تُعد النزاعات التي نعيشها بيئة خصبة لاستعراض القوات العسكرية وابتكار أحدث الأسلحة، إذ أطلقت القوات الجوية الأمريكية ونورثروب غرومان قاذفة القنابل B-21، وهي أحدث إصدار من قاذفات الشبح B21-Raider، وذلك في احتفالية أقيمت في المصنع السري للقوات الجوية 42 في بالمديل كاليفورنيا في بدايات ديسمبر 2022.
في اليوم السابق للاحتفال، غادرت أولى طائرات بوينغ F-15C إيجل التابعة للجناح الثامن عشر التابع للقوات الجوية الأمريكية، وذلك من مدينة أوكيناوا في أقصى جنوب اليابان، ومن المقرر خلال العامين القادمين أن تغادرها 50 طائرة تقريبًا من طراز F-15 التي يزيد عمرها على 40 عامًا، سينضم بعضها إلى ستة من F-15Cs في أسراب الحرس الوطني في الجوية الأمريكية، بينما سيذهب بعضها إلى التخزين في ولاية أريزونا.
عند مغادرة المقاتلات قصيرة المدى التابعة للقوات الجوية منطقة غرب المحيط الهادئ، ستعتمد الخدمة على طائرات قاذفة القنابل B-21 التي تحلق بعيدًا لأداء الاشتباكات الشديدة في حالة نشوب حرب مع الصين.
إن التحول من المقاتلات الى القاذفات ليس كليًا أو لا رجوع فيه، إذ يخطط سلاح الجو إلى مواصلة استخدام المقاتلات عبر كادينا بدءًا من طائرات F-22 الموجودة في ألاسكا التي وصلت في الوقت ذاته تقريبًا الذي كانت تغادر فيها طائرات F-15 الأولى.
في قاعدة ميساوا الجوية الواقعة شمال اليابان أيضًا، نجد أيضًا جناحًا تابعًا للقوات الجوية الأمريكية، تقلع منه الطائرات ويحتوي على 50 طائرة من طراز F-16، ولدى البحرية الأمريكية دائمًا ما لا يقل عن واحدة وأحيانًا اثنتين أو ثلاث من حاملات الطائرات والسفن الهجومية في غرب المحيط الهادئ، ولكل منها مقاتلاتها الخاصة.
لكن البنتاغون لا يعتمد على هذه المقاتلات لكسب الحرب مع جيش التحرير الشعبي الصيني إذ تعد F-15C المقاتلة الأمريكية الأطول مدى، لكن مداها لا يتجاوز 1280 كيلومترًا على الوقود الداخلي عندما تكون حمولتها الصاروخية كافية.
كذلك كادينا هي القاعدة الجوية الرئيسية للعمليات في غرب المحيط الهادئ وذلك لموقعها الاستراتيجي، إذ تقع على بعد 750 كيلومترًا شمال شرق تايوان والمسافة ذاتها تقريبًا من البر الرئيسي للصين من الغرب، كادينا هي القاعدة الوحيدة في المنطقة التي يمكنها إطلاق المقاتلات في المجال الجوي حول تايوان دون الحاجة إلى التزود بالكثير من الوقود في الجو من طائرات ناقلة بطيئة وضعيفة.
تكمن مشكلة القوات الأمريكية في أنه بعد عقدين من التحديث المستمر، يمتلك جيش التحرير الشعبي الآن الآلاف من الصواريخ الباليستية (DF-16 وDF-17 وDF-21 وDF-26) وصواريخ كروز YJ-18 التي تستطيع ضرب كادينا.
في حالة نشوب حرب مع جيش التحرير الشعبي، ستُستهدف كثير من المناطق في تايوان، لكن كادينا ستكون في مقدمتها بسبب أهمية موقعها الاستراتيجي، ولا توجد إجراءات دفاعية تستطيع حمايتها من التدمير، أو تلقي الكثير من الضربات السريعة في الساعات الأولى، حتى وإن ساعدت ملاجئ الطائرات الجناح الثامن عشر على الصمود فترة أطول قليلًا إلى جانب بطاريات الدفاع الصاروخي التابعة للجيش الأمريكي.
لذلك يسعى مخططو البنتاغون لسحب قواتهم بعيدًا عن مدى الصواريخ الصينية، والبدء هو نقل النسور القديمة للجناح الثامن عشر إلى قاعدة أندرسن الجوية في غوام، وهي مركز قاذفات رئيسي للقوات الجوية الأمريكية حيث تقع على بعد 2900 كيلومتر تقريبًا من الصين، لذلك هي الموقع الاحتياطي الواضح، وبالتأكيد توجد عدة مواقع احتياطية أخرى كمطار في مدينة داروين في أستراليا التي تقع على بعد 2200 كيلومتر من الصين.
ما تشترك فيه جميع القواعد الجوية هو أنها بعيدة جدًا عن الصين بحيث تستطيع إطلاق الطائرات المقاتلة حول تايوان باستخدام جسر الناقلات الجوي غير المسبوق الذي سيكون هو نفسه عرضة للهجوم الصيني. ولكي تستطيع القوات الجوية الأمريكية شن هجمات جوية فوق غرب المحيط الهادئ فهي بحاجة الى قاذفات بعيدة المدى، خصوصًا تلك التي لا تتطلب مرافقين، نعني بذلك قاذفة القنابل أو القاذفات الشبح.
المشكلة هي أنه لا يوجد سوى 20 قاذفة شبح من طراز B-2 تعود إلى التسعينيات، إضافة إلى 45 B-1s غير متخفية إلى جانب 76 B-52Hs أقل تخفيًا، وأسطول القاذفات الحالي بهذا العدد قليل جدًا لشن هجمات واسعة النطاق.
أما قاذفة القنابل B-21، بشكلها المشتت بالرادار وبحمولة 15 طنًا ومداها غير المزود بالوقود الذي يصل 9650 كيلومترًا تقريبًا، فهي تفي بمتطلبات الأداء لتحل محل B-2، ذلك إذا تمكنت شركة نورثروب والقوات الجوية من إنتاج القاذفات بسرعة وبتكلفة مقبولة.
عندما استغل سلاح الجو شركة نورثروب لتطوير B-21 وبنائها عام 2015، كانت الفكرة هي إنتاج ما يكفي من قاذفات الشبح الجديدة لتحل محل B-2s وB-1s في 2030، ثم على مدار العقد التالي توسّع أسطول القاذفات الإجمالي ليضم ما لا يقل عن 175 هيكلًا للطائرات، سيكون معظمها متخفيًا.
تريد القوة الجوية الذهاب إلى أبعد من ذلك ومضاعفة مخزون القاذفات بما يصل إلى 200 قاذفة B-21 لتحل محل B-1s وB-2 بينما تكمل B-52s. وما بين 100 إلى 200 هيكل طائرة وشبكة من القواعد خارج نطاق معظم صواريخ الصين، قد تصبح قوة رايدر في النهاية المساهمة الرئيسية للقوات الجوية الأمريكية في أي حرب مع الصين.
طرح القاذفات هو الخطوة الأولى في رحلة طويلة، فيجب الآن على شركة نورثروب والقوات الجوية اختبار B-21، وتعديل التصميم وتوسيع نطاق الإنتاج مع الحفاظ على تكلفة منخفضة للوحدة.
خطط البنتاغون سابقًا للحصول على 132 B-2s، لكن تكاليف البرنامج الإجمالية العالية أدت إلى انخفاض في الميزانية المخصصة مع زيادة تكلفة الطائرة إلى عدة مليارات من الدولارات، ما أدى في النهاية إلى القوة الضئيلة الموجودة اليوم من قاذفات القنابل الشبحية.
قد تعاني قاذفة القنابل B-21 المصير ذاته، وسيكون ذلك نتيجة كارثية لاستراتيجية الولايات المتحدة غرب المحيط الهادئ، لكن يأمل سلاح الجو أن تكلف 750 مليون دولار فقط للطائرة.
اقرأ أيضًا:
مشروع مانهاتن السري لصناعة القنبلة الذرية
هل تجهز روسيا قاذفاتها الاستراتيجية بالذكاء الصناعي؟
ترجمة: ضحى عبد الكريم