قد تكون المادة المظلمة هي من تعمل كمكابح للثقوب السوداء التي تنتهي بالتصادم ببعضها البعض في نهاية الرحلة الطويلة المقدرة لها.

وفقًا للنماذج الرياضية الحديثة، أُعيد حل اللغز المعروف بالفرسخ الأخير بوجود جسيمات من المادة المظلمة المتفاعلة ذاتيًا، التي تبقى متجمعة حول الثقوب السوداء، ما يسمح لها باجتياز المسافات بينهم.

هذا الاكتشاف يفيد بأن المادة المظلمة التي تعطي الكون جاذبيته الإضافية يجب أن تكون قادرة على التفاعل ذاتيًا، لأن المشكلة لا يمكن حل نماذجها الرياضية بدون اعتبار تفاعل المادة المظلمة.

قال الفيزيائي غونزالو ألونسو-ألفاريز من جامعة تورنتو وجامعة ماكجيل: «نوضح هنا أن إدراج تأثير المادة المظلمة -المهمل سابقًا- يمكن أن يساعد الثقب الأسود الهائل في تجاوز الفرسخ الأخير للانفصال ومن ثم الاندماج».

ويضيف: «حساباتنا تفسر كيف يمكن أن يحدث ذلك، على عكس ما كان يعتقد سابقًا».

إن الثقوب السوداء الهائلة تقع في قلب المجرات، وهذا لطالما وضع علماء الفضاء في حيرة كبيرة، فنحن نعلم أن الثقوب السوداء الصغيرة تتكون من نوى النجوم فائقة الكتلة بعد انهيارها. ويمكن لهذه الثقوب الصغيرة أن تتحد معًا لتكون ثقوبًا أكبر. وكان أكبر اندماج لثقبين أسودين اكتُشف حتى الآن أنتج جسمًا تعادل كتلته 142 شمسًا.

تصل كتلة الثقوب السوداء الهائلة ما بين مليون إلى مليارات المرات من كتلة الشمس، ومن الممكن افتراض أنه يمكن الحصول على هذه الضخامة الهائلة باندماج الثقوب السوداء الهائلة معًا. وقد اكتشفنا من قبل ثقوبًا سوداء تدور حول بعضها بعدما اندمجت مجراتها عبر تاريخ الكون، فيما يبدو وكأنها في طريقها لاصطدامها الأخير.

الشيء غير الواضح هنا، هو كيفية تصادم هذه الثقوب السوداء فائقة الضخامة. وفقا للنماذج السابقة، فإن الثقوب السوداء تحيط ببعضها البعض وتنقل طاقات مداراتها إلى النجوم والغازات المحيطة بها، ما يؤدي إلى تصغير مداراتها أكثر فأكثر، ومع انكماشها فإن كمية المادة التي يمكن أن تسلب زخمها تنكمش أيضًا.

وبحلول الوقت الذي تكون فيه المسافة بينهما نحو فرسخ واحد -وهو ما يعادل 3.2 سنة ضوئية تقريبًا- تكون مجرتاهما المجاورة غير قادرة على دعمهم في الاستمرار في الدوران، لذلك يستقر دوران الثقوب السوداء لأطول فترة ممكنة. كم من الوقت؟ أطول من عمر الكون على الأقل.

إحدى الطرق لتحديد ما إذا كانت الثقوب السوداء الهائلة قد اندمجت في الماضي فعلًا تتضمن موجات الجاذبية، وهي تموجات هائلة في الزمكان تتكون بسبب الكتل الكبيرة عندما تغيرت سرعتها.
وإذا كانت الثقوب السوداء الهائلة تندمج عبر الكون ، فيجب أن يكون هناك توقيع خلفي لموجات جاذبية منخفضة التردد جدًا (همهمة)، التي بدورها تستمر بالتموج عبر الكون.

لقد اكتشفنا أخيرًا حقيقة همهمات موجات الجاذبية هذه. ما يفيد أننا كنا نفتقد جزءًا حاسمًا من عملية اندماج الثقوب السوداء فائقة الضخامة. وهذه هي معضلة الفرسخ الأخير .

قد تكون المادة المظلمة هي ما كنا نفتقده. فوفقًا للنماذج السابقة لدمج الثقوب السوداء الهائلة، يجب أن تطرد تفاعلات جاذبيتها جزئيات الثقوب السوداء بعيدًا عن النظام، ما قد يؤدي إلى أخذها الجزء الأخير من الطاقة المدارية.

المشكلة الآن هي أننا لا نعرف تحديدًا ماهية المادة المظلمة، فهي لا تتفاعل مع المادة العادية إلا من خلال تأثيرات جاذبيتها، ما يُصعِب جدًا عمليات استكشافها. فأُطلق عليها اسم المادة المظلمة مصطلحًا بديلًا مؤقتًا ويحاول العلماء اكتشاف خصائصها بدراسة سلوك الكون بطرق أخرى.

يتسائل العالم ألونسو-ألفاريز وزملاؤه إن كنا متسرعين باستبعاد حل المادة المظلمة، لذلك صمموا نماذج رياضية مختلفة لاختبارها. وقد وجدوا أن المادة السوداء التي تتفاعل مع نفسها يمكن أن تبقى بالقرب من الثقوب السوداء الهائلة التي تندمج، التي تعطي بدورها الثقوب السوداء شيئًا لتفريغ طاقاتها المدارية الأخيرة حتى تتمكن من الاندماج لتشكل ثقبًا أسودًا هائل الكتلة والحجم.

حتى الآن، تُعد النتائج المكتشفة نظرية إلى حد ما، لكنها تقدم تنبؤات يمكن ملاحظتها. على سبيل المثال، التنبؤ بوجود تخفيف لهمهمة الموجات الجاذبية الخلفية، وهو ما رُصدت تلميحات منه بالفعل. ويمكن استخدام النتائج لفهم طبيعة المادة المظلمة المحيطة بالمجرات عبر الكون، منذ أن كانت الجزيئات تتفاعل لتوازن المجرات، لتكون قادرة على إعادة حل معضلة الفرسخ الأخير.

وأخيرًا، أفاد الباحثون أن نتائجهم تمثل أداة جديدة لاكتشاف وفهم المادة المظلمة.

صرح ألونسو-ألفاريز: «إن عملنا هو طريقة جديدة لتساعدنا على فهم طبيعة جزيئات المادة المظلمة. لقد وجدنا أن تطور دوران الثقب الأسود حساس جدًا للفيزياء الدقيقة للمادة المظلمة، وهذا يعني أننا نستطيع استخدام ملاحظات اندماج الثقوب السوداء الهائلة لنحصل على فهم أفضل لهذه الجزيئات».

نُشر البحث في مجلة فيزيكال ريفيو ليترز (Physical Review Letters).

اقرأ أيضًا:

أقرب صورة على الإطلاق: أحد الثقوب السوداء الهائلة يبتلع نجمًا في الفضاء

كيف تغير الثقوب السوداء الهائلة الكيمياء حولها

ترجمة: ديانا عيسى

تدقيق: بسام موسى

المصدر