يرتعش بعض الناس خوفًا عند ذكر كلمة «إشعاع»، في حين يجد البعض الآخر أن التعرض إلى القليل منه قد يكون ممتعًا. فقد يحوّلك الإشعاع إلى بطل خارق يشبه العملاق الأخضر «هالك».
من الأمور المتعارف عليها أن كل شيء حولنا تصدرعنه نسبة من الإشعاعات، حتى الطعام الذي نتناوله. ماذا يعني ذلك بالضبط؟ وهل يجب أن يحذر البشر عند تناول بعض الأطعمة أكثر من غيرها؟ الأهم من ذلك، كيف يمكن للجسم البشري أن يمتلئ بالإشعاعات ويبقى سليمًا؟
ما هو الإشعاع؟
ببساطة، الإشعاع هو طاقة تنتقل من مكان إلى آخر، إما على شكل موجات أو على شكل جسيمات. تأتي الإشعاعات من مصادر مختلفة، بعضها مصادر طبيعية، وبعضها الآخر مصادر اصطناعية.
تتضمن بعض الأمثلة عن الإشعاعات: الإشعاع الصادرعن الشمس والفضاء الخارجي – يتعرض له البشر يوميًا-، والنشاط الإشعاعي الموجود في الهواء والطعام والماء. جميع هذه المصادرهي طبيعية ينبعث منها الإشعاع بشكل أو بآخر.
قد يتفاجأ البعض عندما يعلم أن فاكهة الموز تشكل مصدرًا طبيعيًا يحتوي على الإشعاعات. كيف ذلك؟ يحتوي الموز على مستويات عالية من البوتاسيوم، جزء صغير من هذا البوتاسيوم يصدر إشعاعات (هناك نوع معين من البوتاسيوم، يتوافر في الطبيعة بكميات قليلة يصدر الإشعاعات).
تجدر الإشارة إلى أنه لا داعي للتوقف عن تناول عصير الموز الممزوج، لأن كمية الإشعاع الموجودة في فاكهة الموز قليلة جدًا، ولا تعادل شيئًا من الإشعاع الخلفي – back ground radiation الذي يتعرض له الإنسان كل يوم.
أما بالنسبة لمصادر الإشعاع الاصطناعية، فهي تتضمن العلاجات الطبية الحديثة، تحديدًا العلاجات التي تستخدم الأشعة السينية.
تَصدر الإشعاعات أيضًا عن خطوط الهاتف وتمديدات الكهرباء.
هنا يجب دحض الخرافة التي تقول أن مصادر الإشعاع الاصطناعي أكثر ضررًا من مصادر الإشعاع الطبيعية، فهذا ليس صحيحًا بتاتًا.
دون التطرق للتفاصيل، لا توجد خصائص فيزيائية تجعل الإشعاعات الاصطناعية أكثر خطورة أو اختلافًا عن نظيرتها الطبيعية. إن الضرر الذي ينتج عن الإشعاع يظهر عندما تزداد نسبة التعرض له، وليس حسب مصدره.
ما الفرق بين الإشعاع والنشاط الإشعاعي؟
عادة ما يُستخدم هذان المصطلحان، دون التمييز بينهما. مع أن الكلمتين قريبتان من بعضهما، إلا أن الاختلاف بينهما واضح ولا يمكن تجاهله.
إن النشاط الإشعاعي يُعبّر عن حالة الاضمحلال الإشعاعي التي تمر بها الذرة. في هذه الحالة، تطلق الذرة الطاقة على شكل إشعاع. تحاول الذرة بعد خسارتها للطاقة أن تعود إلى حالة الاستقرار كما كانت سابقًا، أو على الأقل أن تخرج من حالة الاضمحلال الإشعاعي.
يشير مفهوم النشاط الإشعاعي أيضًا إلى النسبة التي تتآكل فيها المادة، والعمليات التي تؤدي إلى دخولها في هذه الحالة.
إذًا، يمكن تعريف النشاط الإشعاعي على أنه المرحلة التي تمر فيها العناصر والمواد كي تعود إلى حالة الاستقرار، أما الإشعاع فهو الطاقة التي تطلقها هذه العناصر.
الإشعاعات المؤينة-ionizing وغير المؤينة-non ionizing
تُقسم الإشعاعات إلى نمطين، اعتمادًا على مستوى الطاقة. الإشعاعات المؤينة تمتلك طاقة كافية كي تزيل الإلكترون من الذرة، ما يؤدي إلى تغير التركيبة الكيميائية للمادة. تشمل الأمثلة الشائعة لهذا النوع من الإشعاع الأشعة السينية والرادون (غاز ذو نشاط إشعاعي يوجد في الصخور والتربة).
أما الإشعاعات غير المؤينة فتكون طاقتها قليلة، لكنها قادرة على حث الجزيئات والذرات، ما يزيد من سرعة ذبذبتها. إن مصادر الإشعاع غير المؤين تتضمن الهواتف المحمولة وتمديدات الطاقة والأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن الشمس.
هل كل الإشعاعات خطرة؟ طبعًا لا
لا يُعد الإشعاع خطرًا دائمًا، بل هناك عوامل مثل نوع الإشعاع وشدته ومدة التعرض له، جميعها تُحدد مقدار الضرر الذي قد يسببه.
عمومًا، كلما زادت طاقة إشعاع ما، زادت احتمالية تسببه بالضرر. على سبيل المثال، أثبت العلم أن زيادة التعرض لمصدر إشعاع غير مؤين فترة طويلة مثل غاز الرادون الطبيعي تسبب تلف الأنسجة والحمض النووي داخل جسم الإنسان.
من المعروف أيضًا أن التعرض للأشعة فوق البنفسجية الشديدة الصادرة عن الشمس يؤذي البشر، ويسبب أمراض صحية خطيرة، مثل السرطان والحروق وحتى العمى.
الأهم من ذلك، يمكن تأمين الحماية اللازمة ضد هذه الإشعاعات بما أن أضرارها معروفة. تضمن بعض الجهات التي يترأسها خبراء من العلماء والاختصاصيين وضع توجيهات للحماية من الإشعاع.
تتم الحماية من الإشعاع المؤين على النحو التالي: يُشترط خفض الإشعاعات المستخدمة التي هي أعلى من الإشعاعات الخلفية. مثلًا، عند الحاجة لإجراء علاج طبي يتطلب تصويرًا شعاعيًا لجزء من الجسم، يجب أن تُستخدم نسبة إشعاع منخفضة، ويُحتفظ بصور إضافية من الصورة لتجنب تكرار العلاج مستقبلًا.
بالنسبة للإشعاع غير المؤين، يُنصح بالحماية منه كما يلي: أولًا، ضرورة إبقاء نسبة التعرض له دون حدود السلامة. مثلًا، يمكن قراءة الشروط الموضوعة لضمان السلامة عند التعامل مع أجهزة الاتصالات اللاسلكية، فهذه الأدوات تُصدر إشعاعًا غير مؤين.
إضافةً إلى ذلك، تساعد قراءة مؤشر الأشعة فوق البنفسجية على اتخاذ إجراءات تحمي من أضرار هذه الأشعة عندما يزيد المؤشر عن المستوى 3. على العموم، يجب وضع كريم واقٍ من الشمس وارتداء ملابس مناسبة عند التعرض لهذه الأشعة.
الإشعاع في الطب
مع أن هذا المقال قد تطرق إلى جوانب الإشاعات السلبية في الدرجة الأولى، إلا أن الإشعاعات لها فوائد في مجالات عديدة، مثل الطب.
يعتمد الطب الحديث اعتمادًا كبيرًا على تقنيات التصوير الإشعاعي التي تستخدم الإشعاع المؤين، مثل التصوير المقطعي والأشعة السينية، وتقنيات الفحص التي تستخدام الإشعاع غير المؤين، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI).
تسمح جميع التقنيات السابقة للأطباء في تحديد ما يحدث داخل جسم الإنسان بدقة، ما يؤدي إلى تشخيصات أسرع، ويقلل الحاجة إلى علاج جراحي. يعالج التصوير الإشعاعي أيضًا الحالات المرضية الخطيرة التي لا تظهر للوهلة الأولى.
يشمل العلاج الطبي باستخدام الأشعة جوانب أخرى، مثل قتل الأنسجة السرطانية أو تقلص الأورام، أو حتى تخفيف الألم في منطقة معينة من الجسم.
الآن، هل حقًا أجسام البشر مليئة بالإشعاعات؟ الإجابة هي نعم. مثل كل شيء في الطبيعة، يحتوي جسم الإنسان على نسبة من الإشعاع، لكنها لا تُشكل خطرًا. صُمم الجسم البشري كي يتحمل نسبة منخفضة من الإشعاع، لهذا السبب لا يوجد خطر من الكميات التي نتعرض لها في حياتنا اليومية العادية.
لكن يجب الفصل بين الواقع والخيال، فمن غير المحتمل أن يؤدي الإشعاع إلى خلق أبطال خارقين مفتولي العضلات، وذوي جلد أخضر.
سارا لوران، مسؤولة في ARPANSA، وأستاذة جامعية مساعدة في جامعة ولنغ جونغ.
اقرأ أيضًا:
الموز قد ينقرض قريبا وقد حدث ذلك من قبل
ترجمة: طاهر قوجة
تدقيق: فاطمة جابر
مراجعة: نغم رابي