تترابط الفيزياءُ بشكلٍ مُثير، فالحرارةُ مُرتبطةٌ بالحركة، والحركةُ مُرتبطةٌ بالكهربية، والكهربيةُ ترتبطُ بالحرارة، فتشعرُ وكأنّك وسطَ خيوطِ عنكبوتٍ كثيفة، أو كأنّك في متاهةٍ وقد ضللت الطريق، فكُلّ الطرق تتشابك مع بعضها البعض، ولكي تهتدي للطريق الصحيح عليك أن تدرس هذه المتاهة جيدًا، وتعي الترابط بين الطرق حتى تصلَ إلى خطّ النهاية.
تَعرّضنا في الماضي للعلاقة بين الطاقة الحراريّة والطاقة الميكانيكيّة الحركيّة، وكيفَ يمكن توليدُ طاقةٍ حراريةٍ من الطاقة الحركيّة، لكنّنا سنستعرضُ هذه المرة كيف يُمكن أن تؤثر الحرارة على الحركة، وذلك عن طريق توضيح مفهوم «نظرية الحركة».
يتكون الغاز من الذرات التي تترابط فيما بينها لتكوِّن الجُزيئات، ومن المُتعارف عليه أنّ المسافات البينيّة بين جزيئات الغاز كبيرةٌ جدًا، وهذا ما يجعل الغاز قابلًا للانضغاط مثلًا، بالإضافة إلى أنّ الذرات المكوِّنة للغازات في حركةٍ مستمرةٍ ودائمةٍ بصورةٍ عشوائيّة، وبالتالي فإنّه لكلّ ذرة من هذه الذرات متوسطَ سرعةٍ وطاقةٍ حركيّة، وكلّما ارتفعت درجة الحرارة للوسط المُحيط بجزيئات الغاز وذراته، كلما زادت حركة تلك الذرات، ومن هُنا يمكننا أن نحسب درجة حرارة الوسطِ المُحيطِ بأيِّ غاز، بمجرد معرفتنا بمقدار الزيادة في الطاقة الحركية لذرات الغاز.
فلو أحضرنا إناءً وأغلقناه بمكبسٍ متحرك، وظلّ المكبس في مكانه دون أيِّ حركة، مع معرفتنا المُسبقة بدرجة حرارة الغاز الذي يحويه هذا الإناء، دعنا نحرّك المكبس للأسفل قليلًا لنضغط على جزيئات الغاز داخل الإناء.
يا تُرى ما هو ردّ فعل جزيئات الغاز؟
هل ستقبل الانضغاط؟
أم سيكون لها رأيٌّ آخر؟
بالفعل عزيزي القارئ ستقوم جُزيئات الغاز بمواجهة هذا المكبس ومقاومته، وذلك عن طريق حركتها العشوائية التصادمية، وسيظلّ المكبس يتحرك نحو الأسفل، حتى تتعادل القوة الضاغطة للمكبس، مع القوى الدافعة لجزيئات الغاز، وحينها سيحدث تساوٍ بين القوّتين في اتجاهين متضادَّين، وبالتالي سيتوقف المكبس عن الانزلاق.
فلنقم بضغط الغاز أكثر وأكثر، وندفع المكبس بقوّةٍ أكبر ممّا سبق، ستتضاءل المسافات البينية بين جُزيئات الغاز، ولكنّ درجة حرارتها لن ترتفع، كلُّ ما سيحدث هو زيادة سرعتها وطاقة حركتها فقط؛ لدفع المكبس إلى الأعلى، إذن فالمكبس بحاجة لقوةٍ إضافيةٍ لمجابهة الزيادة في سرعات جُزيئات الغاز، هذا ما تُخبرنا به «نظرية الحركة».
أهملنا في التجربة السابقة نوعَ الغاز الذي يملأ الوعاء، وانصبّ كلّ تركيزنا على مقاومة الغاز لحركة المكبس والزيادة في طاقة حركة الجُزيئات، لكن لو قمنا بتَكرار نفس التجربة، بنفس الظروف المشابهة ولكن على وعاءين، يملأُ كُلًّا منهما غازٌ مُختلفٌ عن الآخر، ولهما نفس الحجم، ويعانيان نفس الضغط بواسطة المكبس، ولديهما درجة حرارة متساوية، وبالتالي فإنّ كلّ ذرة لكلٍّ منهما تحوي نفسَ كمية الحركة لباقي الذرات، ونخلص من هذا الأمر باستنتاج أنّ كلا الوعاءين يحويان نفس العدد من الذرات، دون النظر لنوع الغاز في أيٍّ منهما، وبالتالي فإنّ «نظرية الحركة» تمدّنا بإفادة جديدة وهي تعيين عدد الذرات للغازات.
هذا كلّه عن الغاز، ولكن ماذا عن حركة الجُزيئات في وسط سائل كالماء مثلًا؟
هذا ما سنتعرف عليه في الحلقة القادمة.
إعداد: مازن عماد
تدقيق: عبدالسلام الطائي