تقول الأسطورة أن الكونتيسة إليزابيث باثوري التي كانت تعيش في القرن السادس عشر في المجر سلكت طرقًا شنيعة للحفاظ على شبابها وجمالها.
تقول السجلات التاريخية إن المرأة سُجِنت جراء تهمة بقتل مئات الفتيات والاستحمام في دمائهن زعمًا أنه يعيد الشباب. وعلى الرغم من أن هذه الاتهامات مشكوك في صحتها، إلا أن فكرة اللجوء للسحر الأسود الغامض سعيًا وراء الشباب الأبدي لا تزال قائمة.
بينما قد لا يساعد تجرع دماء الآخرين البشر، فإن أدلةً جديدةً تبين أن هذه الطريقة فعالة للغاية في النجوم. إذ تقترح دراسة للنجوم المتصادمة في مركز درب التبانة أنها أقدم بكثير مما تبدو عليه، وأن مظهرها اليافع هو نتيجة الالتهام الكوني.
تقول عالمة الفيزياء الفلكية سانيا روز من جامعة نورث وسترن في إلينوي: «ينجو عدد قليل من النجوم من التصادمات. تجمع هذه النجوم المزيد من الهيدروجين من التصادمات والاندماجات. وعلى الرغم من أنها تكونت بين مجموعات نجمية أقدم، فإنها تتنكر كنجوم شابة ذات مظهر متجدد. الأمر يشبه لو أنها زومبي تأكل جيرانها من النجوم».
إن مركز المجرة مكان محموم بالنشاط والحركة، إذ يستقر ثقب أسود هائل تبلغ كتلته 4 ملايين ضعف كتلة الشمس، تدور وتحوم النجوم من حوله بأعداد ضخمة وسرعات جنونية في مداراتها الطويلة الملتفة. يعج مركز درب التبانة بكثافة بالنجوم، ما يجعله بيئة مهيأة للجرائم بين النجوم إن جاز التعبير.
تقول روز: «يشبه الأمر إلى حد كبير الركض في محطة مترو مزدحمة للغاية خلال ساعة الذروة في نيويورك، فإن لم تصطدم بالآخرين فإنك بلا شك تمر بالقرب منهم. بالنسبة للنجوم، فإن هذا التقارب الشديد يحفز تفاعلًا بين جاذبيتهما حتى وإن لم يتم الاصطدام بينهما. لذا أردنا أن نستكشف هذه التفاعلات والتصادمات أكثر وأن نصنف نتائجها وما تعنيه للمجموعات النجمية».
دراسة النجوم في مركز المجرة أمر معقد للغاية إذ توجد الكثير من الأشياء هناك، بما في ذلك سحب غازية كثيفة تحجب الرؤية على معظم الأطوال الموجية. فقررت روز وزملاؤها اللجوء إلى المحاكاة، فأنشأوا نموذجًا لمركز المجرة وكل ما يتواجد به، ورصدوا النتائج حالما بدأت النجوم في التحرك.
توصلوا إلى أن مصير النجوم المتصادمة مرتبط ارتباطًا مباشرًا بقربها من الثقب الأسود.
عند مسافة 0.01 فرسخ فلكي -أي حوالي واحد على ثلاثين من السنة الضوئية- تحدث التفاعلات بين النجوم بشكل طبيعي ولكنها تنجو نظرًا لسرعتها العالية. تميل هذه التفاعلات إلى أن تكون تصادمات تترك كلا النجمين سليمين إلى حد ما، على الرغم من احتمالية أن يفقدا جزءًا لا بأس به من موادهما الخارجية في أثناء التصادم.
على الناحية الأخرى، إن زادت المسافة عن 0.01 فرسخ، تزداد الأمور عنفًا، إذ تتحرك النجوم بسرعة أقل، لذا لا تمتلك الزخم الزاوي الذي يجعلها تستمر في الحركة عندما تلتقي ببعضها، بل تعلق في جاذبية بعضها البعض وينتج عن ذلك تصادم كامل يندمج فيه النجمان ليصبحا نجمًا واحدًا كبيرًا.
من هذه العملية، تكتسب النجوم ما يكفي من الهيدروجين لتعطيها مظهرًا شابًا أكثر وإن كان عمرها الحقيقي أكبر. ولكن ينقص عمر النجم بزيادة حجمه.
قالت روز: «تشبه النجوم الضخمة السيارات العملاقة التي تستهلك الكثير من الغاز، فإنها تبدأ بالكثير من الهيدروجين لكنها تحترق بوتيرة سريعة جدًا».
تفسر النتائج سمةً غريبة للمجموعة النجمية في مركز المجرة، وهي الغياب المحير لعمالقة النجوم الحمراء القديمة. توصل الباحثون أن فقدان الكتلة بسبب التصادم والاندماج الذي ينتج نجومًا عملاقة قصيرة العمر، يتسبب في نقص أعداد العمالقة الحمراء عن الكم المتوقع رؤيته في أي مجموعة نجمية.
يمكن أن تساعد البحوث الرصدية والفرضيات المستقبلية في تسليط الضوء أكثر على هذه العمليات والكشف عن الديناميكيات المعقدة التي تحدث في طبيعة كونية لا مثيل لها.
قُدّمت النتائج دون مراجعة إلى رسائل المجلة الفلكية الفيزيائية وتم طرحها في اجتماع الجمعية الفيزيائية الأمريكية في أبريل.
اقرأ أيضًا:
الجاذبية بين نجمين يدوران حول بعضهما؛ ظاهرة كونية تعجز قوانين الفيزياء عن تفسيرها
أقرب صورة على الإطلاق: أحد الثقوب السوداء الهائلة يبتلع نجمًا في الفضاء
ترجمة: إسراء أسعد
تدقيق: بسام موسى