الكوزمولوجيا والانفجار العظيم
الكوزمولوجيا (علم الكونيات) هو العلم الذي يدرس الكون بمجمله بكل ما فيه من مادة وطاقة ومكان يعيش فيه الإنسان ويتفاعل معه، ويدرس ما حدث في الماضي وما سيحدث في المستقبل، وعلى الرغم من حداثة هذا العلم من حيث تداخله مع الفيزياء الحديثة فإن جذوره تمتد إلى العصور القديمة بمعالجاتها الفلسفية والدينية (الميتافيزيقية) لموضوع أصل الكون والوجود، وهو علم يتطور سريعًا حاليًا فتنشر عنه أخبار كثيرة في وسائل الإعلام، ويعود الفضل إليه في طرح العديد من الأسئلة الكبيرة التي نسعى إلى إيجاد الإجابة عنها.
الانفجار العظيم
صورة بالقمر الصناعي لأشعة الخلفية للكون
القمر الصناعي الذي التقط هذه الصورة هو المسبار الفضائي ويلكنسون ومرصد دوار مصمم لقياس الأشعة التي خلفتها بداية الكون. وخلال أقل من عامين من وجوده في الفضاء رسم هذا المسبار خريطة إشعاع الخلفية الميكروني الكوني بدرجة غير مسبوقة من التفصيل والدقة.
المصدر: مركبة بلانك الفضائية التابع للوكالة الأوروبية لأبحاث الفضاء (إيسا)
صورة إشعاع الخلفية الكونية الميكروية (CMB): هي صورة ملتقطة لأقدم ضوء في الكون رسم في الكون المبكر عندما كان عمره 380000 سنة فقط، وتظهر الصورة تباينات في درجات الحرارة تعطي مؤشر على التفاوتات في الكثافة، وممهدة للبنية الحالية للكون بنجومها ومجراتها.
نظرية الانفجار العظيم إحدى أكثر النظريات المشهورة في علم الكونيات، ويمثل فكرة أن كوننا كان قديمًا أكثر سخونة وكثافة مما هو عليه الآن وأنه منذ تلك اللحظة إلى اليوم وهو يتمدد، تعتمد النظرية على المشاهدات الكونية والتي يمكن تقسيمها إلى التالي:
• تباعد المجرات البعيدة عنا بطريقة تبدو عليها أن سرعتها التباعدية تتناسب مع المسافة التي تبعد فيها عنا (يدعى هذا بقانون هابل نسبة إلى إدوين هابل أول من رصد هذا الحدث) تم التوصل من خلال هذه الرصد إلى وجود توسع كوني متساوي في جميع أنحاء الكون، ثم استنتج من هذا أن الكون لا بد أنه بدأ صغيرًا في الماضي السحيق، وسميت نقطة البداية «بالانفجار العظيم».
• عندما نراقب السماء ليلًا نرى ما تبقى من إشعاع الخلفية الكونية الميكروي «CMB»، وهو طيف لجسم أسود بدرجة حرارة 3 كلفن، أخذ مع توسع الكون، يدل هذا الطيف أن الكون لا بد أنه كان شديد الحرارة في الماضي وغير منفذ للإشعاعات، كما اتضح أن إشعاع الخلفية الكوني يتناسب تمامًا مع احتمال كونه ناتج من الفوتونات الأولى التي هربت بعد أن أصبح الكون مُنفذًا، لذا يمكن القول أن الكون أصبح غير مصمت ومنفذ للمرة الأولى عندما بدأت الذرات بالتشكل في حدث عرف باسم «إعادة الاتحاد – Recombination» ، وهو حدث يشير إلى تلك الحقبة الكونية التي بدأت بها الإلكترونات والبروتونات بالترابط لتكون ذرات الهيدروجين.
بنية الكون
مصدر الصورة: فيرجو – مشروع محاكاة الألفية/سبيرنجل وآخرون (2005)/جمعية ماكس بلانك
محاكاة توزيع المادة المظلمة: استخدمت المحاكاة أكثر من 10 مليارات جسيمة لتتبع تطور توزيع المادة في إقليم مكعب في الكون خلال ملياري سنة ضوئية، عن طريق تقنية محاكاة متقدمة أنتجت مخرجات تصل إلى 25 تيرا بايت، تمكن العلماء في مرصد فيرجو من إعادة تكوين تاريخ تطور 20 مليون مجرة التي أنتجت ذلك الحجم الهائل والثقوب السوداء هائلة الحجم المحتوية في أغلب الأحوال على كوازرات في مركز التجمعات – الكوازرات هي مجرات بعيدة جدًا عنا بمليارات السنين الضوئية، لامعة جدَا بما يعادل مئات من المجرات المتوسطة مجتمعة , فلمعان أي كوازر يعادل 10 إلى 1000 مرة أعظم من اي مجرة طبيعية وتبعث بكمية ضخمة من الطاقة كأشعة سينية وأشعة فوق البنفسجية وموجات راديو وأشكال أخرى من الإشعاع الكهرومغناطيسبي.
تتبعثر المجرات عشوائيًا في الكون، لكنها تفضل التجمعات المجرية أو العنقودية، أما التجمعات العنقودية فهي بدورها تميل إلى الترتب في تجمعات عنقودية فائقة، ومجرتنا على سبيل المثال مجرة درب اللبانة معروفة بأنها أحد المجرات في مجموعة نسميها «المجموعة المحلية – the Local Group» وهذه المجموعة تتكون من مجرتين كبيرتين هما مجرة درب اللبانة ومجرة أندروميدا بالإضافة لاستضافتها بعض المجرات القزمة، ويجدر الانتباه أنه يمكن ترتيب الأحجام تصاعديا هنا كالتالي : مجرة، مجموعة مجرات، عنقود من المجرات، عنقود فائق من المجرات، ونشبه المجموعات المجرية كمدن صغيرة وإلى العناقيد كمدن كبيرة، وإلى العناقيد الفائقة كالولايات أو الدول.
العناقيد الفائقة هي أنظمة أقرب إلى الاستقرار من غيرها وهذا يعني أنها في تمدد مستمر مع الكون، بينما المجموعات المجرية والعناقيد عمومًا يعتقد أنه ممسوكة بجاذبية مشتركة ناتجة من مجراتها تصعب عليها التمدد، لذا يشار إلى العناقيد الفائقة إلى اسم الشبكة الكونية «Cosmic web».
من خلال دراسة البنية الكونية هائلة الحجم في الكون استطاع علماء الفلك تعلم الكثير عن علم الكونيات، فالعناقيد الفائقة قد تمثل آثار البنية الأولية التي تشكل بها الكون (والتي تستطيع رؤيتها في صورة إشعاع الخلفية الكونية التي رصدها مسبار ويلكنسون) والطريقة التي تشكلت بها هذه البنية تعتمد بشكل كبير على تكوين الكون.
علم الكونيات في القرن الواحد والعشرين
بحلول القرن الواحد والعشرين، بدأ علماء الكوزمولوجيا بأن يشعروا باقترابهم من معرفة المقاييس الأساسية للكون، يمكننا أن نقول أن الكوزمولوجيا هي علم لم يكتمل بعد، لكن لا ننسى أن المشاهدات الحديثة– بما فيها صورة مسبار ويلكنسون – حلت لنا العديد من المشكلات الموجودة في الكوزمولوجيا، وتقترح هذه المشاهدات أن ثابت هابل يساوي تقريبا 71 كيلومتر لكل ميجا فرسخ بنسبة دقة تصل إلى خمسة بالمئة، وأن الكون مسطح هندسيًا، لكن تهيمن عليه طاقة من نوع غير مفهوم تدعى بالطاقة المظلمة، وأن المادة العادية تهيمن عليها المادة المظلمة وهي ليست كأي شيء كالمادة العادية التي نتكون نحن منها، وفي المحصلة فإن كوننا غريب وهو كون بدأنا حديثًا في فهم تفاصيله أكثر بكثير مما كنا نعرفه.
ترجمة: قصي أبوشامة
تدقيق: أحمد شهم شريف
المصدر