الثقب الأسود هو أغرب الأجرام وأكثرها تطرفًا في أرجاء الكون المعلوم وفقًا للنظرية النسبية لأينشتاين. تتشكل هذه الأجرام عندما تموت النجوم الضخمة وتنفجر وتتميز بامتلاكها حقول جاذبية قوية، فلا يمكن لشيء الهروب منها، ولا حتى الضوء. ولطالما كانت محط اهتمام علماء الفلك لأنها تسمح بمراقبة عمل قوانين الفيزياء في ظروف متطرفة.
تبتلع عمالقة الجاذبية هذه النجوم والأجسام الأخرى المجاورة لها مطلقة كميات هائلة من الضوء والإشعاع.
في أكتوبر تشرين الأول من عام 2018 وعند مراقبة ثقب أسود في مجرة تقع على بعد 665 سنة ضوئية من كوكب الأرض تم رصد حادثة ابتلاع الثقب الأسود لجسم مجاور، ولكن لاحظ فريق من علماء الفلك من مركز هارفارد وسميثسونيان للفيزياء الفلكية شيئًا غير مسبوق عند فحص هذا الثقب بعد ثلاث سنوات وذكروا في ورقتهم البحثية أن الثقب الأسود كان يتوهج بقوة لأنه كان يُخرج بقايا نجم بسرعة توازي نصف سرعة الضوء.
قد توفر هذه الدراسات أدلة جديدة عن كيفية ابتلاع الثقوب السوداء للأجسام وتضخمها في الحجم.
قاد الفريق الباحث إيفيت سينديس التابع لمركز أبحاث الفيزياء الفلكية في جامعة هارفارد، بالتعاون مع فريق دولي من الباحثين، ونُشرت ورقتهم البحثية في مجلة الفيزياء الفلكية منذ فترة وجيزة، وذكروا فيها أن توهج الثقب قد لوحِظ عند إعادة مراجعة بيانات تتعلق بأحداث تمزق مدّي حصل منذ سنوات قريبة.
يحصل التمزق المدي عندما تعبر نجوم من مسافة قريبة جدًا من الثقب الأسود، حيث يتفكك على دفعات وتعرف هذه العملية باسم «أثر السباغيتي» إذ يتمزق النجم إلى خيوط.
في عام 2018، لاحظ علماء الفلك في جامعة ولاية أوهايو المد الجزري (AT2018hyz) في جزء من المسح الآلي للسماء بحثًا عن المستعر الأعظم (ASAS-SN).
بعد ذلك بوقت قصير، فحص فريق دولي بقيادة سيباستيان جوميز -زميل ما بعد الدكتوراه في معهد علوم تلسكوب الفضاء ومؤلف مشارك في الورقة الجديدة والذي قال بأن المد الجزري لم يكن شيئًا استثنائيًا حينها- المد الجزري AT2018hyz في الأطوال الموجية المرئية والأشعة فوق البنفسجية باستخدام المسح الآلي للسماء ومرصد فريد لورانس ويبل والتلسكوب البصري للأشعة فوق البنفسجية (UVOT) في مرصد نيل جيريلز سويفت.
ثم فحصت سيندس وزملاؤها المد الجزري AT2018hyz مرة أخرى في يونيو من عام 2021 باستخدام بيانات الراديو من المصفوفة الكبيرة جدًا (VLA) في نيو مكسيكو ولاحظوا أن الثقب الأسود كان قد أشع في ظروف غامضة.
أوضحت سيندس في بيان صحفي لمركز أبحاث الفيزياء الفلكية: «لقد فاجأنا هذا تمامًا، لم ير أحد شيئًا كهذا من قبل، تقدمنا للمدير بطلب للحصول على تلسكوبات متعددة، فعندما تجد شيئًا غير متوقع إلى حد بعيد لا يمكنك انتظار الدورة العادية لمقترحات التلسكوب لمراقبته، وقد قُبلت جميع الطلبات على الفور».
أجرى الفريق عمليات رصد متتابعة للمد الجزري AT2018hyz باستخدام تلسكوبات متعددة وبأطوال موجية متعددة، وشمل ذلك الملاحظات الراديوية التي أجريت باستخدام VLA ومرصد أتاكاما في تشيلي وميركات في جنوب أفريقيا ومصفوفة التلسكوب الأسترالية المدمجة في أستراليا. دُمِجَت الملاحظات مع بيانات الأشعة السينية وأشعة جاما التي حُصل عليها من قبل مرصد Chandra X-Ray الفضائي ومرصد Neil Gehrels Swift.
ووفقًا لإيدو بيرغر -أستاذ علم الفلك في جامعة هارفارد ومركز الفيزياء الفلكية ومؤلف مشارك في الدراسة الجديدة- تبين أن المراقبة باستخدام أشعة الردايو كانت أكثر فاعلية، وقال: «لقد كنا ندرس أحداث المد الجزري بالتلسكوبات الراديوية لأكثر من عقد، ونجد أحيانًا أنها تتألق في موجات الراديو لأنها تنفث المواد بينما يستهلك الثقب الأسود النجم لأول مرة ولكن في حالة AT2018hyz، لم تكن هنالك أي ملاحظات أو إشارات خلال السنوات الثلاث الأولى، وهو الآن مضيء بسطوع ليصبح واحدًا من أكثر أحداث المد الجزري سطوعًا لاسلكيًا على الإطلاق»
استنتج الفريق أن هذا ناتج عن إخراج الثقب الأسود للمواد المتبقية من النجم بسرعات نسبية (جزء من سرعة الضوء) وهذه هي المرة الأولى التي يلاحظ فيها علماء الفلك مثل هذه الظاهرة، والفريق غير متأكد من سبب تأخر التدفق الخارجي للمواد لعدة سنوات.
تشتهر أحداث المد الجزري بانبعاث الضوء عند حدوثها، إذ تصبح المادة المتفككة من النجم ممدودة حول الثقب الأسود وترتفع حرارتها، ما يخلق وميضًا يستطيع علماء الفلك رؤيته على بعد ملايين السنين الضوئية و في بعض الحالات ستُعاد بقايا النجم إلى الفضاء، وهو ما شبهه علماء الفلك بأن الثقوب السوداء«آكلة فوضوية»، ومع ذلك، فإن انبعاثات التدفق الخارج تتطور عادة بسرعة بعد حدوث المد الجزري وليس بعد سنوات من حدوثه.
قالت سيندس: «باختصار، يبدو الأمر كما لو أن هذا الثقب الأسود بدأ فجأة في تجشؤ مجموعة من المواد النجمية التي أكلها منذ سنوات، إضافةً إلى ذلك، كانت هذه التجشؤات نشطة للغاية، حيث وصلت سرعة المواد المقذوفة إلى نصف سرعة الضوء وهو حوالي خمسة أضعاف ما لاحظه علماء الفلك مع أحداث المد الجزري الأخرى وقال سعيد برجر: «هذه هي المرة الأولى التي نشهد فيها مثل هذا التأخير بين ابتلاع النجوم وقذفها للخارج. والخطوة التالية هي استكشاف ما إذا كان هذا يحدث بالفعل بشكل أكثر انتظامًا ولم نكن نبحث في أحداث المد الجزري مؤخرًا بما يكفي في تطورها»
ستساعد هذه النتائج و ملاحظات الأحداث المماثلة علماء الفلك على فهم أفضل لسلوك تغذية الثقوب السوداء، وهذا بدوره يمكن أن يمنح نظرةً ثاقبةً حول كيفية نموها وتطورها مع مرور الوقت ودورها في تطور المجرة.
اقرأ أيضًا:
ثقب أسود مائل قد يغير نظرتنا حول كيفية تشكل الثقوب السوداء
نجم استطاع النجاة من التهام ثقب أسود عملاق!
ترجمة: نور حاتم
تدقيق: نايا كركور
