كشفت وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) عن صور جديدة لتلسكوب إقليدس الفضائي (Euclid) في 23 مايو 2024، وفيها نرى عددًا كبيرًا جدًا من المجرات الساطعة، وسُدُم بنفسجية وبرتقالية حاضنة للنجوم، ومجرة لولبية تشبه مجرتنا درب التبانة، وغيرها الكثير!

سديم رأس الحصان -جزء من كوكبة الجبّار- من وجهة نظر تلسكوب إقليدس

سديم رأس الحصان -جزء من كوكبة الجبّار- من وجهة نظر تلسكوب إقليدس

أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية تلسكوب إقليدس عام 2023 في أول مهامه التي ستستمر ست سنوات، وهدفها التحقيق في غموض المادة المظلمة والطاقة المظلمة، إذ ستستخدم التقاطاتها الواسعة لتحديد خارطة ملياري مجرة عبر ثلث السماء الذي تغطيه.

وقد نُشرت النتائج العلمية للمرة الأولى، وهذه المرة الثانية التي تصدر مجموعة من الصور التي التقطها، وهنا عبّر رينيه لوريجس -عالم مشروع إقليدس- لوكالة فرانس برس AFP عن حماسته الشخصية الشديدة لصورة لعنقود مجرات كثيف يسمّى أبيل 2390 (Abell 2390)، إذ تشمل صورة هذا العنقود الذي يبعد 2.7 مليار سنة ضوئية عن الأرض ما يزيد عن 50,000 مجرة.

تكتّل 50 ألف مجرة

تكتّل 50 ألف مجرة

إن مجرة واحدة فقط منها (كما مجرتنا) قد تكون موطنًا لمئات المليارات أو تريليونات من النجوم، ويقول جيسون رودس -بوصفه عالمًا في مختبر الدفع النفاث JPL التابع لناسا- إن عنقود أبيل 2390 يحتوي على كتلة حوالي 10 تريليون شمس.

أشارت الصورة أيضًا إلى آثار المادة المظلمة التي لا يمكن اكتشاف وجودها غير المرئي إلا بالنظر إلى كيفية تشويه جاذبيتها للضوء، قال رودس: «يحتوي هذا العنقود على الكثير من المادة المظلمة التي تحني الضوء القادم من بعض هذه المجرات الخلفية كثيرًا»، وهذا ما يجعلها تبدو منحنية.

يُعتقد أن المادة المظلمة والطاقة المظلمة تشكلان 95% من الكون، لكننا لا نعرف عنهما شيئًا تقريبًأ. وقد لمّحت صورة أبيل 2390 إلى المادة المظلمة أيضًا بإظهار الضوء الخافت للنجوم اليتيمة المنجرفة بين العناقيد.

يقول العالم الفرنسي جون شارل كويّندر إن هذه النجوم تُقذف خارج المجرات: «مخلفةً بذلك نوعًا من سحابة تحيط بكامل العنقود»، ويرى علماء الفلك أن هذه الظاهرة الغريبة تدل على وجود المادة المظلمة بين المجرات.

ولادة نجم

ولادة نجم في سديم مسييه

ولادة نجم في سديم مسييه

التقط تلسكوب إقليدس أيضًا أعمق صورة لحد الآن لسديم مسييه 78 (Messier 78)، وهو سحابة جزيئية حاضنة تتولد فيها النجوم على بعد 1300 سنة ضوئية من الأرض ضمن كوكبة الجبّار.

ونرى في مركز الصورة المزرق أن النجوم ما تزال في طور التكوّن. وبعد ملايين السنين، تظهر من السحب البنفسجية والبرتقالية في أسفل الصورة. وأكد لوريجس: «وحده تلسكوب إقليدس قادر على إظهار كل ذلك في لقطة واحدة». وذلك نظرًا لامتلاكه رؤية ميدانية واسعة جدًا مقارنةً بتلسكوب جيمس ويب الفضائي JWST، الذي يحوم على بعد 1.5 مليون كيلومتر عن الأرض.

عنقود أبيل 2764

عنقود أبيل 2764

صورة أخرى لعنقود كثيف باسم أبيل 2764 (Abell 2764)، تُظهر مساحة سوداء يتميز فيها نجم أصفر وحيد بسطوعه اللامع، وقد اعترف كويّندر أن هذا كان نتيجة خلل في توجيه التلسكوب، لكن الصورة أظهرت «قدرة تلسكوب إقليدس المميزة جدًا على تركيز الضوء»، لأنه بقي قادرًا على التقاط الأجسام الخافتة جدًا بجوار النجم الساطع.

احتوت صورة تلسكوب إقليدس لكوكبة أبي سيف (دورادو Dorado) الفتية على مفاجئة، فمع إن الكوكبة دُرست بإتقان من قبل، اكتشف تلسكوب إقليدس مجرة قزمة لم يسبق لها مثيل كما قال العلماء.

أما في الصورة الخامسة الجديدة، فتظهر المجرة الحلزونية NGC 6744 التي تتميز بتشابه متماثل مع درب التبانة، وتبدو مثل مروحة تمتد على خلفية من النجوم الساطعة.

أكبر المجرات الحلزونية خارج منطقتنا من الفضاء

أكبر المجرات الحلزونية خارج منطقتنا من الفضاء

على طريق الوصول إلى المادة المظلمة

ما تزال البعثة في أيامها الأولى، وقد التُقطت هذي الصور الخمس الجديدة في يوم واحد فقط، بينما يخطط العلماء في السنوات المقبلة لفحص بيانات تلسكوب إقليدس، وذلك على أمل تحديد جميع أنواع الأجسام السماوية وتمييزها، مثل الكواكب الشاردة التي تسبح منفلتة عبر الكون دون أن ترتبط بنجم محدد.

لكن الباحثين عملوا على تحليل الدفعة الأولى من صور تلسكوب إقليدس منذ نوفمبر 2023 فيما يفوق 10 دراسات، نُشرت أحداها وكانت تتناول النجوم اليتيمة في عنقود برشيوس (Perseus)، وعلى حد تعبير لوريجس هذه النجوم التائهة عالقة الآن في جاذبية المادة المظلمة، مؤكدًا أن هذا ما يزال كشفًا غير مباشر عن المادة المظلمة، ومن المبكر جدًا الحديث عن الطاقة المظلمة.

يقول لوريجس إن المهمة لم تكن سهلة، ففي مارس 2024 نجحت عملية دقيقة في إذابة طبقة رقيقة من الجليد كانت تشوش ببطء على رؤية التلسكوب، وذلك بتدفئة إحدى عدسات التلسكوب. وتوجد مؤشرات على أن الجليد عاد ليتشكل مجددًا على العدسات، لكن ما زال لدى الفريق متسع من الوقت للتحقيق والبحث وتحديد مسارات الخطوات القادمة.

اقرأ أيضًا:

اكتشافات مذهلة قادمة لتلسكوب جيمس ويب حول المادة المظلمة والكواكب الخارجية

تلسكوب هابل يرصد أصغر كتل معروفة من المادة المظلمة

ترجمة: سليمان عبد المنعم

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: باسل حميدي

المصدر