الهند على وشك إطلاق أكبر تجربة للدخل الأساسي في التاريخ . في أعالي الهيمالايا، تتربع سيكيم (Sikkim) والتي تعتبر من أصغر الولايات في الهند ، لكنها على وشك الشروع في تجربة الاهتمام الشامل أو الاهتمام العالمي (Global Interest). فقد أعلن الحزب الحاكم في سيكيم عن خطته الطموحة لتطبيق الدخل الأساسي العالمي (universal basic income) على مواطني هذه الولاية والبالغ عددهم نحو 610,577 مواطنًا. وفي حال نجاحه، يمثل هذا البرنامج أكبر تجربة تطبيقية على مستوى العالم، إذ يقول مؤيدوه مثل مارك زوكربيرغ مؤسس فيسبوك: «يمكن له أن يوفر شبكة من الأمان الاجتماعي ويساعد في الحد من الفقر، والتصدي لمنافسة الآلات في الوظائف العالمية».
بينما يعتقد منتقدو هذا البرنامج أنه سيقلل من الحافز على العمل ويسبب نفقات مرتفعة جدًا. الدخل الأساسي العالمي، هو دخل مضمون ومنتظم تدفعه الحكومة، شامل وغير مشروط لجميع المواطنين. وهذا الدخل عبارة عن دفعة نقدية تعوض عن مجموعة كبيرة من المساعدات التي تقدمها الدول للمواطنين، وتضع قرارات الإنفاق بين أيدي المستفيدين.
قال بريم داس راي (P.D.Rai) العضو الوحيد في البرلمان الهندي عن ولاية سيكيم: «إذا كانت هناك فرصة واحدة لحدوث ذلك في أي مكان، فهو سيكيم». لدى سيكيم بالفعل سجل حافل، ففي عام 1998 كانت من أوائل المدن الهندية التي حظرت أكياس البلاستيك، وكان الحظر ناجحًا بشكل واضح على عكس باقي المدن.
وقد قدمت أيضًا المساكن لمواطنيها، وكانت من أوائل الولايات الهندية التي اعتمدت على الزراعة العضوية؛ ما أدى إلى القضاء على المبيدات الحشرية والأسمدة الكيميائية. موقعها الجغرافي المميز والصغير وانخفاض الكثافة السكانيّة، عوامل جزئية أدت لنجاح هذه الولاية، إذ سجلت المؤشرات الاجتماعية فيها انخفاض نسبة الأمية لتصبح 2% فقط، وتراجع نسبة الأشخاص تحت خط الفقر إلى 8% بينما سجلت 30% في باقي البلاد.
اعترف راي أنه ستكون هناك تحديات: «إنها مسألة إرادة سياسية في نهاية المطاف. مع تصاعد عدم المساواة العالمية، نريد أن نضمن أننا نغلق الفجوة». ورفض راي الكشف عن مقدار تكلفة البرنامج الذي أُعلن عنه قبل الانتخابات القادمة في الربيع الحالي، والذي من شأنه أن يكلف الولاية. ستتم الاستفادة من قطاعي السياحة والطاقة لرفع الموارد، تعتبر السياحة مصدرًا رئيسيًا للدخل فهناك أكثر من 2.5 مليون سائح سنويًا.
تملك سيكيم فائضًا من الطاقة، إذ تبيع ما يقارب 90% من الطاقة المائية لديها. وفي الوقت الحالي، تعقد الحكومة اجتماعاتها مع الخبراء وأصحاب المصالح، ويتوقع إطلاق الخطة في عام 2022. يوجد في الهند جهاز أمن اجتماعي كبير؛ فالحكومة المركزية تنفق منفردة 5% من الناتج المحلي الإجمالي على 950 برنامجًا.
من ضمنها الأرُز المجاني وبدل لبناء المنازل، وضمان العمل لبعض سكان المناطق الريفية. لكن، التطبيق غير الفعّال وضياع الأموال بسبب الفساد لطالما أثقل المنظومة؛ ما دفع الكثيرين إلى اقتراح الدخل الأساسي العام كحل محتمل. وضح المسح الاقتصادي الهندي لعام 2017 أن مفهوم الدخل الأساسي فكرة قوية تجدر مناقشتها.
في أماكن أُخرى حول العالم، كانت هناك العديد من التجارب محدودة النطاق في الدخل الأساسي العام، لكنها حققت نجاحًا محدودًا. في أبريل ٢٠١٧، أعلنت حكومة أونتاريو (Ontario) في كندا عن مشروع تجريبي يضم 4 آلاف شخص من شأنه أن يكلف 150 مليون دولار كندي (113 مليون دولار أمريكي). انتهى المشروع فجأة بعد عام واحد عندما تغيرت الحكومة المحلية، ووصفت الإدارة الجديدة البرنامج بالمكلف وغير المستدام.
أما في فنلندا، انتهت التجربة في شهر ديسمبر بعد مرور عامين عليها في الدخل الأساسي العام، إذ دُفع مبلغ ٦٣٠ دولارًا أمريكيًا شهريًا لـ 2000 مواطن عاطل عن العمل. وليست هناك حاليًا خطط لمواصلة الخطة. وفي الولايات المتحدة وفي نفس الفترة، طُرح هذا المفهوم في ستوكتون (Stockton)، كاليفورنيا من قبل العمدة الشاب (California).
وفي العام الماضي، أعلن أن 100 من السكان سيحصلون على 500 دولار أمريكي لمدة 18 شهرًا. وقد وجدت فكرة الدخل الأساسي العام مؤيدين في وادي السيليكون (Silicon Valley)، مع تأييد أقطاب التكنولوجيا مثل زوكربيرغ وإيلون ماسك. تحدث زوكربيرغ في خطابه الذي ألقاه في جامعة هارفارد في عام 2017 عن الحاجة الى عقد اجتماعي جديد، مع أفكار مثل الدخل الأساسي لتوفير دعم للجميع. وقد وصفها ماسك بأنها خطوة ضرورية لأن الآلات تستحوذ على عمل البشر.
لكن الاقتصاديين المختصين أشاروا إلى مخاطر عديدة محتملة. يتساءل البعض عما إذا كان منح النقود بدلًا من إعانات غذائية أو ما شابه سيؤدي إلى هدر الأموال. بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار، فإن الإعانة المالية ستشتري بضائع أقل. ويقول آخرون إن الدخل الأساسي من شأنه أن يثبط العمل، ما يزيد من إمكانية تقلص القوى العاملة.
يقول براناب بردهان (Pranab Bardhan)، الخبير الاقتصادي في جامعة كاليفورنيا في مدينة بيركلي، تشجيعًا لمبادرة سيكيم: «إن الأسباب وراء وجود دخل أساسي عام في مكان مثل سيكيم يختلف تمامًا عن مكان مثل ستوكتون. في البلدان المتقدمة، يتمثل الهدف الرئيسي في إعادة هيكلة أو تحسين خطط الرعاية الاجتماعية الحالية، مثل إعانات البطالة.
في البلدان ذات الدخل المنخفض أو المتوسط مثل الهند، سيكون المنطق هو معالجة الحد الأدنى من انعدام الأمن الاقتصادي لشريحة أكبر من السكان، وليس فقط الأكثر فقرًا، دون مس التدابير الحالية لمكافحة الفقر». نُشر المقال الأصلي في الواشنطن بوست 2018.
اقرأ أيضًا:
معلومات يجب أن تعرفها عن الاقتصاد الكلي
https://ibelieveinsci.com/?p=37618
لماذا طالب هذا الاقتصادي الحائز على نوبل بحظر عملة البيتكوين؟
مفاهيم التضخم، الفقاعات الاقتصادية والزنبق
ترجمة: عمر النبواني
تدقيق: صهيب الأغبري