يمكن تعريف النظام الاقتصادي المختلط على أنه نظام يجمع بين بعض جوانب النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي. يحمي النظام الاقتصادي المختلط الملكية الخاصة ويسمح بمستوى من الحرية الاقتصادية في استخدام رأس المال، ولكنه يسمح أيضًا للحكومات بالتدخل في الأنشطة الاقتصادية بهدف تحقيقها لأهداف اجتماعية.
ووفقًا للنظرية الكلاسيكية الحديثة، تُعتبر الاقتصادات المختلطة أقل كفاءةً من الأسواق الحرة الصرفة، إلا أن مؤيدي مبدأ التدخل الحكومي يجادلون بعدم إمكانية تحقيق الشروط الأساسية اللازمة لتحقيق الكفاءة في الأسواق الحرة، مثل عدالة المعلومات وعقلانية المشاركين في السوق، من الناحية العملية.
المفاهيم الرئيسية
النظام الاقتصادي المختلط هو اقتصاد منظم مع بعض عناصر السوق الحرة وبعض عناصر الأنظمة الاشتراكية، إذ يستند على مبدأ الاستمرارية بطريقة ما بين الرأسمالية الخالصة والاشتراكية الخالصة. تحافظ الاقتصادات المختلطة عادةً على الملكية الخاصة وتسيطر على غالبية وسائل الإنتاج، إلا أن ذلك يتم وفق الشروط الحكومية.
تدير الاقتصادات المختلطة مركزيًا بعض الصناعات التي تعتبرها ضرورية أو التي تنتج السلع العامة. وعلى الرغم من انتقادات بعض الاقتصاديين للآثار الاقتصادية لمختلف أشكال الاقتصاد المختلط، تُعتبر غالبية الاقتصادات المعروفة القديمة والحديثة منها أمثلةً للاقتصادات المختلطة.
فهم الأنظمة الاقتصادية المختلطة
تتميز غالبية الاقتصاديات الحديثة بتوليفة من نظامين اقتصاديين أو أكثر، وذلك بعد انهيار الاقتصادات الكبرى في مراحل سابقة من مراحل التطور الاقتصادي، إذ يعمل القطاع العام في هذه الاقتصاديات جنبًا إلى جنب مع القطاع الخاص وقد تدخل العلاقة بينهما أحيانًا حالة المنافسة على نفس الموارد المحدودة.
وفي الغالب لا تمنع الأنظمة الاقتصادية المختلطة القطاع الخاص من السعي لتحقيق الأرباح إلا أنها تنظم الأعمال وقد تتدخل بتأميم بعض الصناعات التي تقدم سلعًا عامةً.
وعلى سبيل المثال تُعتبر الولايات المتحدة الأمريكية اقتصادًا مختلطًا فهي تترك غالبًا ملكية وسائل الإنتاج للقطاع الخاص، لكنها تسيطر بالمقابل على قطاعات مثل الإعانات الزراعية وتنظيم الصناعة وتحتفظ بالملكية العامة بشكل جزئي أو كامل لبعض القطاعات مثل البريد والدفاع الوطني.
في الواقع تسقط جميع الاقتصادات التاريخية والحديثة المعروفة في مكان ما نتيجة استمرارية ونجاح الاقتصادات المختلطة، وتمثل كل من الاشتراكية الخالصة والأسواق الحرة الخالصة تركيبات نظرية فقط.
ما الفرق بين النظام الاقتصادي المختلط والأسواق الحرة؟
لا تُعتَبر الأنظمة الاقتصادية المختلطة من الأنظمة التي تهدف إلى عدم التدخل في النشاط الاقتصادي، إذ تشارك حكومات الاقتصاديات المختلطة في تخطيط استخدام بعض الموارد، ويمكنها أن تسيطر على بعض الشركات في القطاع الخاص، وقد تسعى إلى إعادة توزيع الثروة في المجتمع من خلال فرض الضرائب على القطاع الخاص واستخدام أموال الضرائب لتعزيز بعض الأهداف الاجتماعية.
تُعد الحماية التجارية والإعلانات والائتمانات الضريبية المستهدفة والحوافز المالية والشراكات بين القطاعين العام والخاص أمثلةً شائعةً على تدخل الحكومة في الاقتصاد المختلط، وبلا شك تولد كل تلك التدخلات تشوهات اقتصادية لكنها تُعتبر أدوات لتحقيق أهداف محددة قد تنجح بالرغم من تأثيرها غير المحدد.
تتدخل البلدان غالبًا في الأسواق لتشجيع بعض صناعاتها المستهدفة عن طريق إنشاء تكتلات دولية والعمل على الحد من الحواجز في محاولة لتحقيق ميزة تفضيلية لهذه الصناعات.
وكان هذا الأمر منتشرًا بوضوح ما بين بلدان شرق آسيا في استراتيجيته للتنمية للقرن العشرين والمعروفة باسم النمو الموجه بالصادراتExport Led Growth، ونتيجة لذلك تحول المنطقة إلى مركز صناعي عالمي لمجموعة متنوعة من الصناعات، وتخصص عدد من الدول بصناعة النسيج والبعض الآخر بالآلات، في حين تخصصت بعض الدول بصناعة المكونات الإلكترونية.
واستطاعت هذه القطاعات المنافسة بعد أن حَمَت الحكومات الشركات الناشئة عن طريق خلق حيز تنافسي بالترافق مع دعم الخدمات المرافقة مثل الشحن.
الاختلاف عن الاشتراكية
تفرض الاشتراكية الملكية المشتركة أو المركزية لوسائل الإنتاج، ويعتقد أنصار الاشتراكية أن بإمكان التخطيط المركزي تحقيق فائدة أكبر لأكبر عدد ممكن من السكان. ولا يثق أنصار الاشتراكية في إمكانية السوق الحرة على تحقيق الكفاءة والتحسين التي يطرحها الاقتصاديون الكلاسيكيون لذلك ينادي الاشتراكيون بتأميم جميع الصناعات ومصادرة السلع الرأسمالية المملوكة ملكيةً خاصة والأراضي والموارد الطبيعية.
نادرًا ما تصل الاقتصادات المختلطة إلى هذا الحد الأقصى، وبدلًا من ذلك فهي تحدد فقط الحالات المحددة التي يمكن أن يحقق فيها التدخل نتائج من غير المرجح أن تتحقق في الأسواق الحرة.
يمكن أن تشمل هذه التدابير سياسات مثل مراقبة الأسعار وإعادة توزيع الدخل والتنظيم المركز للإنتاج والتجارة. من الناحية العملية تشمل هذه التدابير أيضًا كل من الرعاية لصناعات معينة تمتاز بكونها تملك منافع عامة والتي تُعتَبر ضروريةً، ويعتقد الاقتصاديون أن السوق الحرة قد لا توفر الإمدادات الكافية لقطاعات ضرورية مثل المرافق العامة والقوات العسكرية وقوات الأمن الداخلي وحماية البيئة. وعلى عكس الاشتراكية البحتة فإن الاقتصادات المختلطة تحافظ عادةً على الملكية الخاصة وتسيطر على وسائل الإنتاج.
تاريخ وانتقاد النظام الاقتصادي المختلط
اكتسب مصطلح الاقتصاد المختلط بعد الحرب العالمية الثانية مكانةً بارزةً في المملكة المتحدة على الرغم من اقتراح العديد من السياسات المرتبطة بهذا المصطلح في ذلك الوقت لأول مرة في الثلاثينيات، وارتبط العديد من المؤيدين بحزب العمال البريطاني.
جادل النقاد بعدم إمكانية إيجاد حل وسط بين التخطيط الاقتصادي واقتصاد السوق، ويتساءل الكثيرون حتى اليوم عن مدى صلاحية أنظمة الاقتصاد المختلط نظرًا لكونها مزيج من النظم الاشتراكية والرأسمالية. يقول أولئك الذين يعتقدون أنه لا يمكن جمع المفهومين معًا بأنه يجب أن يسود في الاقتصاد إما منطق التخطيط الاقتصادي أو اقتصاد السوق.
ويقول المنظّرون الكلاسيكيون والماركسيون إن الاقتصاد يُقاد بقانون القيمة وتراكم رأس المال، أو يُدفع بأشكال التقييم غير النقدية (بمعنى أخر المعاملات غير النقدية) في نهاية المطاف. يعتقد هؤلاء النظريون أن الاقتصادات الغربية ما زالت تعتمد وبشكل رئيسي على النظام الرأسمالي بسبب استمرار دورة تراكم رأس المال.
جادل الاقتصاديون النمساويون بكون الاقتصاد المختلط اقتصادًا غير مستدام لأن العواقب غير المباشرة لتدخل الحكومة في الاقتصاد -مثل العجز الاقتصادي الناتج وبشكل روتيني عن عمليات ضبط الأسعار- ستؤدي بشكل مستمر إلى زيادة الدعوات للتدخل الأكثر وبشكل متزايد لتعويض آثارها، ما يشير إلى أن الاقتصاد المختلط هو اقتصاد غير مستقر بطبيعته وسيتجه دائمًا نحو دولة أكثر اشتراكية مع مرور الوقت.
وبداية من منتصف القرن العشرين وصف الاقتصاديون في مدرسة الخيار العام كيف يمكن لتفاعل صانعي السياسات الحكومية والأسواق ومجموعات المصالح الاقتصادية أن يوجه السياسة في الاقتصاد المختلط بعيدًا عن المصلحة العامة، إذ تعمل السياسة الاقتصادية في الاقتصاد المختلط على تحويل تدفق النشاط الاقتصادي والتجارة والدخل بعيدًا عن بعض الأفراد والشركات والصناعات والمناطق ونحو أخرى.
وبالإضافة إلى التشوهات الضارة في الاقتصاد نفسه يمكن أن يؤدي هذا أيضًا إلى خلق رابحين وخاسرين جدد، ما يخلق دوافع قوية للأطراف المعنية لأخذ بعض الموارد بعيدًا عن الأنشطة الإنتاجية واستخدامها بالضغط والتأثير على السياسة الاقتصادية بما يتماشى مع مصالحهم الخاصة. يُعرف هذا النشاط غير المنتج بالسعي وراء الريع أي سعي طرف لزيادة حصته من الثروة المِوجودة من دون خلق ثروة جديدة.
اقرأ أيضًا:
الخطأ الأكبر الذي ارتكبه بيل غيتس في عالم الأعمال
ترجمة: د. روان علي حاتم
تدقيق: آية فحماوي
مراجعة: نغم رابي