إحدى أكثر الأشياء التي يتحدث عنها علماء الفلك، هي المادة المظلمة؛ تلك المادة الغامضة التي تملأ كل أجزاء الكون. وعلى وجه التحديد، توجد هذه المادة على شكل هالات تُحيط بالمجرات. وتؤثر كتلة هذه الهالات على المجرة بقوة جاذبية كبيرة، تمتد لتشمل الأجسام المحيطة بالمجرة أيضًا.
كل ما سبق يُخبرنا عن المفهوم العام المتداول عن طبيعة المادة المظلمة وتأثيرها على المجرات.
لكن توجد ثغرات في نظرية هالات المادة المظلمة. فمؤخرًا ظهرت بعض المجرات القزمة تبدو كأنها لا هالات من المادة المظلمة تحيط بها. فهل ذلك ممكن فعلًا؟ وهل تُشكل هذه المجرات القزمة تحديًا يحتاج إلى المراقبة والاستقراء في سبيل دحض الأفكار السائدة حول هالات المادة المظلمة؟
العثور على مجرات قزمة مضطربة:
ينص “النموذج القياسي” لعلم الفلك على أن الهالات المُكونة من المادة المظلمة، أو الأصداف تلعب دورًا في حماية المجرات من تأثير جاذبية الأجسام المجاورة.
لكن عند مراقبة عنقود فورناكس المجري Fornax الذي يبعد عنا 62 مليون سنة ضوئية تقريبًا -من قبل علماء الفلك في جامعة بون وجامعة القديس أندروز في اسكتلندا- وجدوا أشياء غربية.
وجدوا أن فورناكس يحتوي على عدد من المجرات القزمة المشوّهة. تكمن غرابة الأمر في أن هذا النوع من المجرات عادةً ما يُحاط بهالات من المادة المظلمة.
لنتذكر ما هي المجرات القزمة أساسًا:
هي مجرات صغيرة ذات ضوء خافت، توجد إمّا داخل العناقيد المجرية، أو بالقرب من مجرات مرافقة كبيرة الحجم. لذا تحتوي مجرة درب التبانة على تجمع من المجرات القزمة حولها.
في الواقع تلتهم مجرة درب التبانة إحدى هذه المجرات القزمة مثل مجرة الرامي الإهليجية القزمة Sagittarius Dwarf Spheroidal. وتُفيد دراسات جديدة أيضًا أن إحدى هذه المجرات القزمة القريبة من درب التبانة، المسماة توكونا الثانية Tucana II، لها هالة مادة مظلمة هائلة الحجم.
إذن، بماذا تختلف المجرات القزمة في عنقود مجرة فورناكس عن أقرانها في المجرات المعروفة؟
تتعرض المجرات القزمة في فورناكس إلى موجات جاذبية شديدة من مجرات قزمة أخرى تفوقها حجمًا، تؤدي إلى تشويه شكل الصغيرة منها. تتشكّل هذه الأمواج عندما تؤدي جاذبية جسمٍ ما إلى شدّ أجزاء مختلفة من جسم آخر بطريقة غير اعتيادية. تُشبه أمواج الجاذبية في الفضاء إلى حدٍ ما تلك الموجودة على الأرض، عندما يجذب القمر بقوة أكبر على طرف كوكب الأرض المقابل له.
تخبرنا أشكال المجرات القزمة المشوهة عن وجود خلل في فهمنا للمادة المظلمة.
يقول بافل كروبا أستاذ في جامعة بون وشارلز في براغ: «بحسب النموذج القياسي، لا يجب أن نجد مثل هذه المجرات القزمة المشوهة. إذ تُشير دراساتنا وفقًا للنموذج الموضوع أن هالات المجرات القزمة المظلمة عادة ما تحميها جزئيًا من أمواج الجاذبية القادمة من الأجسام الأخرى داخل العنقود المجري».
شرح ماهية المجرات القزمة المشوهة:
حلل كل من كروبا وطالبة الدكتوراه إلينا أسينسيو المشاهدات المُسجلة للمجرات القزمة في عنقود فورناكس. كانت الغاية فهم مقدار الخلل في جاذبية هذه المجرات القزمة، والسبب وراء ذلك.
تتأثر الجاذبية ويُصبح فيها خلل تبعًا لعدة عوامل، أحدها يتعلق بطبيعة الخواص الداخلية للمجرة القزمة المعنية. كذلك يُعد بعد المجرة القزمة عن مركز العنقود المجري عاملًا مهمًا آخر، فتأثير الجاذبية في المركز يكون أكبر بكثير.
كقاعدة عامة، يُمكن تشويه شكل المجرات الضخمة قليلة النجوم بسهولة، بوساطة أمواج الجاذبية. ينطبق الأمر أيضًا على تلك المجرات الأقرب لمركز العنقود المجري.
قارن أعضاء الفريق ما وجدوه ضمن العنقود مع مشاهدات تلسكوب المسح الفلكي VLT؛ الموجود في المرصد الأوروبي الجنوبي European Southern Observatory.
تُشير أسينسيو إلى أن الاكتشافات الجديدة في عنقود فورناكس تؤكد وجود خطب في النموذج القياسي المعتمد.
تقول أسينسيو: «تُظهر المقارنة أننا لو أردنا تفسير ما شاهدناه ليتوافق مع النموذج القياسي، فيجب على المجرات القزمة الكامنة في فورناكس أن تُدمَّر بسبب جاذبية مركز العنقود المجري، حتى لو كانت أمواج الجاذبية المؤثرة على الأمواج القزمة أضعف بمقدار أربع وستين مرةً من جاذبية المجرة القزمة نفسها».
ما حدث مُخالف للمنطق ويُناقض الدراسات السابقة. وجد الفريق أيضًا أن القوة المطلوبة لتشويه مجرة قزمة تُعادل قوة جاذبية المجرة القزمة ذاتها.
ماذا يعني كل ما سبق بالنسبة للنموذج القياسي؟
يقول الباحثون إنه يصعب تفسير تشوه المجرات القزمة في عنقود فورناكس في حال كانت المادة المظلمة تحيط بها. بمعنى آخر، يجب أن لا تتشوه هذه المجرات بوجود هالات المادة المظلمة، لكن ما شاهدوه يُثبت العكس. بما أن المجرات القزمة مشوهة، فهذا يعني أنها بالتأكيد ليست محاطة بهالات المادة المظلمة.
بالطبع في حال استطاع علماء الفلك تأكيد وجود مثل هذه المجرات القزمة المشوهة بالفعل، فذلك يستدعي إجراء تعديلات على النموذج القياسي.
حاليًا، يوجد تفسير آخر لسبب تشوه هذه المجرات؛ يقوم هذا التفسير على نموذج يُدعى MOND (اختصارًا لمفهوم ديناميكا نيوتن المعدلة Modified Newtonian Dynamics).
يؤكد هذا النموذج ضرورةَ ملائمة قانون نيوتن العام للجاذبية لخصائص المجرة المدروسة. يُمكن تطبيق هذا القانون ليصبح من الممكن تفسير سبب تشوه هذه المجرات القزمة.
بحسب ما يقول هونغشينغ جاو؛ عضو فريق البحث من جامعة القديس أندروز: «يُمثل وجود هذا النوع من المجرات القزمة معدومة الهالات، تحديًا صعبًا لِما لدينا من معرفة سابقة».
لطالما ظن العلماء أن المجرات لها هالات مظلمة، لكن يبدو أن ذلك لا ينطبق على كل مجرة.
يُكمل قائلًا: «هذه النتائج لها عواقب على دعائم الفيزياء. نتوقع العثور على المزيد من مثل هذه المجرات القزمة المشوهة في عناقيد مجرية أخرى، لكن يتطلب تأكيد هذا التوقع جهود فرق بحثٍ أخرى».
اقرأ أيضًا:
كيف تشكلت بعض المجرات دون مادة مظلمة؟
ترجمة: طاهر قوجة
تدقيق: منال توفيق الضللي