يمكن رؤية أشكال علامات ترقيم غريبة في الفضاء، مثل الفواصل والنقاط والنقطتين الرأسيتين، يعود سبب تشكل هذه العلامات إلى ظاهرة عدسة الجاذبية، ويُظهرالاكتشاف الأخير لتلسكوب جيمس ويب الفضائي، الضوء من مجرة بعيدة مشوهًا بفعل الجاذبية ليأخذ شكل علامة استفهام كونية ضخمة. يحدث هذا التشوه نتيجة انحناء الزمكان بسبب الجاذبية.
إن تشابه علامة الاستفهام التي رصدها تلسكوب جيمس ويب مع علامة الاستفهام المتعارف عليها مجرد صدفة بالطبع، وهي ليست المرة الأولى التي ترصد في الفضاء. ظهور هذا الجسم يرجع إلى ظاهرة تُعرف بعدسة الجاذبية، إذ ينحني الضوء القادم من جسم بعيد بفعل جاذبية جسم ضخم يقع بينه وبين المراقب، قد توفر هذه الظاهرة معلومات قيّمة عن الكون.
شرح عالم الفلك غيوم ديسبريه من جامعة سانت ماري في كندا: «هذه الظاهرة نادرة الحدوث، ما يجعل ظهور الأشكال الناتجة منها أمرًا بالغ الروعة، إن رصد هذه الأشكال واكتشافها حدث مهم، لأنه حتى الآن لم يُرصد إلا عدد قليل منها، إضافًة إلى أنه يبرز مدى قوة ودقة تلسكوب جيمس ويب، إذ إن التكنولوجيا المتقدمة لتلسكوب ويب قد تمكّن علماء الفلك من اكتشاف المزيد من هذه الظواهر الكونية النادرة في المستقبل القريب».
يمثل الزمكان إطار الكون، فهو ليس مسطحًا أو منتظمًا. يمكن للأجسام الكبيرة مثل النجوم والمجرات تشويه نسيج الزمكان، تمامًا كما يسبب وضع جسم ثقيل على الترمبولين ثني القماش. في حالة تشوه نسيج الزمكان، يتأثر الضوء عندما يمر عبر مناطق الزمكان المشوهة بفعل الأجسام الضخمة مثل المجرات، يتبع الضوء مسارًا منحنيًا بدلًا من التحرك في خط مستقيم.
عندما يمر الضوء من الأجسام البعيدة، مثل المجرات، عبر الزمكان المشوه حول الأجسام الضخمة، يشوه مساره.
بالنسبة إلى المراقبين على الأرض، يؤدي هذا التشوه إلى ظهور الضوء كأنه متمدد أو منحنٍ أو مكرر أو مكبر، ما يُعرف بظاهرة عدسة الجاذبية.
يمكن تشبيه ظاهرة عدسة الجاذبية بعدسة مكبرة، إذ تسمح هذه الظاهرة للعلماء بمراقبة المزيد من التفاصيل في المجرات البعيدة.
مع ذلك، يحتاج العلماء إلى عكس أو تصحيح التشوه الناجم عن هذا التأثير لاستخراج معلومات دقيقة ومفيدة.
خلف مجموعة المجرات (MACS-J0417.5-1154)، تتفاعل مجرتان، وينتج عن هذا التفاعل، إلى جانب تأثير عدسة الجاذبية، شكل علامة الاستفهام الغريبة.
شكل علامة الاستفهام في الفضاء هو نتيجة لانحناء ضوء مجرتين متفاعلتين بواسطة عدسة جاذبية، ما يشكل خمس صور منفصلة.
أربع من هذه الصور تشكل منحنى علامة الاستفهام، في حين تشكل النقطة مجرة أخرى غير مرتبطة، وُجدت مصادفةً في المكان والزمان المناسبين.
استخدم علماء الفلك تلسكوب جيمس ويب وهابل لتصوير المنطقة، وأكدوا أن المجرتين اللتين تُعرفان الآن باسم «زوج علامة الاستفهام»، تقعان على نفس المسافة من الأرض. وقد سافر الضوء من كلتا المجرتين مدة 7.2 مليار سنة للوصول إلينا، ما يدل على مدى بُعدهما.
تؤكد هذه الملاحظة أن المجرات تتفاعل معًا، إذ تؤدي قوى الجذب بينهما إلى ضغط وانهيار سُحب الغبار المسؤولة عن تكوين النجوم. فتولد نجوم جديدة، ما يدل على ظهور علامات مبكرة لتشكل النجوم في كلتا المجرتين.
يقول عالم الفلك فيسنتي إسترادا: «فهم وقت ومكان وطريقة تكوين النجوم ضمن المجرات هو مفتاح تعلم كيفية تغير وتطور المجرات عبر تاريخ الكون». تساعد هذه المعرفة علماء الفلك على تتبع تطور المجرات وتغيرها على مدى مليارات السنين.
كلتا المجرتين في «زوج علامة الاستفهام»، تكونان النجوم في مناطق مركّزة، من المحتمل أن يكون هذا نتيجة تصادم الغازات بينهما. مع ذلك، لم تتعرض أشكالهما العامة لاضطراب كبير، ما يشير إلى أن هذا التفاعل ما زال في مراحله المبكرة.
تختلف الأشكال الناتجة من ظاهرة عدسة الجاذبية رغم ندرة حدوثها، ما يعني أننا لا نستطيع دائمًا الحصول على معلومات قيمة منها. مع ذلك، تقدم لنا مراقبة «زوج علامة الاستفهام» نظرة فريدة على تاريخ الكون وعلى ماضي مجرتنا «درب التبانة»، الذي كان فوضويًا بعنف.
عبّر عالم الفلك مارسين ساويكي من جامعة سانت ماري، عن حماسه لجمال الصور الفضائية الملتقطة، موضحًا أن هذه الاكتشافات المدهشة هي ما ألهم اهتمامه بدراسة علم الفلك بعمق.
المجرات التي رصدها تلسكوب ويب تعود إلى مليارات السنين، عندما كانت عملية تكوين النجوم في ذروتها.
هذه المجرات مشابهة في الكتلة لما كانت عليه مجرة درب التبانة آنذاك، ما يمنح علماء الفلك فهمًا أوضح لمراحل التطور الأولى لمجرتنا.
اقرأ أيضًا:
هل الصور التي تُظهر مجرتنا حقيقية؟ وكيف التُقطت؟
ترجمة: آية شميس
تدقيق: آلاء ديب