سُميت جائزة نوبل باسم العالم ألفريد نوبل الذي أوصى بتأسيس هذه الجائزة بكل ثروته عام 1885، فقد اخترع الديناميت واعتقد أن اختراعه سيجلب السلام للعالم، يقول نوبل: «سيجلب الديناميت السلام أسرع من آلاف المؤتمرات العالمية، فعندما يدرك الرجال أنه يمكن تدمير جيوش بأكملها في لحظة واحدة سيلتزمون بالسلام فورًا»، لكن في الواقع طور اختراعه العديد من أدوات الحرب الحديثة.
يُعد الديناميت تقنيةً حديثةً تسببت في موت العديد من الأشخاص، لكن لم يقتصر تأثير التقدم التقني على الجانب السلبي فقط، بل ساهم في تحسين حياة الناس وتسهيلها في مجالات مختلفة مثل: الطب والكهرباء.
تُعَد الكائنات المعدلة وراثيًا من أحدث المجالات المطورة والأكثر إثارة للجدل، وفقًا للشركات والعلماء المصممين للمحاصيل المعدلة وراثيًا، فإن هذه التقنية لا تضر الإنسان بل تفيد البيئة، وهي الطريقة الوحيدة لتوفير الطعام في ظل الزيادة السكانية، ومن ناحية أخرى تشكو المجموعات الرافضة للكائنات المعدلة وراثيًا من المشكلات الصحية التي تسببها هذه الكائنات للإنسان والحيوان وتزعم أنها تدمر البيئة ولا تفيد إلا الشركات الكبرى. إذن لماذا يطور العلماء كائنات جديدة؟
يحاول علماء المحاصيل والمهندسون إيجاد حلول للمشكلات التي تواجه العالم مثل نقص المحاصيل بسبب الآفات والحشرات، فمثلًا تعد الذرة الجاهزة المقاومة للمبيدات أفضل للبيئة لأنها تقلل كمية مبيدات الأعشاب التي يستخدمها المزارعون.
تُستخدم الكائنات المعدلة وراثيًا لمعالجة المشكلات الصحية في الدول النامية فقد طُوِرت سلالة من الأرز تسمى الأرز الذهبي للوقاية من نقص فيتامين أ لدى الأطفال والحوامل في البلدان النامية.
في كلا المثالين انطلق العلماء من دافع مسؤول اجتماعيًا لإنشاء كائن معدل وراثيًا، ولكن يصعب التنبؤ بكل الآثار الجيدة والسيئة لهذا التقدم التقني.
لنعلم آثار استخدام الكائنات المعدلة وراثيًا نحتاج إلى مصدر معلومات غير منحاز.
الذرة المقاومة لمبيدات الأعشاب
مبيدات الأعشاب هي مواد كيميائية عالية السُمية أحيانًا، تُستخدم لقتل الأعشاب الضارة التي تشارك المحصول في المساحة والغذاء، بعض المبيدات انتقائية تقتل الأعشاب الضارة فقط ولا تضر النباتات، والبعض الآخر كمبيدات راوند أب (Roundup) غير انتقائية تقتل الأعشاب والمحاصيل معًا.
ظن العلماء أنه كلما زادت مقاومة المحاصيل للمبيدات زادت فعالية استخدام المبيدات واستغرق رش الحقل وقتًا أقل بكمية أقل من المبيدات، فالاستخدام المنخفض للمبيدات أفضل للبيئة، ولهذا طور المختصون الذرة وفول الصويا لمقاومة مبيدات الأعشاب.
المواد الكيميائية الموجودة في المبيدات العشبية راوند أب تُسمى غليفوسات، إذ تعمل الغليفوسات على تثبيط إنزيم النبات الذي يساعد على صنع بعض الأحماض الأمينية التي يحتاجها النبات للبقاء على قيد الحياة.
تحتوي المحاصيل المقاومة للمبيدات على إنزيمات لا تُثبَط بالغليفوسات، لذلك تقلل هذه المحاصيل من استخدام مبيدات الأعشاب. استنادًا إلى بيانات استخدام مبيدات الأعشاب الضارة وبيانات أخرى قد سبق نشرها في عدد من المصادر العلمية فقد قل استخدام مبيدات الأعشاب فعلًا. فمن عام 1996 إلى 2011 تسبب استخدام القطن المقاوم للمبيدات في تقليل استخدام مبيدات الأعشاب بنسبة 6.1% مقارنةً بالقطن التقليدي، ومع ذلك فقد حفز الاستخدام الزائد لمبيدات الأعشاب تطوير سلالة من الأعشاب الضارة المقاومة للمبيدات، فمنذ إدخال المحاصيل الجاهزة المطورة عام 1996، طُوِّر 64 نوعًا على الأقل من الأعشاب المقاومة، وسيتعين على المزارعين زيادة استخدام مبيدات الأعشاب بسبب الأعشاب المقاومة للمبيدات، وفي هذه الحالة لن ينخفض استخدام مبيدات الأعشاب، وعليه استنتج العلماء أن النباتات المقاومة للمبيدات ليست حلًا فعالًا في تقليل استخدام المبيدات على المدى الطويل.
خطوات طفل نحو الأرز الذهبي
يوجد دائمًا مجال للتطوير عندما تظهر تقنية جديدة مثل الكائنات المعدلة وراثيًا، فالعلم عملية تكرارية تؤدي إلى تحسينات متتالية وفهم أكبر للمشكلة وتطوير تقنيات أفضل.
الأرز الذهبي هو سلالة من الأرز تحتوي على مجموعة من الجينات تجعلها قادرةً على صنع البيتا كاروتين، وهو المادة التي تجعل الجزر برتقاليًا وتتحول إلى فيتامين أ داخل الجسم، تأتي هذه الجينات من نباتات أخرى تصنع البيتا كاروتين طبيعيًا مثل الذرة والنرجس.
طُوِّر الأرز الذهبي ليساعد على حل مشكلة نقص فيتامين أ في الدول النامية التي تقل بها الأطعمة التي تحتوي على فيتامين أ، إذ يُشكل نقص هذا الفيتامين خطرًا على الأطفال والحوامل وقد يؤدي إلى العمى والموت.
حاليًا يمكن الوقاية من نقص فيتامين أ من طريق تناول المكملات الغذائية التي تقدمها المنظمات الغذائية، ولكن الأرز الذهبي قد يكون خيارًا أفضل لأن الأرز يعد غذاءً رئيسيًا في العديد من الدول النامية، وقد يصعب إقناع الأطفال بتناول المكملات.
في بداية ظهور الأرز الذهبي، كان على الأطفال تناول عدة كيلوغرامات (حتى 10 أرطال) من الأرز للحصول على الكمية التي يحتاجها الجسم من فيتامين أ، لذلك طور العلماء الأرز من طريق تبديل أحد الجينات المأخوذة من النرجس بواحدة من الذرة لأن جينات الذرة أفضل، وعليه ازدادت كمية فيتامين أ 23 مرة.
أثبت العلماء أن الأرز مصدر جيد لفيتامين أ مثل كبسولات المكملات التي تحتوي على قيمة البيتا كاروتين الموصى بها للأطفال، وذلك من طريق أخذ عينة من دم الأطفال الذين تناولوا الأرز وآخرين تناولوا المكملات، وبمعرفة كمية البيتا كاروتين التي قد تتحول إلى فيتامين أ وجد العلماء أن كمية البيتا كاروتين في الأرز الذهبي التي تحولت إلى فيتامين أ مساوية لتلك الموجودة في المكملات.
لا زال العلماء في قلق حول انخفاض كمية فيتامين أ في الأرز الذهبي بعد تخزينه فترةً طويلة، إذ لا تتوفر دراسات حول هذا الموضوع حاليًا ولكن العلماء يعملون على ذلك.
المستقبل؟
قد يؤدي التقدم التقني إلى نتائج يتغلب ضررها على نفعها، وهنا تكمن أهمية النقاش العقلاني القائم على بيانات علمية غير منحازة، فهو يكشف سلبيات محتملةً نستطيع من طريقها إجراء التحسينات.
عندما يتعلق الأمر بالكائنات المعدلة وراثيًا فهناك العديد من الجوانب التي يمكن تحسينها، ومع ذلك يظن معظم الخبراء أنه إذا استمر النمو السكاني فلن تكفي أساليب الزراعة الحالية لتغذية الجميع.
يقول المؤلف والعالم سام هاريس: «إذا كانت الأسئلة تؤثر في رفاهية الإنسان، فسيملكون إجابات عنها»، وبالفعل يبحث العلماء دائمًا عن هذه الإجابات.
عندما يُثقَّف الجمهور حول المشكلات التي يواجهها العالم، ويُدعَم البحث الذي يهدف إلى إيجاد حلول مسؤولة اجتماعيًا، يستطيع العلماء العمل على جعل العالم مكانًا أفضل.
اقرأ أيضًا:
يستطيع هذا البخاخ تغيير النباتات دون تعديل حمضها النووي
بعد 6000 دراسة: المأكولات المعدلة وراثيًا مفيدة لنا
ترجمة: محمد طوسون
تدقيق: راما الهريسي
مراجعة: صهيب الأغبري