ارتفعت أسهم شركة (إنفيديا) بنسبة 2.5% ما أعاد سعر الأسهم إلى أقصى قيمة بلغتها منذ يونيو 2024، فإلى أي حد يعود الفضل في الصلابة المذهلة لهذه الأسهم؟ هل إلى المستثمرين السلبيين الذين سيواصلون مراكمة الأسهم الأمريكية دون أي اعتبار للأسعار؟ نناقش في هذا المقال الاستثمار السلبي ودوره في كفاءة السوق والتقييمات.

إذا أردنا أن نفهم مدى تعقيد الأسواق، ومدى الارتباط فيما بينها وامتلائها بحلقات التغذية الراجعة، فعلينا أن نفكر في الاستثمار السلبي. وهل جعل ظهور صناديق الاستثمار السلبية الأسواق أقل كفاءة؟ هل شجع الاستثمار على ظهور الفقاعات وآخرها فقاعة الذكاء الاصطناعي؟

فلنحاول معًا تخمين إجابات هذه الأسئلة في أذهاننا، وحتى لو علمنا الكثير عن الأسواق، سنشعر بقليل من الحيرة، وقد نرغب في استعمال رسم بياني أو جدول قد لا يساعدنا كثيرًا.

إن قراءة عدد من المقالات العلمية قد يفيدنا في هذا الموضوع، لكن إذا أردنا الاطلاع على إجماع الأكاديميين أو الخبراء في الموضوع، فسيكون الأمر مخيبًا للآمال. ولكن لنأخذ المثال التالي للتفكير في الأمر.

لنتخيل أن كل ما يوزعه المستثمر من أسهم تديره أربعة صناديق استثمار متقاربة في الحجم، وهي: A و B و C و D، ولنفترض أن لدى هذه المؤسسات المالية بعض الأموال النقدية أيضًا لتسهيل التداول وضبط مستويات المخاطرة.

يومًا ما، يعلن الصندوقان D و C عن رغبتهما في أن يصبحا مستثمرين سلبيين، ويتمسكان بكل ما لديهما من أسهم بسعرها في السوق. صارت الآن نصف الأصول في السوق تدار بطريقة الاستثمار السلبي. بعبارة أخرى، ما حدث سابقًا في سوق الأسهم في الولايات المتحدة لعقود قد حدث الآن في السوق الذي تخيلناه بين ليلة وضحاها.

ستمر الآن فترة مضطربة، إذ يعدل كل من D و C من المقتنيات كي يلائما السوق الذي يشكّلان جزءًا منه، وسيستغرق الأمر بعض الوقت بين أخذ ورد، لكن سيكون هناك توازن جديد في النهاية.

الوصول إلى التوازن سيؤثر في أسعار الأسهم الفردية، لأن D و C كانا يقدّران بعض الأسهم بأكثر من قيمتها أو أقل من قيمتها، وعليهما الآن شراء هذه الأسهم أو بيعها لإصلاح الخلل. فإلى أي مدى سيغير هذا التعديل من الأسعار؟ سيحدد ذلك مقدار مرونة الصندوقين A و B في طلب الأسهم المعنية بالأمر.

إن التقييمات الإجمالية في السوق لا تتغير في هذه العملية، فطلب المستثمرين على الحصص لم يتغير نتيجة تحول C و D إلى الاستثمار السلبي، ومقابل كل سهم يتحتم على المستثمرين السلبيين شراؤه لكي يصل إلى قيمة السوق مؤديًا إلى رفع الأسعار، يجب عليهم أن يبيعوا سهمًا آخر، ما يؤدي بدوره إلى خفض الأسعار.

عند الوصول إلى حالة التوازن، وبغض النظر عن الأموال الجديدة القادمة، ستتحرك أسعار السوق تبعًا للخلافات بين الصندوقين A و B حول القيمة، وذلك مثلًا عندما يريد A امتلاك المزيد من سهم ما ويأبى B أن يبيعه إلا بسعر أغلى من السعر الحالي. أو إذا أراد A أن يمتلك كمية أقل من سهم ما ويأبى B إلا أن يشتريها بسعر أقل، لكن صناديق الاستثمار السلبية ليس عليها أن تشتري أو تبيع شيئًا لتوائم هذه التغيرات، إذ تُعدّل التغيرات في الأسعار من تقييمات المستثمرين السلبيين تلقائيًا.

تنتقل تدفقات الأصول الجديدة في صناديق الاستثمار السلبي إلى كل الأسهم بما يتناسب مع حجم الأسهم، فيرتفع الطلب على هذه الأسهم بشكل متساوٍ مع أن القدر الأكبر من الأموال يتدفق إلى الأسهم الأكبر، ويوجد تأثير عام في أسعار كل الأسهم بسبب الطلب المرتفع، لكن لا يوجد تأثير نسبي على الأسعار بين الأسهم.

يوجد الآن عدد أقل من الأشخاص الذين تستطيع صناديق الاستثمار النشطة التداول معهم. في الحقيقة، لا يمكن للصندوقين A و B التداول إلا مع بعضهما، إلا إذا أجبرت التدفقات الداخلة والخارجة صناديق الاستثمار السلبي على التداول.هل يجعل هذا من السوق أقل كفاءة؟ أجل بالطبع، في هذه الحالة القصوى، وإذا لم يبع الصندوق A سهمًا ما إلا بسعر يفوق المبلغ الذي ينوي B دفعه للشراء، فلن تتم المعاملة التجارية، ولن يتغير السعر في الاتجاه الذي يريده الطرف الأصح في تقديره للقيمة الحقيقية للسهم.

لقد أصبح السوق أكثر صلابةً وربما أكثر تقلبًا في مواجهة دخول التدفقات وخروجها، وهذا بسبب نمو الاستثمار السلبي. لكن هذه حالة قصوى، فنحن لا نعرف عدد المساهمين السلبيين ونسبتهم اللازمَين لجعل سوق ما يتكلس، ولا توجد أدلة على أن الولايات المتحدة بلغت تلك المرحلة بعد.

لكن حتى في هذه الحالة القصوى، توجد أشياء أخرى قد تتسبب في تخفيض الأسعار حتى تبلغ قيمتها الأساسية. قد تتلقى شركة قُيّمت بأقل من قيمتها الحقيقة عرضًا مغريًا مقابل كل أسهمها، أو قد تبدأ بشراء أسهمها الخاصة ما يرفع السعر، أو قد تزداد إيرادات شركة ما أو تنخفض كثيرًا فتجعل الصندوق A أو B يغير رأيه.

هل يأتي الفرق من درجة ذكاء مديري صناديق الاستثمار السلبي أو درجة غبائهم؟ لنفترض أن مديري الصناديق A و C و D أذكياء، وأن مديري الصندوق B أغبياء.

ينتقل الصندوقان C وD إلى الاستثمار السلبي، فلا يبقى أمام الصندوق A إلا التداول مع المديرين الأغبياء للصندوق B الذين يسيئون تقدير الأسعار كثيرًا.

من المفترض أن الصندوق A سيجني أموالًا أكثر، وذلك فقط إذا افترضنا أن الصندوق B سيدرك في النهاية أنه كان غبيًا، فيتداول مع A مرةً أخرى وينهي إساءة تقديره للأسعار.

إذا كان صعود الاستثمار السلبي يجعل المتعاملين في السوق أكثر غباءً بالمجموع، ستكون النتيجة المباشرة هي ظهور قلة من الأشخاص الذين سيجعلونهم أذكياء مرة أخرى، ما يؤدي إلى كسبهم الكثير من الأموال بفعل ذلك.

هذه اللعبة التي استعملناها مثالًا تجعلنا نفكر في أن صعود الاستثمار السلبي لم يجعل الأسواق أقل كفاءة بكثير، ولم يشجع على ظهور فقاعة الذكاء الاصطناعي، لكننا لا نستطيع أن نجزم بذلك. يجب أن نذكر أيضًا أن صعود الاستثمار السلبي قد تكون له آثار مفاجئة غير مباشرة على السلوك الجماعي للمستثمرين، إذ يشير بن إنكر وجون بيز من مؤسسة (جي إم أو) في مقالة حديثة إلى إمكانية مثيرة للاهتمام تتعلق بالوصول إلى التوازن وتأثيره في أسعار الأسهم الفردية، فقد يميل المستثمرون النشطون إلى الاهتمام بأسهم القيمة أكثر من أسهم النمو بحسب إنكر و بيز، وهذا يبدو منطقيًا قليلًا لأن كثيرًا من منتقي الأسهم قد تدربوا على التحليل الأساسي.

قد يميل المديرون في الاستثمار النشط أيضًا إلى البحث عن شركات مقيمةٍ بأسعار لا تساوي قيمتها الحقيقية، وذلك بين الشركات ذات الحجم الأصغر وغيرها من الأسهم، وليس في المؤشرات الكبرى، بينما تتوجه أموال الاستثمار السلبي إلى الحجم والسيولة والرسوم المرافقة القليلة. لذلك، عندما تتحرك الأصول بطريقة جماعية من مديرين الاستثمار النشط إلى مديري الاستثمار السلبي، قد تحصل صدمة سلبية من ناحية انخفاض الطلب على أسهم القيمة والأسهم الصغرى، إضافة إلى حدوث صدمة إيجابية متمثلة في ارتفاع الطلب على أمثال إنفيديا.

توجد نقطةٌ أخرى لم تؤخذ بالحسبان، وهي تأثير الاستثمار السلبي في حوكمة الشركات -ما يسميه بول ماينرز الشركة عديمة الملكية- وما قد يُحدثه ذلك من تأثيرات من الدرجة الثانية على كفاءة السوق. لكن الأرجح أن التأثيرات من الدرجة الأولى صغيرة إلى حد ما.

اقرأ أيضًا:

اضطرابات سوق الأسهم وانخفاض مؤشرات وول ستريت

صناديق الاستثمار: معلومات وحقائق

ترجمة: زياد نصر

تدقيق: نور حمود

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر