهيدرا الطلائية, بعض هذه الجينات ترتبط بالفعاليات العصبية, كتوليد الايعازات ونقلها». كما اتضح أن الهيدرا تحفز خلاياها الطلائية على القيام بوظيفة غير طبيعية من خلال تعديل التعبير الجيني فيها، وذلك عندما تفقد خلاياها الجذعية وتصبح غير قادرة على تجديد شبكتها العصبية والمناطق المتضررة. حيث تقوم هذه الخلايا بتغيير نظامها الجيني ثم تصبح أكثر حساسية للمحيط من حولها مما يسمح للهيدرا بملء الفراغ في الأجزاء الوظيفية, ولا زال العلماء يجهلون تفاصيل هذه العملية الفريدة من نوعها التي أطلق عليها الباحثون خاصية “المرونة الخلوية”، أي مرونة تغيير نوع الخلايا.
تصنف الهيدرا من الناحية الهيكلية بأنها بدائية جدًا مقارنة بالحيوانات الاخرى التي تمتلك أعضاءً متخصصة. وبناءً على ذلك، يعتقد العلماء أن خاصية المرونة الخلوية قد تكون قديمة جدا كفعالية تطورت في الوقت الذي تعتبر فيه الخلايا المتخصصة الأكثر تقدمًا (مثل الخلايا المسؤولة عن الإبصار) لم تكن قد تطورت بعد, وهو ما تحتاجه الهيدرا وأسلافها لمحاكاة الوظائف التي تمتلكها الكائنات الأكثر تعقيدًا.