ما هو الكوارك ؟ أحد الأسئلة الأبدية للبشر يتعلق بماهية الأشياء المحيطة بنا وماهية المكون الأساسي لها. اعتقد الفلاسفة الإغريق قديمًا أن المكونات الأساسية للمادة هي النار والماء والهواء والأرض، أما الفلسفات في غرب آسيا اتبعت نظرية العناصر الخمسة وهي: الماء والنار والهواء والأرض والمعادن والخشب أيضًا.
يعتقد الفيزيائيون في وقتنا الحالي أن المادة مكونة من اثني عشر جسيمًا أساسيًا (كواركات وليبتونات) لا تُجزّأ أكثر من ذلك. تتفاعل الكواركات والليبتونات بواسطة أربع قوى أساسيةٍ لصياغة الكون الذي نعرفه اليوم.
كيف تكوِّن الكواركات المادة؟
استطعنا الكشف عن 6 كواركات إلى الآن بالتجربة. مُنحت هذه الكواركات أسماءً هي: الكوارك العلوي والكوارك السفلي والكوارك الغريب والكوارك الساحر والكوارك القمي والكوارك القعري مرتبةً ترتيبًا تصاعديًا تبعًا لكتلها.
وهناك أيضًا ستة أنواع من اللبتونات، ثلاثة منهم مشحونة كهربائيًا بشحنة سالبة: الإلكترون والميون والتاون، وثلاثة متعادلة كهربائيًا تسمى النيوترينوات. يقترن كل واحد من نيوترينوات الثلاثة بأحد اللبتونات المشحونة ويطلق عليها الأسماء التالية: نيوترينو إلكترون ونيوترينو ميون ونيوترينو تاو.
تتفاعل تلك الجسيمات الاثنى عشر بواسطة نوع آخرَ من الجسيمات تسمى حاملات القوى. ولدينا أربعة أنواع من الجسيمات الأولية حاملات القوى، معروفة بالأسماء التالية: الغولون والفوتون والجرافيتون وبوزونات دبليو وزد.
لم يُتأكَّدْ من جسيم الجيرافيتون المسؤول عن قوى الجاذبية تجريبيًا بعد، لكنّ العديد من علماء الفيزياء يفترضون وجوده. تحتوي الذرة على نواة مؤلفةٍ من بروتون ونيوترون.
يتكون البروتون من كواركين علويين وكوارك واحد سفلي، أما النيوترون فيتكون من كوارك واحد علوي واثنين سفليين. تُسمى القوة التي تربط بين الكواركات في النيوترون أو البروتون القوة النووية القوية، وتنشأ هذه القوة عن تبادل الغولونات.
تشكل الذرة النواة الذرية مع الإلكترونات التي تتحرك حولها، والعلاقة بين النواة والإلكترونات تشبه العلاقة بين الشمس والكواكب في النظام الشمسي. تنجذب النواة والإلكترونات إلى بعضها البعض، وتتبادل الفوتونات، والقوة الناشئة بين النواة والإلكترونات تسمى القوة الكهرومغناطيسية.
تشكل الذرات الكثير من الأشياء في حياتنا اليومية، و منها الأشياء العملاقة في الكون مثل النجوم والمجرات. القوة المهيمنة على تلك الظواهر الماكروسكوبية هي قوة الجاذبية بوساطة حاملات القوة جرافيتونات.
تكون الطاقة في مراكز النجوم ضخمةً تتولد من الاندماج النووي بواسطة بوزونات دبليو وزد (البوزونات الضعيفة)، وتلك القوة تجعل الكون مشعًا. في الاندماج النووي تتحول الكواركات السفلية إلى كواركات علوية بواسطة القوة النووية الضعيفة. تغيير اللبنات الأساسية يضيء النجوم ويحفظ استمرار طاقتها إلى الحد الأقصى.
تميل الكواركات إلى الوجود في تجمعات، فعلى الرغم من أن معظم الفيزيائيين يعتقدون أن الكواركات هي الجسيمات الأساسية التي تكوِّن الكون، لم يرصد أحد إلى الآن كوارك مفرد معزول عن المجموعة؛ وهذا يرجع إلى طبيعة القوى النووية القوية.
ترتبط الكواركات ببعضها بواسطة شحنتها اللونية، كما ترتبط النواة والإلكترونات ببعضها البعض بوساطة شحنتها الكهربائية. القوة النووية القوية هي التي تعمل بين الشحنات اللونية.
يوجد نوعان من الشحنات الكهربائية، أما الشحنات اللونية فهناك ثلاثة أنواع منها، وهي تسميات مشابهه للألوان الأساسية للضوء الأبيض. القوة النووية القوية تجبر الكواركات على التواجد في حالة الـ white state، أو تجعلها في وضع عديمة اللون.
يكفي أن تعرف شيئًا بسيطًا عن نظرية الألوان الأساسية للضوء، لتتذكر أن تراكب ثلاثة من الألوان الأساسية تنتهي بالأبيض؛ ولهذا تتكون النيوترونات والبروتونات من ثلاثة كواركات أحدها باللون الأحمر، والآخر باللون الأخضر، والثالث باللون الأزرق.
لم يتمكن أحد من عزل كوارك مفرد؛ لأن القوة النووية القوية تحجب حالة اللا أبيض. تلك الظاهرة تسمى عزل الكوارك.
ملحوظة: مصطلح اللون اختير لأن الخاصية المجردة المشار إليها لها ثلاث مظاهر، ولا تمت للألوان التي تدركها الأبصار بصلة.
تُحقق من وجود الكواركات من خلال عدة تجارب، لكن إذا وجدت طريقة لعزل الكوارك مفردًا ستكون في صف الحائزين على نوبل.
يفكر بعض الفيزيائيين النظريين في الوقت الحاضر بجدية في إمكانية وجود الكواركات والغولونات على شكل جسيمات حرة في المراحل الأولى من الكون عقب الانفجار العظيم بنحو من 6 إلى 10 ثواني وسميت تلك المرحلة ” بلازما-كوارك-غولون” QGP أو حساء الكوارك.
يحاول العلماء إعادة إنتاج تلك المرحلة من خلال تصادم أيونات ثقيلة باستخدام مسرعات الجسيمات عالية الطاقة مثل مصادم الهادرونات الكبير LHCبجنيف، أو مصادم الأيونات الثقيلة بسرعات النسبية RHIC في نيويورك.
أشار RHIC إلى أن تخليق مرحلة ال QGP ممكنٌ عند أعلى درجة حرارة وصل إليها المختبر وقد بلغت أربعة تريليونات درجة مئوية، أي أعلى من درجة حرارة الشمس بحوالي 250,000 مرة.
على الرغم من أن الكوارك يعد جسيمًا أوليًا يكوِّن جسيماتٍ أخرى غيرَ أولية، إلا أن هناك بعض التجارب لمحاولة معرفة إذا كان الكوارك يتكون من جسيمات أصغر.
إذا رصد أحدٌ جسيمات أصغر مكونة للكوارك فهذا يعني أن الكوارك لم يعد جسيمًا أوليًا بل جسيمًا مركبًا يتكون من جسيمات أكثر جوهرية.
تتمثل إحدى الطرق لرؤية بنية الكوارك في اتّباع طريقة رذرفورد الشهيرة التي أجريت قبل 100 عام للكشف عن النواة بالذرة عن طريق إطلاق جسيمات ألفا على شريحة رقيقة من الذهب ما يؤدي إلى انحراف بعضها نتيجة لاصطدامها بالنواة داخل الذرة؛ لذلك قد يكون الانحراف الكبير غير المتوقع عند تصادم الجسيمات في مصادمات الطاقة العالية دليلًا على اكتشاف بنية الكوارك.
يعد LHC أقوى مصادم للجسيمات حاليًا؛ إذ تصل طاقة اصطدام البروتونات به إلى أكثرَ من 14 تيرا إلكترون فولت وهذه أعلى من طاقة جسيمات ألفا بـ 106 مرة.
اقرأ أيضًا:
ترجمة: آية قاسم
تدقيق: الياس عباس