تمنح عمليات المحاكاة باستخدام كومبيوتر فائق رؤيةً جديدة للسلوك الصاخب للنجوم النيوترونية التي تلتهم النجوم الأخرى. عندما يلتهم نجم نيوتروني مادة من نجم مرافق قريب منه، فإن الاحتراق النووي الحراري غير المستقر لتلك المادة المتراكمة قد ينتج عنه انفجار هائل يرسل أشعةً سينيةً تنتشر عبر الكون.

يتعلم العلماء المزيد عن التفاصيل الدقيقة لكيفية نشأة هذه الانفجارات القوية وانتشارها عبر سطح النجم النيوتروني كونها من الأمور الغامضة، بالإضافة كذلك إلى دراسة النجوم النيوترونية فائقة الكثافة التي تنشئ تلك الانفجارات، وهذا من خلال استخدام عمليات المحاكاة باستخدام كومبيوتر فائق، ومحاولة تقليد توهجات الأشعة السينية المرصودة.

يقول عالم حوسبة الفيزياء الفلكية مايكل زينغال Michael Zingale من جامعة ولاية نيويورك في قرية ستوني بروك: «يمكننا رؤية وقوع هذه الأحداث بتفاصيل أدق بواسطة المحاكاة. أحد الأشياء التي نريد القيام بها هو فهم خصائص النجم النيوتروني، لأننا نريد أن نعي كيف تتصرف المادة عند الكثافة القصوى الموجودة في نجم نيوتروني».

تُعد النجوم النيوترونية من أكثر الأجسام كثافة في الكون، وهي ما تبقى بعد أن وصل نجم ضخم إلى نهاية رحلته التطورية، ونفد وقوده، وانفجر في مستعر أعظم.

ينهار قلب النجم النيوتروني تحت وطأة الجاذبية، بينما تنفجر مادته الخارجية في الفضاء، تشكل هذه العملية كرة فائقة الكثافة يبلغ عرضها حوالي 20 كيلومترًا، وتحشر في تلك الكرة الصغيرة كتلة تعادل كتلة 2.3 شمس تقريبًا. بعبارة مبسطة، فإن مادة كتلك تحشر بكثافة شديدة فمن المتوقع أن تكون هذه المادة غريبة بعض الشيء، لكن يمكن للعلماء دراسة انفجاراتها النووية الحرارية لوضع قيود على حجمها، وهو ما يمكن أن يساعد بدوره في نمذجة تركيباتها الداخلية.

لا يمكن الاقتراب فعليًا من نجم نيوتروني لننظر إليه من كثب، لعدد من الأسباب مثل بعد المسافة، وخطر الاقتراب منه، ولكن يمكن جمع كل ما في وسعنا من معلومات عن انفجارات الأشعة السينية للنجم النيوتروني، ومحاولة إنشاء محاكاة بواسطة كومبيوتر فائق تتطابق نتائجها مع بيانات الرصد.

قد يبدو ذلك بسيطًا، لكن فيزياء النجوم النيوترونية معقدة حقًا، تتطلب محاكاة سلوكهم الكثير من الحوسبة القوية.

استخدم الباحثون -في أعمال سابقة- كومبيوتر فائق يسمى سوميت Summit supercomputer في مختبر أوك ريدج الوطني لمحاكاة اللهب النووي الحراري في بعدين. بنى الباحثون الآن عملهم على هذه المحاكاة، ووسعوا نطاق عمليات المحاكاة الخاصة بهم إلى بعد ثالث، ونشروا البحث في مجلة The Astrophysical Journal.

يوضح زينغال: «تكون الغاية الكبرى دائمًا ربط عمليات محاكاة هذه الأحداث بما لاحظناه. هدفنا الأساسي محاولة فهم كيف يبدو النجم الواقع تحت الدراسة، وضرورة استكشاف ما قد تفعله هذه النماذج عبر تلك الأبعاد».

كانت درجة حرارة النموذج ثلاثي الأبعاد للنجم النيوتروني أعلى بملايين المرات من حرارة الشمس، وسرعة دورانه تبلغ 1000 دورة في الثانية، وهي قريبة جدًا من الحد الأعلى النظري لسرعة دوران النجم النيوتروني، ثم حاكى الباحثون النشوء المبكر للهب النووي الحراري باستخدام كومبيوتر فائق.

لوحظ أن انتشار اللهب في المحاكاة ثنائية الأبعاد كان أسرع قليلاً من النسخة ثلاثية الأبعاد، إلا أن اتجاهات النمو في كلا النموذجين كانت متشابهةً جدًا.

هذا التطابق يدل على أن المحاكاة ثنائية الأبعاد تظل أداةً جيدةً لدراسة هذه الانفجارات المضطربة، ولكن ما تزال هناك بعض الأشياء التي لا يمكن القيام بها في تلك المحاكاة. على سبيل المثال، يسلك الاضطراب سلوكًا مختلفًا في البعدين الثنائي والثلاثي، لكن القدرة على استخدام المحاكاة ثنائية الأبعاد للأجزاء التي باستطاعتها القيام بها ستوجه قوة الحوسبة لأشياء أخرى، مثل زيادة دقة الاشتعال.

توفر هذه المعلومات القدرة على تشغيل عمليات المحاكاة باستخدام كومبيوتر فائق لتوفير رؤى حقيقية حول كيفية حدوث الاضطرابات الضخمة للنجوم النيوترونية.

ينهي زينغال حديثه بالقول: «نحن على وشك نمذجة اللهب المنتشر عبر النجم بأكمله من القطب إلى القطب، إنه أمر مثير».

اقرأ أيضًا:

هل يمكننا تصميم الكون ب كامله عن طريق المحاكاة الحاسوبية ؟

فيم يستخدم أسرع حاسوب فائق في العالم ؟

ترجمة: عمرو أحمد

تدقيق: جعفر الجزيري

المصدر