إن الأرض وكوكب الزهرة مثل توأمين انتهى المطاف بكل منهما إلى حياة مختلفة كليًا بفعل ظروف مختلفة وخيارات، فالأرض وفيرة ورحبة تتمتع بغلاف جوي طري وآمن ومحيطات سائلة ودرجة حرارة لطيفة ومساحات أرضية مزدهرة مكسوة بالنباتات. أما كوكب الزهرة فتحيط به سحب من الغازات السامة والأمطار الحمضية ويتميز بضغط جوي عالٍ ودرجات حرارة مرتفعة أقرب إلى الجحيم.

أيضًا، يفتقر كوكب الزهرة إلى الخصائص البنيوية التي يتميز بها كوكبنا بما في ذلك الحجم الكبير ومناطق منفصلة من القشرة الكوكبية التي تُطحن فيما بينها، فيساعد ذلك على الحفاظ على مناخ مستقر على الأرض، وتلك هي الخصائص الراسخة على الأراضي القارية.

نقص الصفائح البنيوية على كوكب الزهرة يعد من أكثر العوامل التي تساهم في وجود اختلافات كثير بين الكواكب، ولكن لا نعلم كيف كُشف تاريخ كوكب الزهرة الجيولوجي.

يبدو أن الأجزاء القديمة من سطح الكوكب، والهضاب الشاسعة المعروفة بالقطع الفسيفسائية تتمتع بخصائص بنيوية، ولكن ما يزال الغموض يحوم حول منشئها.

وجد العلماء شيئًا أثار الدهشة في نفوسهم، وهو أن قشرة كوكب الزهرة تشكلت بفعل عمليات شبيهة لعمليات قارات الأرض الأولى منذ مليارات السنين.

يقول عالم الجيولوجيا فابيو كابيتانو من جامعة موناش في أستراليا: «تتحدى الدراسة فهمنا لتطور الكواكب، فلم نتوقع أن يكون لدى كوكب الزهرة تلك الخصائص الجيولوجية المعقدة، ذلك الكوكب الذي يتميز بدرجة حرارة سطح لاهبة تصل إلى 460 درجة مئوية ويفتقر إلى البنية الصفيحية».

قشرة الأرض معقدة إلى درجة كبيرة بالمقارنة مع الكواكب الأخرى، فهي مقسمة إلى أجزاء وتلك الأجزاء لديها القدرة على الاحتكاك ببعضها والانزلاق تحت بعضها في عملية تُسمى الاندساس، ومن ثم ترتب نفسها بكل بطء إلى تشكيلات مختلفة.

أقدم الأجزاء من قشرة الأرض القارية هي مناطق تسمى ركائز القارة. وبنية الصفائح القارية أضعف من الصفائح المحيطية، لكن هناك مناطق حيث الصخر أقدم وأقوى وأكثر كثافة.

نعرف من الركائز القارية نحو 35 ركيزة، ويعتقد العلماء بأنها تشكلت أولًا مندفعة إلى الجزء الداخلي العلوي للأرض وتصلبت، ومن ثم أعطت بذور نمو القارات.

معرفتنا بكوكب الزهرة محدودة؛ لعدم قدرتنا على استكشافه، ولكن لمدة 15 سنة، بين عامي 1989 و 1994، استخدمت مركبة ماجلان -التابعة لناسا- رادارًا لتحديد مكان سطح كوكب الزهرة بالتحديد تحت غطاء سحب حمض الكبريتيك.

تمعّن كابيتانو وزملاؤه في هذه البيانات مع التركيز على القطعة الفسيفسائية المعروفة بمنطقة عشتار، أكبر صفيحة في كوكب الزهرة، باستخدام محاكيات حاسوب لاكتشاف طريقة تشكل المنطقة بهذا الشكل منذ مليارات السنين عندما كان النظام الشمسي في بداية نشأته.

تقترح النتائج التي خرجوا بها إلى أن القطعة الفسيفسائية قد تشكلت بالطريقة ذاتها التي تشكلت بها ركائز القارة مندفعة إلى الجزء الداخلي المنصهر لكوكب الزهرة، فتظهر على السطح وتصبح صلبة داخل قشرة الكوكب.

يقول كابيتانو: «هذه النتائج تقدم وجهة نظر جديدة بشأن كوكب الزهرة وارتباطه المحتمل ببدايات كوكب الأرض. والخصائص التي وجدناها على كوكب الزهرة مشابهة إلى حد كبير خصائص القارات الأولى لكوكب الأرض، ما يقترح أن ديناميكية كوكب الزهرة فيما مضى قد تكون مشابهة لكوكب الأرض أكثر مما نظن».

تقدم لنا هذه النتائج فكرةً لفهم تطور الكوكب، فهي تقول: إنه ومع تباعد الأرض والزهرة في رحلتيهما في عملية تشكل القشرة، فإن تشكلها في الكوكبين حدث بعد عملية تشكل ركائز القارة وقبل تشكل الصفائح.

يجب أن لا ننسى أن التوقيت مهم، فهناك تساؤلات حول وقت ظهور خصائص الكوكب وطريقتها يمكن أن تكون دليلاً بالغ الأهمية عن طريقة نشأة الكوكب وحفاظه على الحياة على كوكب صخري مثل الأرض، ومن أكثر الطرق المجدية هي إيجاد نقاط تشابه الكوكبين.

يقول كابيتانو: «نأمل في كشف أسرار نشأة الأرض بعد دراسة الخصائص المشابهة لكوكب الزهرة».

نُشر البحث في مجلة (علم جيولوجيا الطبيعة= Nature Geoscience).

اقرأ أيضًا:

أين اختفت مياه كوكب الزهرة؟

دراسة جديدة تدحض فرضية وجود حياة على كوكب الزهرة

ترجمة: خضر نعامة

تدقيق: جعفر الجزيري

مراجعة: باسل حميدي

المصدر