قاس العلماء كتلة نجم نيوتروني أسموه PSR J0952-0607 ووجدوا بأنه أكبر نجم نيوتروني مُكتشفٍ حتى الآن، بكتلة تفوق 2.35 مرة من كتلة الشمس.
في حال تأكيد هذه الحسابات، سيكون بين أيدينا نجم تُشير النظريات إلى أنه الأقرب إلى الحد الأقصى للكتلة المتوقعة لنجم نيوتروني؛ التي تُقدر بحوالي 2.3 كتلةٍ شمسية.
يُتيح ذلك الاكتشاف إجراء دراساتٍ متنوعةٍ لهذه النجوم شديدةِ الكثافة، بحجمها الذي يضعها ضمن مجال الانهيار. آملين أن نكتسب فهمًا أعمق للحالةِ الكمومية الغريبة التي تُميز تلك النجوم.
يقول مختص الفيزياء الفلكية أليكس فيليبنكو من جامعة بركلي في كاليفورنيا: «لدينا فهمٌ محدودٌ لطبيعة المادة في البنى النووية، مثل نواة ذرة اليورانيوم. إذ يُشبه النجم النيوتروني إلى حدٍّ ما نواةً واحدةً عملاقةً، لكن بعد إضافة ما يُعادل 1.5 كتلة شمسية إليه، حينها تصعب دراسة كيفية تصرُّف هذه الكتلة الهائلة».
تتشكّل النجوم النيوترونية من انهيار نوى النجوم هائلة الحجم قبل حدوث الانفجار النجمي الأعظم، وتلاشي كتلها في الفضاء. تبلغ كتلة النجم النيوتروني الواحد من 8 إلى 30 مرة من كتلة الشمس.
تُعد نوى هذه النجوم من أكثر الأجرام كثافة في الكون، إذ تفوق كتلتها كتلة الشمس بحوالي 1.5 مرة؛ تتفوق عليها بالكثافة الثقوب السوداء فقط.
تتجمّع كتلة هذه النجوم في مجالٍ كروي طوله 20 كيلومترًا عند تلك الكثافة تندمج الإلكترونات والبروتونات معًا لتشكّل النيوترونات.
تُسمى القوة التي تُبقي النجم النيوتروني متماسكًا، من دون أن يتحولَ إلى ثقبٍ أسود، قوةَ ضغط الانحطاط Degeneracy Pressure، وهي القوة ذاتها المسؤولة عن إبقاء الحالة الكمومية للنجم النيوتروني ضمن الحيز الذي يملؤه.
يمكن القول أن النجوم النيوترونية تتصرف مثل نواة الذرة كبيرة الحجم. لكن يبقى من الصعب معرفة ما يحدث عند نقطة التحوّل، إذ تُشكّل عندها النجوم النيوترونية بنىً فريدةً من نوعها، أو تتجمّع لتُكوّن مجموعةً صغيرةً من الجسيمات.
كان نجم PSR J0952-0607 أحد أكثر النجوم النيوترونية إثارةً من الأساس. إذ ينتمي إلى ما يُسمى بالنجوم النابضة وهي نجومٌ نيوترونيةّ ذات سرعة دوران فائقة، وتتطاير من أقطابها نفثات من الإشعاعات. عندما يدور هذا النجم، تمرّ هذه الأقطاب بالراصد (نحن)، بطريقة تشبه المنارة الكونية فيبدو النجم وكأنه ينبض.
تصل سرعات هذه النجوم إلى مستوياتٍ خياليةٍ، إذ تتمتع بسرعة دوران تُقاس بالميلي ثانية. ويُعد نجم PSR J0952-0607 ثاني أسرع نجمٍ نابضٍ في المجرّة، بمعدّل 707 دورةٍ في الثانية (النجم الوحيد الأسرع منه بفارقٍ بسيط، لديه معدّل دوران 716 دورةٍ في الثانية).
يُعرف النجم النيوتروني النابض باسم “الأرملة السوداء”. حيث يوجد على مقربةٍ من مدار النجم النيوتروني نجم ثنائي؛ قريبٌ لدرجة أن النجم النيوتروني يتغذّى على ذاك النجم المرافق بحقل جاذبيته الهائل الذي يبتلع الأشياء. تتراكم هذه المواد لتكوّن قرصًا يدور حول النجم النيوتروني ويغذّيه. يُشبه ذلك دوران المياه حول مجرى الصّرف الصحي. يؤدي انتقال التسارع الزاوي، من القرص المُتراكم إلى النجم، إلى زيادة معدّل دورانه أكثر.
أراد فريق بقيادة عالم الفيزياء الفلكية روجر روماني من جامعة ستانفورد، معرفةَ تفاصيل أدق بعد التهام النجم النيوتروني PSR J0952-0607 لنجمه المرافق.
تُعادل كتلة النجم المرافق جزءًا صغيرًا للغاية من كتلة الشمس، تقريبًا أقل من 10 بالمئة. أجرى فريق الأبحاث دراساتٍ مُفصلةً للنظام الثنائي، ومداره، ثم استخدموا المعلومات الجديدة للحصول على قياسٍ جديدٍ، وأكثر دقةً للنجم النابض.
تتلخص أهم تلك الحسابات، في أن كتلة النجم النابض تفوق كتلة الشمس 2.35 مرة، أي ما يُعادل 0.17 كتلة شمسية تقريبًا. تُعد هذه المعلومات الجديدة غايةً في الأهمية فيما يخصّ الحديث عن النجوم النيوترونية. ففي الحالة العادية تبلغ كتلة النجم النيوتروني حوالي 1.4 من كتلة الشمس، أي أن النجم PSR J0952-0607 أضاف إلى كتلته الأساسية ما يُعادل كتلة الشمس بأكملها، بعد ابتلاع نجمهِ المُرافق.
يُفسر روماني: «توضح هذه النتائج القيود الموضوعة على خصائص المادة، وذلك عندما تبلغ كتلتها عدة أضعاف عن الكثافة الموجودة في نواة الذرة.
في الواقع، تُستثنى العديد من النماذج الشهيرة التي تصف فيزياء كثافة المادة نظرًا للاكتشافات الجديدة هنا. إذ يقودنا حجم كتلة النجم النيوتروني الهائل إلى النتيجة التي تنصّ على أن كتلته تحتوي على مزيجٍ من النوى المُذابة والتراكيب الأخرى التي تُشكّل هذه النوى وصولًا إلى لبّها. نستطيع استثناء العديد من حالات المادة المقترحة سابقًا وبخاصةٍ تلك التي لها تركيبٌ داخلي عجيبٌ».
يُظهر النظام الثنائي آليةً تُتيح للنجوم النابضة المعزولة عن نجمها المرافق، القدرةَ على تحقيق سرعة دوران تُقاس بالميلي ثانية. بمعنى آخر، تستطيع النجوم النابضة مثل PSR J0952-0607 المحافظة على سرعة دورانها الخارقة لفترةٍ طويلةٍ حتى بعد ابتلاع نجمها المرافق. ذلك ممكن فقط في حال عدم بلوغ النجم الحدّ الأقصى للكتلة المسموحة فيزيائيًا، لأنه في حال تجاوز تلك الحدود يتحوّل النجم النيوتروني إلى ثقبٍ أسود.
يقول فيليبينكو: «مع تحوّل النجم المرافق تدريجيًا إلى عملاقٍ أحمرَ، تنتقل المادة المكوِّنة لذلك النجم إلى النجم النيوتروني. وعندما يبدأ النجم النيوتروني بالدوران، تزداد طاقته الحركية كثيرًا، وتنتقل الجسيمات منه في شكلِ رياحٍ. ترتطم هذه الرياح المحمّلة بالجسيمات بالنجم المُتبرع وتنتزع منه المادة التي تكوّنه، ومع مرور الوقت تتناقص كتلة النجم المُتبرع حتى تبلغ حجم كتلة كوكبٍ عادي. وشيئًا فشيئًا يتلاشى النجم المرافق كليًا».
«هكذا تُخلق النجوم النابضة الوحيدة فائقةُ السرعة. إذ يوجد لكلّ نجمٍ نيوتروني نجمٌ مرافقٌ، لكن عند تبخّر النجم المرافق تدريجيًا مع مرور الوقت، تُصبح النجوم النيوترونية بمفردها».
اقرأ أيضًا:
للمرة الثانية يرصد العلماء اصطدام نجم نيوتروني ملحمي
نجم نيوتروني لامع يسمح للفلكيين بإلقاء نظرة على مكوناته الداخلية
ترجمة: طاهر قوجة
تدقيق: منال توفيق الضللي