أوصى مستشارو العلوم الرئيس نيكسون ببناء شبكة عالمية لرصد ثاني أكسيد الكربون. في عام 1971، اقترح مستشارو العلوم على الرئيس ريتشارد نيكسون مشروع بحث بتكلفة ملايين الدولارات بشأن تغير المناخ بفوائد وصفوها بكلمة «الهائلة»؛ إذ لا يمكن تقديرها نظرًا إلى أنها تشمل (ضمان بقاء الإنسان)، وذلك وفقًا لوثيقة استُصدرت حديثًا من البيت الأبيض من أرشيف الأمن الوطني، التي نُشرت حصريًا على موقع Inside Climate News.

تنص الخطة على إنشاء ست محطات رصد عالمية وعشر محطات إقليمية في مواقع نائية لجمع بيانات بشأن ثاني أكسيد الكربون والإشعاع الشمسي والجسيمات العاكسة وعوامل أخرى تؤثر في الغلاف الجوي. شملت الخطة خمس وكالات حكومية في مبادرة تستمر ستة أعوام بتكلفة 23 مليون دولار في العام؛ أي ما يعادل ذروة المشروع عام 1974 أو ما يقارب 172 مليون دولار في الأيام الحالية. استخدمت تكنولوجيا حديثة آنذاك، بعضها لم يُطبق على نطاق واسع في مراقبة الكربون إلا بعد مرور أكثر من 50 عامًا.

لكنها تظل فرصة ضائعة أخرى في بداية الطريق نحو أزمة المناخ؛ إذ لم يتمكن الباحثون في أرشيف الأمن الوطني، الذي يتخذ من جامعة جورج واشنطن مقرًا له، من العثور على أية وثائق تشير إلى ما حدث للاقتراح، لذا لم يُنفذ أبدًا.

تساءلت راشيل سانتار سييرو، محللة تدير مشروع الشفافية في تغير المناخ في أرشيف الأمن الوطني: «من يعلم ما الذي كان سيحدث لو كان لدينا نوع من الجهد المنسق حتى من ناحية المراقبة فقط؟».

تبيّن أن اقتراح المراقبة، الذي وافق عليه رئيس مكتب العلوم والتكنولوجيا في البيت الأبيض تحت حكم نيكسون، إدوارد إي. ديفيد الابن، حصل على فرصة ثانية على نحو مختلف.

بعد مغادرة ديفيد لإدارة نيكسون، انضم إلى شركة النفط العملاقة إكسون، وبصفته رئيسًا لشركة إكسون للبحوث والهندسة من عام 1977 حتى عام 1986، وافق على مشروع إكسون الرائد الذي استخدم إحدى ناقلات النفط لجمع عينات ثاني أكسيد الكربون الجوي والمحيطي، بدءًا من عام 1979.

أكد هذا البحث، الذي أُبلغ عنه أول مرة على موقع Inside Climate News عام 2015، دور الوقود الأحفوري في الاحتباس الحراري العالمي، وأظهر أن صناعة النفط كانت تعلم تمامًا أضرار منتجاتها، وأصبحت الآن جزءًا رئيسيًا من الأدلة في دعاوى قضائية من الولايات والمدن في جميع أنحاء البلاد، التي تطالب بتعويض من صناعة النفط عن الأضرار المناخية.

يعتمد أرشيف الأمن الوطني على قانون حرية المعلومات للحصول على مثل هذه الوثائق التاريخية، ويحتفظ حاليًا بأحد أكبر الأرشيفات غير الحكومية للوثائق الحكومية غير السرية؛ كثير منها يتعلق بالقضايا العسكرية والأمنية.

في العام الماضي، أطلق الأرشيف مشروعًا خاصًا لتجميع السجل التاريخي لتعامل الحكومة الأمريكية مع تغير المناخ. ففي يوم الجمعة بمناسبة أسبوع الأرض، أصدرت المجموعة كتيبًا يوضح مناقشات تغير المناخ في البيت الأبيض تحت حكم نيكسون، بما في ذلك الوثيقة الجديدة.

كُشف مؤخرًا عن مقترح بحث، يعود إلى 20 ديسمبر 1971 من مكتب العلوم والتكنولوجيا في البيت الأبيض، يظهر أول مرة أن مستشاري نيكسون في مجال العلوم باشروا في تحليل شامل للمخاطر المحتملة لتغير المناخ وتقييم احتياجات البيانات.

كان غرض المشروع (تقييم الآثار الحالية والمستقبلية للتغيرات المناخية الطبيعية، وتقديم تنبيهات بشأن الاتجاهات الكارثية المحتملة، واكتساب رؤى ومفاهيم بيئية جديدة تُعد أساسًا لِاعتماد استراتيجيات حكيمة) بحسب ما جاء في خطة البحث التي لم يُوقع عليها، ولكنها أُجريت بموجب سلطة ديفيد.

تحت قسم يحمل عنوان (تحليل التكلفة والفائدة)، كتب المسؤولون: «لا يمكن إجراء تحليل، الفوائد هائلة، لكن لا يمكن قياسها؛ إذ يساهم هذا العنصر في ضمان بقاء الإنسان».

اقترح مساعدو نيكسون أن تبدأ الحكومة بتطوير أدوات جديدة بتقنية الليدار (الكشف عن الضوء والاستشعار عن بعد) – وهي تكنولوجيا عمرها أقل من عقد من الزمان – لقياس الكربون في الغلاف الجوي قياسًا أفضل.

لقد كانوا على حق فيما يتعلق بمزايا تقنية الليدار، لكن استغرق الأمر أكثر من أربعة عقود حتى بدأ علماء في وكالة ناسا وحول العالم في استخدامها لدراسة ليس فقط تركيز ثاني أكسيد الكربون، لكن توزّعه العالمي وتغيراته اليومية.

وصفت سانتار سييرو الوثيقة بأنها كانت متقدمة للغاية على عصرها. قبل عقود من ظهور توافق علمي بشأن تغير المناخ، نقل مستشارو نيكسون فهمًا للمخاطر؛ إذ كتبوا أن البحث سوف يساعد على «اتخاذ تدابير وقائية ضد الكوارث الطبيعية المحتملة، مثل الفيضانات الكبيرة في المناطق الساحلية المنخفضة، والانتشار الواسع لألواح الجليد، والمخاطر الصحية الشديدة».

لقد أظهروا وعيًا بدور التلوث الذي يسببه الوقود الأحفوري في تغير المناخ، حتى لو كان فهمهم غير مكتمل بعد؛ إذ كتبوا: «النقل البري الجوي يؤثر تأثيرًا ضارًا في الغلاف الجوي وبدوره يتأثر به».

«أقرّوا بسهولة أن العلم لم يصل بعد لحل هذه المشكلات» بحسب قول سانتار سييرو الذي تابع قائلًا: «لكنهم قالوا أيضًا إنه لا بد من اتخاذ إجراءات حاسمة، وسوف ينمو العلم جنبًا إلى جنب لمساعدتنا على التصدي لهذه القضايا. يبدو هذا الموقف مختلفًا تمامًا عن الحوار الحاصل اليوم، إذ لا يمكننا حتى التوصل إلى إجماع عام، ما يعرقل أساسًا الجهود الوقائية أو التخفيفية الحاصلة على جميع المسارات».

بحلول ذلك الوقت، ومع فضيحة ووترغيت التي اجتاحت واشنطن آنذاك، كانت إدارة نيكسون تتفكك. انتقد نيكسون دعاة حماية البيئة خاصةً لرغبتهم في إعادة البشر «لكي يعيشوا بشكل مجموعة من الحيوانات اللعينة»، وفقًا لسانتار سييرو في كتابها الموجز. ألغى نيكسون مكتبه للعلوم والتكنولوجيا، وقد استقال زعيمه ديفيد بحالة من الإحباط في بداية عام 1973، وفقًا لنعيه الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز عام 2017.

في أثناء وجوده في شركة إكسون، واصل ديفيد الضغط من أجل المزيد من العلوم المتعلقة بالاحتباس الحراري العالمي. إضافةً إلى أبحاث العينات، أشرف على الانتقال إلى المزيد من أعمال النمذجة المناخية، التي تنبأ بعضها على نحو ملحوظ بتوقع زيادة درجة الحرارة المرتبطة بِتركيز ثاني أكسيد الكربون، ولكن في ختام مسيرته المهنية، وقع على مقال رأي في صحيفة وول ستريت جورنال عام 2012، إذ جادل المشككون في علوم المناخ بأنه لا يوجد سبب قاطع لتخليص العالم من الكربون في الاقتصاد العالمي.

في النهاية، سوف يقود الباحثون الحكوميون الأمريكيون، في وكالة ناسا والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي NOAA ووكالات أخرى، الكثير من العلم الذي سيؤدي إلى إجماع بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري، لكن سياسات الحكومة تأخرت على نحو كبير عن تحذيرات العلماء، كما توضح أحدث وثيقة من أرشيف نيكسون.

جمعت ماريان لافيل، مراسلة في Inside Climate News، مواضيع البيئة والعلوم والقانون والأعمال في واشنطن العاصمة أكثر من عقدين من الزمان. لقد فازت بجائزة بولك، وجائزة المحررين والمراسلين الاستقصائيين، والعديد من الأوسمة الأخرى.

قضت لافيل أربعة أعوام بصفتها محررة وكاتبة لأخبار الطاقة عبر الإنترنت في ناشيونال جيوغرافيك. قادت مشروعًا بشأن الضغط المناخي لمنظمة الصحافة غير الربحية، مركز النزاهة العامة. عملت أيضًا في مجلة US News and World Report ومجلة القانون الوطنية، وهناك، قادت التحقيق الفائز بجائزة عام 1992 بعنوان (الحماية غير المتكافئة) بشأن التفاوت في تنفيذ القانون البيئي ضد الملوِّثين في مجتمعات الأقليات والبيض. حصلت لافيل على درجة الماجستير من كلية الدراسات العليا للصحافة في جامعة كولومبيا وتخرجت من جامعة فيلانوفا.

ترك نيكسون فعلًا سجلًا أكثر تقدمًا في مجال البيئة من خلفائه الجمهوريين؛ إذ قدم وأسس وكالة حماية البيئة واعتنق لاحقًا يوم الأرض الوطني، موسعًا الفكرة التي أطلقها سابقًا السيناتور الأمريكي جايلورد نيلسون الديمقراطي من ولاية ويسكونسن.

رغم أن الحكومة الأمريكية لم تنطلق في خطة رصد ثاني أكسيد الكربون بالطموح نفسه الذي اقترحه مستشارو نيكسون، فإنها ستوسع محطات البحث وفقًا لنصائحهم، خارج موقع واحد في ماونا لوا في هاواي الذي كان يعمل منذ عام 1958.

في عام 1973، افتتحت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي محطات إضافية لقياس ثاني أكسيد الكربون في بارو – ألاسكا، وساموا الأمريكية، والقطب الجنوبي.

اقرأ أيضًا:

تغير المناخ وانبعاثات الغازات تحطم الأرقام القياسية، والوقت ينفد بسرعة

لمحة تاريخية عن التغير المناخي

هل نتمكن من إصلاح وعكس التغير المناخي قبل فوات الأوان؟

ترجمة: زين العابدين بدّور

تدقيق: منال توفيق الضللي

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر