تتزايد أعداد المناطق الميتة في المحيطات -وهي مناطق البحر التي ينضب فيها الأوكسجين جزئيًا أو كليًا، والتي لا يمكن أن تعيش فيها معظم أشكال الحياة-
ويحذر العلماء من زيادة أعدادها ما لم نحد من العوامل المؤدية إلى تغيّر المناخ العالمي و الذي يغذّي هذا التحول المقلق في كيمياء المحيطات.
وحتى خارج هذه المناطق المحيطية شبه الميتة وبالقرب منها، فإن ارتفاع درجات الحرارة العالمية وتدفق الأسمدة الملوثة يؤدّي إلى انخفاض مستويات الأوكسجين في المحيطات المفتوحة وفي المناطق الساحلية، مما يهدّد الحياة البحرية في جميع أنحاء العالم.
وقد وصفت هذه الرؤية الصارخة للمحيط (المختنق) في دراسة جديدة، نشرت على الإنترنت يوم 4 يناير في مجلة العلوم Science.
والدراسة هي الأولى من نوعها التي تقدّم مثل هذا التقييم الشامل عن نضوب أُكسجين المحيط وأسبابه. وقال الباحثون إن قلة الأوكسجين في المحيط لا يثير المشاكل بالنسبة للنباتات والحيوانات البحرية فحسب، بل يمكن أن يكون له تداعيات خطيرة على الحياة على الأرض أيضًا.
أكّد كاتب الدراسة الرئيسي دينيس بريتبورغ وعالم البيئة البحرية في مركز البيئة سميثسونيان في رسالة إلكترونية لـ live science :
كما تحتوي جزيئات الماء على ذرات الأوكسجين، تحتوي المياه السائلة أيضًا على الأوكسجين المذاب لكي تتنفس الأسماك والكائنات الحية الأخرى.
تم تحديد المناطق الميتة المحرومة من الأوكسجين لأول مرة في المصبّات النهرية – وهي مناطق من البحار تنتهي فيها مسارات الأنهار – في منتصف القرن التاسع عشر، وكان استنزاف الأوكسجين مرتبطًا بوجود مياه الصرف الصحي القادم من المناطق الحضرية في المياه.
ومنذ ذلك الحين، أدّى نمو النشاط الصناعي والزراعي إلى تعطيل التوازن الكيميائي للمحيطات.
و أصبحت العديد من المناطق في جميع أنحاء العالم مصابة بالملوثات والمواد المغذية التي أنقصت الأوكسجين من الماء.
كذلك فإن ارتفاع درجات الحرارة العالمية يعرقل قابلية ذوبان الأوكسجين في المياه ويقيد توزيعه في أعماق المحيط .
وفي نفس الوقت، تنمو بعض أشكال الحياة البحرية تحت ضغط متزايد بسبب أن المحيطات أصبحت أكثر دفئًا وأكثر حمضية وبالتالي تتطلب مزيدًا من الأوكسجين.
تحقيق عالمي
أجرى فريق من العلماء من شبكة Global Ocean Oxygen Network، وهي مجموعة شكّلتها لجنة علوم المحيطات الحكومية الدولية التابعة للأمم المتحدة في عام 2016، تحقيقًا، ووجدوا أن النتائج المؤثرة على محيطات الأرض كانت كبيرة.
حيث على مدى الخمسين عامًا الماضية، عانى المحيط من خسارة تبلغ نحو 85 مليار طن (77 مليار طن متري) من الأوكسجين، مما أثر على مساحة تعادل تقريبًا مساحة الاتحاد الأوروبي.
وعلى الصعيد العالمي، تضاعفَت كمية مياه المحيطات الخالية من الأوكسجين (صفر أوكسجين) أربعة أضعاف، في حين أن المساحة التي تشغلها المناطق منخفضة الأوكسجين زادت بنسبة 10 مرات، كما اكتشف الباحثون.
ووفقًا للدراسة، حالما تنشأ ظروف منخفضة الأوكسجين في المناطق الساحلية والبحار شبه المغلقة، فإنها يمكن أن تستمر لآلاف السنين.
وقال بريتبورغ فى بيان : « إذا فقدنا 4.5 مليون كيلومتر مربع من المساحة الإنتاجية على الأرض فإن الجميع سيشعرون بالجزع لكن ما يحدث تحت سطح المحيط بعيدًا عن الأنظار، ومن السهل عدم ملاحظته أو تجاهله»
يؤثر انخفاض مستويات الأوكسجين في الماء على سلوك ونمو الأسماك والكائنات المحيطية الأخرى، فنقص الأوكسجين يمكن أن يجعلها أكثر عرضةً للمرض أو يزيد من صعوبة تكاثرها وفي الحالات القصوى، يمكن أن يخنقها.
وبالرغم من ازدهار أنواع معينة من الكائنات الحية الدقيقة في ظل ظروف منخفضة من الأوكسجين، فإن معظم أشكال الحياة البحرية إما أن تموت أو تترك المياه التي تعاني من جفاف أوكسجيني لتغزو النظم الإيكولوجية (البيئية) القريبة وهو ما قد يخل بتوازن الحياة ويعطّل الشبكات الغذائية في تلك المناطق أو تزيد فرص تعرضها للحيوانات المفترسة.
استعادة الأوكسجين
قال بريتبورغ في رسالته الالكترونية أن الأدلة أظهرت إمكانية عكس الأضرار في بعض الحالات، حيث يمكن للمناطق التي تمتص فيها الأسمدة ومياه الصرف الصحي الأوكسجين من الماء أن تتعافى بعد إيقاف تدفق الملوثات.
وقال بريتبورغ : « على سبيل المثال، فإن أجزاء من مصب نهر التايمز في لندن ومصب نهر ديلاوير- وكلاهما عانى من فترات طويلة بدون أي أوكسجين ولا أسماك – أصبحت الآن أكثر تحسنًا واستضافة لمجتمعات الأسماك النابضة بالحياة»
وفقًا للدراسة في خليج تشيزابيك في ماساتشوستس – المعروف منذ فترة طويلة بالمناطق الميتة التي تغطي حوالي 30 في المائة من مساحته – انخفضت مستويات التلوث بالنيتروجين بنسبة 24 في المائة، نتيجة لتحسين الممارسات الزراعية وإدارة مياه المجاري، وتحسين نوعية الهواء بموجب لوائح مثل قانون الهواء النظيف.
ولكن عندما يتعلق الأمر بفقدان الأوكسجين في المحيط المفتوح، قال بريتبورغ «نحن في منطقة غير محددة ولا نعرف كم من الوقت ستستغرقه عملية استعادة الأوكسجين»
وفقًا للدراسة أيضًا، ستتطلب معالجة هذه القضية العالمية تعاونًا ومبادرات عالمية للتخفيف من انبعاثات الوقود الأحفوري والحد من تلوّث الأسمدة.
ومن شأن إنشاء المزيد من المناطق المحمية في المحيطات ودعم السياسات التي تحافظ على الحياة البحرية المهددة والضعيفة أن يساعد أيضًا على تعافي النظم الإيكولوجية.
وقال بىيتنورغ :«إن تباطؤ وتراجع انخفاض الأوكسجين في المحيط المفتوح و المياه الساحلية بسبب تغير المناخ، سوف يتطلب بذل جهد عالمي يجب القيام به – ليس فقط لتحسين نسبة الأوكسجين في المحيط، ولكن لتجنّب مساوئ الدمار الذي يمكن أن يسبّبه الاحترار العالمي».
- ترجمة : أشرف بن نصر
- تدقيق: أسمى شعبان
- تحرير: ندى ياغي
- المصدر