اللعاب بديل لمسكنات الألم… لكن هل هذا ممكن؟
تقريبًا لا يوجد أحد من البشر لم يقاسِ قليلا من الآلام في حياته سواء أكانت آلام الأسنان، أو آلام الظهر أو آلام البطن مما قد يضطره إلى تناول الأدوية المسكنة لتخفيف الألم، ولكن هل من الممكن تناول دواء طُور من لعاب الإنسان لتسكين الألم؟
يمكن الإجابة عن السؤال السابق بنعم وذلك بحسب دراسة حديثة، لكن وقبل الخوض في التفاصيل لنتحدث قليلا عن كيفية الإحساس بالألم.
الألم … نعمة لا نقمة
الألم إحساس فطري، ويمتلىء الجلد والأنسجة والأعضاء بالعديد من نهايات الأعصاب الحِسية والتي تتأثر بدورها بالحرارة، والبرودة، والضغط، وحتى المواد الكيميائية الصادرة عن الخلايا بعد تعرض النسيج للأذى.
في حين تتعرض نهايات الأعصاب الحسية لأحد المؤثرات السابقة، ترسل الأخيرة إشارات كهربائية عبر أليافها إلى الجهاز العصبي المركزي، ما يساهم في تنشيط الأعصاب الموجودة في الحبل الشوكي والتي تتصل بالأعصاب الموجودة في جزء من الدماغ يدعى “القشرة الدماغية- Cerebral cortex” وهو الجزء المسؤول عن إحساسك بالألم صارخًا بكلمة “آه”.
صُمم الجهاز العصبي لإعطاء رد فعل سريع كما هو الحال عندما تبعد يدك -في أجزاء من الثانية- عن نارٍ كادت أن تحرقك.
لا يمكن الإنكار بأن الألم إحساس ضروري للبقاء و مؤشر مهم للصحة الجيدة لكل البشر الطبيعيين، ولكَن عندما يكن الألم غير محتمل فالصورة تختلف إذن، خاصة إذا كان الألم مزمنًا سواء كان ألمًا بالظهرأو بالمفاصل أو الأعصاب الذي يجعل من حياة الملايين من الناس جحيما لا يُطاق.
مئتا عامٍ من المورفين!
طوال تاريخ البشرية، بحث البشرعن مادة تساهم في تخفيف الألم وتسكينه حتى وجدوا إحدى أقوى أنواع مسكنات الألم تأثيرا والتي تعرف ب “الأفيونات-Opioids”. وعند الحديث عن الأفيونات يأتي ذكر المورفين في المقدمة، إذ عُرف المورفين – وهو دواء مشتق من نبات الخشخاش – بكونه واحدًا من الأدوية الأولى المستخدمة سواء كان في مجال الكيمياء أو الطب لعدة قرون، وتوفرأول شكل دوائي في صورة نقية في عام 1817.
يعمل المورفين وغيره من الأفيونيات المصنعة – مثل “الكودين-codeine” و”الفينتانيل-fentanyl” – عند ارتباطه بمستقبلات التخدير الموجودة على الأعصاب في الحبل الشوكي، إذ يؤدي هذا الارتباط إلى تثبيط نشاطهم، فتُمنع إشارات الألم المرسلة من الوصول إلى الدماغ.
ومن الجدير بالذكر القول بأن بعض الخلايا العصبية -الموجودة في مناطق معينة على طول مسار انتقال إشارات الألم – تصدر ببتيداتٍ أفيونية (أجزاء من البروتينات) مثل “الإنكيفالين-Enkephalin”.
ترتبط الإنكيفالينات مع مستقبلات التخديرمانعة إشارات الألم من الوصول للدماغ، وفي السبعينات اكتشف الباحثون أن الأفيونات كالمورفين، والكودين، والفينتانيل تسلك سلوكًا محاكيًا لتلك البيتيدات الأفيونية الطبيعية.
ولكن ما علاقة جميع ما ذُكر باللعاب ؟!
في عام 2006، وجد الباحثون -في مؤسسة باستور الدولية في باريس- بيبتيدا في لعاب الإنسان سُميت
بال “الأوبيورفين- Opiorphi”.
تشبه بيبتيدا الأوبيورفين مادة الإنكيفالين سابقة الذكر، لكنها تختلف معها بأنها لا ترتبط بمستقبلات التخدير لتثبيط نشاطها، وإنما تعمل على منع الإنكيفالين من التحطم ما يساهم في زيادة كمية الإنكيفالين الذي يعمل بمثابة مسكن طبيعي للألم، مانعة إشارات الألم: بمعنى أنه عند الشعور بالألم تُصدَر الإنكيفالينات ثم يقوم الأوبيورفين بتعزيزعملها.
لأجل ذلك لا يعمل الأوبيورفين إلا في المناطق التي يُفرَز فيها الإنكيفالين ما يعني أنه لا يؤثر على الأنظمة العصبية الأخرى وبالتالي فإن تأثيره يكون موضعيًا –فقط- على عكس المواد الأفيونية التقليدية.
وبالمقارنة مع المواد الأفيونية -من الناحية النظرية- يُحدث الأوبيورفين التأثير ذاته على الألم، إلا أن أعراضه الجانبية غير المرغوب فيها أقل من الأعراض الجانبية الأخرى مثل الإدمان، والاستخدام طويل الأمد، وعدم القدرة على التنفس.
الأوبيورفين كدواء… صعوبات ومعوقات
تكمن مشكلة الأوبيورفين في تحطمه بمجرد وصوله إلى الجهاز الهضمي أو في تيار الدم، لذا لا يستطيع الوصول إلى مناطق معينة في الجسم لمنع الألم.
لهذا السبب عمل الباحثون في مؤسسة باستور بالتعاون مع شركة تدعى”Stragen”على إنتاج نسخة مطوَرة لللأوبيورفين أطلق عليها اسم “STR-324” لزيادة استقراره، ما يُسهل تناوله عن طريق الفم أو الحقن بالوريد بالرغم أنَ خيار إعطاء الدواء عن طريق الحقن هو الخيار الوحيد الذي لم يُختبر حتى الآن.
أما بالنسبة لأحدث دراسة تناولت الموضوع فقد بدت النتائج إيجابية عند حقن الجرذان ب”STR-324″، حيث عمل الأخير على منع الألم الحاصل بعد العمليات الجراحية بكفاءة، لتقرر الشركة المذكورة و المطَورة للمركب تجربة الدواء على البشر للمرة الأولى في وقت لاحق من العام الحالي.
وبمقارنة تأثير النسخة المطورة مع المورفين فإن العلماء وجدوا أن تاثير المورفين أعلى بالنسبة لتسكين الألم.
كما و تشير الأدلة الحالية إلى فعَالية المركب عند استخدامه –عن طريق الحقن- ضد بعض أنواع الآلام، لكن التحدي الأكبر الذي يواجه العلماء يكمن في إثبات فعَالية الدواء عند تناوله عن طريق الفم.
لكن ماذا عن الألم الحادث نتيجة الاعتلال العصبي ؟
أعلن الباحثون أنه ستبدأ محاولات طبية في عام 2019 لعلاج الألم الناتج عن الاعتلال العصبي وهو ألم ناتج عن إصابة الاعصاب ذاتها بالأذى لا بسبب تضرر الأنسجة المجاورة، كما أنه أحد المضاعفات الشائعة التي تصيب مرضى السكري في مراحله المتقدمة، كما وقد يصيب الاعتلال الإنسان بعد إصابته ببعض الالتهابات الفيروسية.
إنَ هذا النوع من الألم – بالإضافة إلى متلازمات الألم المزمن الأخرى – صعب العلاج إذ غالبًا ما يكون مقاومًا للعقاقير الأفيونية التقليدية.
لهذا يأمل العلماء أن يحمل الدواء”STR-324″ والمسكن الجديد أملا في علاج الألم الناتج عن الاعتلال العصبي بشكل يفوق كفاءة المواد الأفيونية الأخرى، مع العلم أن العلماء لم يطوروا بعد في تجاربهم هذا النوع من الدواء ليكون قادرًا على علاج هذا الألم بالتحديد.
هل نسينا المزايا ؟
تعد إحدى الميزات الرئيسية المتوقعة لدواء STR-324 هى أنه لا ينتج عنه تقلص التنفس أو ما يسمى ب ” Respiratory depression “، وذلك بمقارنة هذا التأثير الجانبي بمعدل الوفيات الناتج عن استخدام الأفيونات، وتكون الوفيات في الغالب نتيجة التعاطي المفرط غير المتعمد للدواء من قبل مدمني الهروين وهو ما يؤدي إلى ضيق التنفس، وبالتالي تقليص الفعالية الطبية للأفيونات لتسكين الألم.
في الواقع فإن الباحثين مازالوا بحاجة لإثبات كفاءة “” STR-324 في مقابل الأدوية الأخرى.
هناك نوع من الأفيونات مرتبط بالمستقبلات وهو مركب ” buprenorphine”، وهو نوع من المواد الأفيونية التي تقلل من احتمالية تعرض الجهاز التنفسي لضيق التنفس مقارنة بالأدوية الأخرى كالمورفين و الفينتانيل.
ختامًا فإن البيانات المتعلقة بدواء ” STR-32″ الجديد، وطريقته المختلفة في العمل، وتأثيره الموجه تجاه آلية عمل الألم تَعِدُ بأنَ هذا الدواء يتمتع بفوائد تفوق المواد الأفيونية التقليدية.
وبالرغم من هذا كله فإن الأدلية العلمية الضمنية التي تعمل على تسكين الألم المزمن لازالت ضئيلة، ولكن لا شك بأنَ العالم في احتياج مستمر إلى مسكنات جديدة و قوية للألم، وفي نهاية المطاف وحدها معطيات التجارب السريرية هي التي ستُظهِر ما إذا كان أن الدواء الجديد قادرًا على أن يكون بصيص أمل للأشخاص الذين يعانون من الألم المزمن.
ترجمة: سيرين خضر
تدقيق: منة الله عيد
المصدر