تبدو النظرية الديناميكية النفسية نموذجًا مبهمًا وصعب الفهم بالنسبة للمعالجين النفسيين المبتدئين والمتدربين، وتخيف كثافة الكتابات المتعلقة بها المعالجين الأصغر سنًا الذين كانوا سيجدون قيمة كبيرة في مقاربتها.
إن ما نسميه نظرية الديناميكية النفسية أو نظرية التحليل النفسي -وهما وصفان للفكرة ذاتها- تضم مجموعة مختلفة من النماذج النظرية المتنوعة التي يملك كل منها إطارًا فكريًا خاصًا ومصطلحات وطريقة عمل مختلفة مع المرضى. وتختلف النظريات التي يشملها التعريف وتتنوع بتنوع شخصيات مؤسسيها مثل فرويد وسوليفان ووينيكوت وكلاين وكوهوت ووكيرنبرغ وآخرين.
يلخص هذا المقال النظريات الثلاث الرئيسية التي يقوم عليها علم التحليل النفسي حاليًا: نظرية الأنا ونظرية العلاقات المتبادلة ونظرية علم نفس الذات، وهو مخصص للمعالجين الشباب أو الطلاب المهتمين بالمقاربة النفسية التحليلية، ولكنه ليس ملخصًا معمقًا للتحليل النفسي المعاصر إطلاقًا، لأن المجال يتوسع باستمرار باتجاهات مثيرة للاهتمام، كالتركيز الحديث على التحليل النفسي العصبي.
وقبل الخوض في تفاصيل النماذج النفسية الرئيسية نذكر باختصار أهم بعض الأفكار التي توحد نظريات التحليل النفسي وتميزها عن أشكال العلاج النفسي الأخرى.
تقوم كل نظريات التحليل النفسي على الاعتقاد بوجود جزء غير واعٍ من العقل مسؤول عن سلوك الإنسان ويسبب معاناة نفسية عاطفية في ظروف خاصة.
ومن الأفكار الجوهرية أيضًا الحتمية النفسية التي تعني أنه -كما في الحالات الجسدية- لا يمكن فصل الأحداث النفسية عن الأحداث التي سبقتها، وعليه يمكن القول أنه لا توجد أحداث في الحياة النفسية للإنسان تحدث صدفة. من العوامل الأخرى التي توحد نظريات التحليل النفسي جوهرية علاقة المريض بالمعالج وإدراك مفهوم الإحالة، أي إسقاط مشاعر المرء تجاه شخص مهم في حياته على شخص آخر.
نضيف إلى هذه العوامل مبدأً آخر يربط نظريات التحليل النفسي ويميزها عن غيرها من العلاجات هو حماية المحلل النفسي لذاتية (استقلالية) المريض.
نظرية الأنا
يتعلم معظم الطلاب الجامعيين هذه النظرية عن التحليل النفسي في المقررات التمهيدية لعلم النفس. وهي النظرية الكلاسيكية التي حققت التقدير للتحليل النفسي في الولايات المتحدة خاصة، وبلغت أوج ذروتها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي عندما تبناها مشاهير التحليل النفسي مثل هاينز هارتمان وتشارلز برينر.
وفقًا لهذه النظرية يتكون العقل من أطراف متصارعة -الدوافع الجنسية والعدوانية- ورد فعل الضمير -أو الأنا الأعلى- على هذه الدوافع، وتحاول الأنا المساومة بين كل من هذه الدوافع التي تسعى للتعبير عن ذاتها والضمير ومتطلبات الواقع، ويلجأ العقل إلى آليات دفاعية لكي يتعامل مع هذا الصراع كالكبت والاستبدال والتسامي لتخفيف القلق والسيطرة على هذه الحاجات الداخلية المتصارعة ظاهريًا. وعندما تفشل الآليات الدفاعية المستخدمة أو تستخدم آليات دفاعية مرضية تظهر أعراض نفسية.
تركز نظرية الأنا أيضًا على التطور النفسي الجنسي، إذ تمثل الاندفاعات العدوانية والجنسية في الطفولة مشكلات نمو تجب مناقشتها وعلاجها لتجنب الأذى النفسي على المدى الطويل.
نظرية العلاقات المتبادلة
تطورت هذه النظرية كثيرًا بين ثلاثينيات وخمسينيات القرن الماضي لتهيمن على التحليل النفسي في أمريكا في العقود اللاحقة، وتنظر إلى العلاقات الإنسانية والرضى والإحباط الذي تسببه هذه العلاقات جوهريًا في نفسية الإنسان، وتدعمها أبحاث في ظل نظرية التعلق في الخمسينيات من أمثال هاري هارلو وجون بولبي.
وبالمقارنة مع نظرية الأنا التي تركز الدوافع الغريزية تجاه الجنس والحرب، تركز نظرية العلاقات المتبادلة على الحاجة إلى العلاقات والألفة والحميمية، وتركز على تجارب المريض المبكرة مع الوالدين ومن يرعونه وكيف تترسخ هذه العلاقات لديه وتتكرر في حياته.
ومن الأفكار الجوهرية لهذه النظرية تطور تعبير مستقر عن الذات، وعندما لا يتمكن المرء من تحقيق هذا التعبير عن الذات تظهر لديه اضطرابات نفسية، وقد شرحت هذه الأفكار في أعمال كيرنبرغ المهمة عن النرجسية واضطرابات الشخصية الحدية.
يعبر الدكتور ويليام ماير -الأستاذ المساعد في قسم الطب النفسي والتوليد والنسائي في جامعة ديوك- عن وجهة نظر هذه النظرية بقوله: «إن العلاج الأمثل للأشخاص الذين أُحبطوا بعلاقات إنسانية هو علاقة إنسانية صامدة لا تسببب الإحباط».
نظرية علم نفس الذات
طور الطبيب النفسي هاينز كوهوت هذه النظرية بداية بوصفها فرعًا من نظرية العلاقات المتبادلة، وهي أجدد النماذج الديناميكية النفسية، وسميت بهذا الاسم بسبب تركيزها على أن معاناة بعض المرضى متجذرة فيهم بسبب مشكلات في تقديرهم لذواتهم وقدرتهم على المحافظة على شعور ثابت ومتماسك بالذات.
عرّف كوهوت مصطلحًا جديدًا هو هدف الذات selfobject، ويعبر عن العلاقة المثالية بين الوالد والطفل ذات التعاطف والمصادقة الأمثل، فعند كوهوت تنشأ النرجسية عندما لا يعمل هدف الذات كفايةً، وعليه فإن معظم الأعمال المتعلقة بهذه النظرية تركز على مشكلة النرجسية التي كانت بالنسبة للتحليل النفسي أخطاءً لا تغتفر، وإن المشكلات المبكرة في وظيفة هدف الذات يصعب تحقيقها لأهدافها مع الآخرين في المراحل اللاحقة من الحياة.
استخدِمت نظرية علم نفس الذات منذ تطويرها في سبعينيات القرن الماضي في علاج العديد من الحالات النفسية، بدءًا من اضطرابات الشخصية ووصولًا إلى الاكتئاب والأمراض الجسدية النفسية، وما زالت هذه النظرية مستمرة بالتوسع والتحسين.
الخلاصة
يتألف التحليل النفسي المعاصر من أطر نظرية عديدة، منها النظريات الثلاث السابقة. توجد العديد من النظريات الأخرى، ومن الشائع الآن تشجيع المعالجين النفسيين المتدربين على التعرف على النماذج الديناميكية النفسية المختلفة بدلًا من الاقتصار على نموذج تحليلي واحد.
اقرأ أيضًا:
ما الفرق بين التحليل النفسي والعلاج النفسي؟
ما هو التحليل النفسي وكيف يتم وهل يستحق الأهمية المعطاة له؟
ترجمة: ليلان عمر
تدقيق: محمد حسان عجك