يعتقد البعض أنَّ السير على جمرٍ قد تبلغ درجة حرارته 800 درجة مئويَّة، يستوجب قوًى خارقة لتجنُّب الاحتراق، أو قدراتٍ غير طبيعيَّة لتحمُّل الألم، بينما الحقيقة غير ذلك تمامًا.
فبضع أسرارٍ فيزيائيَّة كفيلة بتقديم أسباب مذهلة عن تلك القدرة، لذلك، ليس من المدهش كثيرًا أن يكون صاحب الرّقم القياسي في المشي على الجمر فيزيائيًّا!
حيث حقَّق الجامعيّ «أنتوان باغادي-Antoine Bagady»، مسيرًا فوق فراشٍ من الجمر يمتدّ على مسافة 60 مترًا، لتُعتبر تلك المسافة أطول مسافة يمشيها إنسانٌ على الجمر حتى الساعة.
ومهما كانت الطريقة واضحة علميًّا، إلَّا أنَّ اتخاذ الاحتياطات واجب، كما نرجو من قُــرَّائنا الكرام الحذر من أيّ عمليَّة تجريب لمثل هذه الأمور المحفوفة بالمخاطر.
بادئ ذي بدء، الفحم ناقل سيّء للحرارة
حين نمشي، فإنَّ أرجلنا لا تلمس الأرض إلَّا بسرعة خاطفة، كذلك الأمر حين يمشي المُسابِقون على الجمر، فإنَّهم لا يلمسون الفحم إلَّا قليلًا جدًّا، فمسيرة أربعين خطوة، لا تُعرِّض الأرجل إلَّا لمدة ثانية واحدة من التّواصل المباشر خلال كل تلك المدّة من الرّكض، وهذا ما يُعتبر وقتًا قصيرًا جدًّا وغير كافٍ لانتشار الحرارة في أنسجة الجلد، إضافةً إلى اعتبار عدم استواء الفحم على طبقة مسطَّحة، مقلِّصًا لمساحة الاتّصال بين راحة القدم والسّطح.
كما يجدر بالذّكر أيضًا أنَّ انتشار الحرارة في هذه الظروف بين الجمر وجلد من يسير فوقه، يحدث بصورة بـطيئة جدًّا؛ لأنَّ الفحم حتّى وإن كان بدرجة حرارة 800 مئويَّة، فإنَّه لا يستطيع نقلها بطريقة سريعة.
لأنَّه وبكلّ بساطة، ناقلٌ سيّء، على عكس المعادن الّتي تمتلك مثلًا قدرة أعلى على نقل الحرارة، لذلك، لو ادَّعى أحد «الدّراويش- fakirs» أمامكم أنَّ لديه قدرات ماوراء طبيعيَّة، وأنَّ قوانين الفيزياء لا مكان لها، فاطلبوا منه القيام بنفس التجربة على سطحٍ له نفس درجة الحرارة (800) لكنَّه معدنيّ! فهل برأيكم سيقبل هذا التّحدِّي؟!
جسم الإنسان درعٌ فعَّال
يتميّز جسم الإنسان بخصائصَ طبيعيَّة تُمكِّنه من التحمُّل، ويُعتبر الجلد ناقلًا سيّئًا للحرارة أيضًا، كما أنَّ تقرُّن القدم عازل جّيد، بالإضافة إلى تميّز جسم الإنسان بسعة حراريَّة عالية نسبيًا؛ بمعنى أنَّه من أجل رفع درجة حرارته درجة واحدة فقط، يتطلَّب ذلك الكثير من الطّاقة.
وفضلًا عن ذلك كلّه، فإنَّ جريان الدم عبر عروق الأنسجة، يُساعد في توزيع الحرارة في الجسم مُجنِّــبًا بذلك أيّ تراكم متوقّع للحرارة، بالإضافة إلى تكوُّن العرق تحت الأقدام مشكّلًا عازلًا إضافيًّا تحت تأثير (ليدنفروست- Leidenfrost)*، المسؤول عن عدم تبخُّر القطرات السّائلة المُلامسة للأسطح شديدة السخونة، وذلك بسبب تكوين جزءٍ من بُخارها لطبقة عازلة تحتها تمنع تسرُّب الحرارة.
ولكن رغم ذلك، فإنَّه عادةً ما يُفضِّل المُتسابقون منع التعرُّق، تجنُّـــبًا لالتصاق الفحم بأقدامهم، ما قد يصحب تأثيرًا معاكسًا.
هذا وقد يحتفظ البعض بأسرارٍ إضافيَّة، وقد يكتشف آخرون طُرقًا جديدة، لكنَّها حتمًا لن تخرج عن نطاق الطّبيعة.
تأثير ليدنفروست- Leidenfrost: هو ظاهرة يُحافظ خلالها السائل المُلامس لسطح أسخن من درجة حرارة غليان
هذا السائل، بحالته السائلة قبل الغليان.
إعداد: نرجس دواق
تدقيق: هبة فارس
تحرير: أحمد عزب