تعتمد القدرة على تعلم أشياء جديدة وتذكّر المعلومات الحديثة على مرونة الدماغ وقدرته على إعادة تنظيم الاتصالات أو المسارات بين الخلايا العصبية من أجل تشفير المعلومات الجديدة وتخزينها. تنخفض مرونة الدماغ مع التقدم في العمر ما يزيد من صعوبة تعلم أشياء جديدة، ويصاحب ذلك فقدان المادة الدماغية الرمادية -أي مكان تواجد الخلايا العصبية لدينا- ما يسبب ضمور الدماغ والمزيد من التدهور المعرفي.

وجدت دراسة جديدة أن تشغيل الموسيقى المكثَّف والاستماع النشط للموسيقى قد يبطئ فقدان المادة الرمادية في الدماغ ويطيل مدة مرونتها. وقد أكدت تجربة عشوائية مضبوطة استمرت ستة أشهر، أجراها باحثون في جامعة جنيف، في لوزان في سويسرا، زيادةً كبيرةً في حجم المادة الرمادية ضمن أربع مناطق في الدماغ، وترتبط هذه المناطق بالوظيفة الإدراكية عالية المستوى لدى الشخص، وتشمل المخيخ.

كان نوع الذاكرة الأكثر تأثرًا بشكل مباشر بفقد المرونة هو (الذاكرة العاملة)، وهذه الذاكرة تسمح بتذكر المعلومات لفترة كافية لتنفيذ إجراء ما، على سبيل المثال، قد تدرك أن التفاح قد نفد منك وتكون قادرًا على تذكر ذلك لفترة كافية لتدوينه في قائمة البقالة.

تحسنت الذاكرة العاملة للمشاركين في الاختبارات المعرفية بمعدل 6% في تلك الدراسة، يعزو الباحثون ذلك إلى زيادة في حجم المخيخ لدى الفرد، وهي منطقة ترتبط بالذاكرة العاملة، وترتبط مرونة الدماغ أيضًا ارتباطًا وثيقًا بالاحتياطي المعرفي للشخص، وقدرته على التعامل مع الضرر والتدهور.

ممارسة الموسيقى 5 أيام في الأسبوع لمدة 30 دقيقة:

شملت التجربة 132 مشاركًا تتراوح أعمارهم بين 62 و78 عامًا، ولم يتلق أحد منهم أي تدريب موسيقي في حياته، وكان جميعهم من الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليمنى ويتمتعون بصحة بدنية وعقلية جيدة ومتقاعدين، ولا يعتمدون على أجهزة السمع.

قُسم المشاركون إلى مجموعتين متساويتين، تلقت المجموعة الأولى دروسًا في العزف على البيانو لمدة ساعة واحدة من كل أسبوع، مع توقع أن يتدرب أعضاؤها مدة خمسة أيام في الأسبوع لمدة 30 دقيقة.

مارس المشاركون الباقون الوعي الموسيقي في جلسات الاستماع النشطة، وقد تعلموا المفاهيم الموسيقية الأساسية، بما في ذلك التعرف على الآلات الموسيقية الفردية، وقُدمت لهم تعليمات أكثر تقدمًا للتعرف على الأنماط الموسيقية، وأمثلة من العصور الموسيقية المختلفة وتعلم إدراك المشاعر في الأمثلة الموسيقية.

انتهى اختبار الوظيفة الإدراكية لجميع المشاركين في نهاية الأشهر الستة، وتلقوا أيضًا فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) التي سمحت لمؤلفي الدراسة بمراقبة تغيرات المادة الرمادية.

الموسيقى والدماغ:

تتمتع الموسيقى ببعض المزايا الخاصة من أجل دراسة الحفاظ على مرونة الدماغ أو استعادتها، فتعلم العزف على آلة موسيقية أو الاستماع الفعال إلى الموسيقى، أنشطة متعددة التأثيرات، لا تثير المجالات الحسية ذات الصلة الوثيقة فقط، مثل المعالجة السمعية، ولكن أيضًا تثير المجالات البعيدة، مثل سرعة المعالجة والمجالات العاطفية، أو الذاكرة أو اللغة أو الوظيفة التنفيذية، أو التفكير المجرد وما إلى ذلك.

أضافةً إلى ذلك، تشير الدكتورة ماري إلى أن الموسيقى تحتوي على جوانب تحفيزية مهمة، وتوفر الجوانب العاطفية للأنشطة الموسيقية حافزًا جوهريًا، تدعمه الكيمياء العصبية التي قد تعزز التعلم مثل الدوبامين.

رغم وجود دراسات سابقة تتعلق بالموسيقى ومرونة الدماغ، فإن هذه الدراسة هي الأولى التي تقيِّم النتائج بالتصوير العصبي إضافةً إلى المقاييس السلوكية، وهي أيضًا دراسة كبيرة مصممة لتكون قابلة للتكرار من قبل الآخرين للتحقق منها، وطويلة بما يكفي لتحقيق الأهداف المرجوة.

قالت الدكتورة ماري: «نحن نعلم أن تكرار التدريب الموسيقي ومدته أمر بالغ الأهمية للتعلم»، وأشارت أيضًا إلى أن استنتاجات الدراسة عادلة، لأنها تصف الملاحظات الإيجابية والسلبية، فقد وجدت الدراسة أنه رغم بعض التحسن في حجم المادة الرمادية، استمر ضمور الدماغ بسبب التقدم في السن عند جميع المشاركين.

تقول الدكتورة ماري أيضًا: «أعتقد أنه من المهم أن نكون شفافين، خاصة فيما يتعلق بالاستنتاجات التي يمكننا التوصل إليها على مستوى الصورة الكبيرة».

الاختلافات بين العزف والاستماع إلى الموسيقى:

لاحظ الباحثون في مجموعة العزف على البيانو أن كمية المادة الرمادية في القشرة السمعية الأولية اليمنى لم تظهر أي انخفاض بعد مرور ستة أشهر، ومع ذلك، لم يكن الأمر نفسه عند مجموعة الاستماع للموسيقى، التي فقدت جزءًا من المادة الرمادية.

أوضح الدكتور ترينه كبير المسؤولين الطبيين في عيادة الدماغ -الذي لم يشارك في الدراسة- أن تعلم العزف على آلة موسيقية يتضمن مهمات حسية وحركية معقدة، بما في ذلك حركات الأصابع والتنسيق بين اليد والعين ومعالجة ردود الفعل السمعية، قد تشغل هذه المهمات القشرة السمعية اليمنى بطريقة أكثر كثافة وأطول مدة مقارنة بالاستماع السلبي للموسيقى، والذي يتضمن بشكل أساسي المعالجة السمعية.

وأضاف: « يشير هذا إلى أن الأنواع المختلفة من التدخلات الموسيقية قد تكون لها تأثيرات واضحة على مناطق معينة في الدماغ، ما يؤثر في تصميم تدخلات فعالة في الصحة المعرفية لدى كبار السن».

تعزيز المرونة العصبية خارج نطاق الموسيقى:

تشير الدراسة إلى أن الأنشطة متعددة التأثيرات مثل الموسيقى التي تمرن مناطق متعددة في الدماغ، تفيد أيضًا المجالات الحسية والحركية.

يقول الدكتور ترينه: «أظهرت الأبحاث أن الانخراط في أنشطة محفزة فكريًا، مثل تعلم لغة جديدة، أو اكتساب مهارات جديدة، أو الانخراط في هوايات جديدة، قد يكون له فوائد معرفية، بما في ذلك تحسينات في الذاكرة والانتباه والوظائف التنفيذية».

اقرأ أيضًا:

كيف تفيد الموسيقى الدماغ؟

كيف تؤثر الموسيقى في دماغك؟

ترجمة: زينب عبد الكريم

تدقيق: تمَّام طعمة

المصدر