الفيروسات المرتبطة بالجدري ما زالت تشكل خطرًا على البشر
تم القضاء على الجدري منذ عقود، إلا أنه وبحسب الخبراء ما زالت (فيروسات جدرية-Poxviruses) أخرى موجودة، تشكّل خطرًا على الإنسان، وفي الواقع تتزايد حالات الإصابة بفيروسات من نفس العائلة، كفيروس الجدري.
علاوة على ذلك، اكتشفت الأبحاث فيروسات جدرية لم تُرى من قبل أبدًا، وقد سببت المرض لبعض الأشخاص.
ففي إحدى الحالات، اعتقدت امرأة في ألاسكا أنّها أُصيبت بلدغة عنكبوت، وفيما بعد تبيّن أنها عدوى بفيروس جدريٍ جديد من نوعه، ولم يستطع الأطباء تحديد كيفية إصابتها بالعدوى.
وصرّح الدكتور بريت بيتيرسن، الطبيب في مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) خلال لقاءٍ في مؤتمر الأمراض المعدية (IDweek) في سان دييغو بأنّه «ما زالت الفيروسات الجدرية تشكلً خطرًا علينا، لذا توجد حاجةٌ ملحة بالحذر والمراقبة المستمرة في حالة الإصابة بالفيروسات الجدرية».
وبحسب مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها فإن الإصابة بفيروس الجدري، تُسبب طفحًا وأمراض جلدية، كما وبحسب منظمة الصحة العالمية يسبب أشهر نوعٍ من الفيروسات الجدرية (variola virus) مرض الجدري، وهو مرضٌ معدٍ جدًا، وقاتلٌ في بعض الأحيان، والذي أعلن القضاء عليه عالميًا عام 1980، بفضل حملة التطعيم العالمية.
إلا أنّه وبعد القضاء على الجدري، لاحظ الباحثون ارتفاعًا في عدد من حالات أمراضٍ أخرى سببتها الفيروسات الجدرية، وحالات جدري القردة الذي يصيب الإنسان (Monkeypox) والمرتبط بالجدري على وجه الخصوص، إذ ينتمي كلاهما لعائلة الفيروسات الجدرية المسماة بالأورثوبوكس (Orthopoxvirus)، ولكلاهما نفس الأعراض المرضية، إلا أنّ جدري القردة أقل خطورة وفتكًا من الجدري، إذ أنّ معدل الوفيات الناتج عن جدري القدرة هو 10%، بيما 30% للوفيات الناجمة عن الجدري، وتظهر حالات جدري القردة بالأصل في وسط وغرب إفريقيا، كما ينتقل الفيروس للإنسان عبر سوائل الحيوانات الحاملة للفيروس، بما فيها القوارض والقردة.
وقد وجد الباحثون في دراسةً نشرت عام 2010 في مجلة «Proceedings of the National Academy of Sciences»، ازديادًا في حالات جدري القردة منذ القضاء على الجدري بعشرين ضعفٍ في جمهورية كونغو الديمقراطية، إذ بلغت أقل من حالةٍ لكل 10 آلاف شخص في ثمانينات القرن الماضي، ووصلت إلى14 حالة لكل 10 آلاف شخص ما بين عام 2006 وعام 2007، كما شهدت دولٌ إفريقية أخرى ارتفاعًا في حالات الإصابة بجدري القردة، ففي الشهر الفائت وحده، تم الإبلاغ عن 36 حالةٍ يُشتبه إصابتها بجدري القردة، وإن تم تأكيد إصابتها ستكون تلك الحالات الأولى منذ عام 1978.
وللأطباء في الغرب وجهة نظرٍ في ترقبهم وحذرهم من جدري القردة، وفيروسات الجدري المرتبطة، إذ واجهت الولايات المتحدة عام 2003 تفشي لجدري القردة مرتبطٌ بشحنة حيواناتٍ من غانا.
وبحسب مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها سُجلت نحو 50 حالة مؤكدة أو تحتمل الإصابة بجدري القردة في 6 ولايات أمريكية.
وما زال الباحثون مستمرين في اكتشاف أنواع جديدة من الفيروسات الجدرية في أنواع مختلفة من العالم، ففي حالة أُكتشفت عام 2015 في ألاسكا، زارت امرأة الطبيب بسبب ظهور إصابة أو جروح جلديةٍ على كتفها الأيمن، مصاحبًا لإنلفونزا، وتعب، وغدد لمفاوية مؤلمة عند الضغط عليها، واعتقد الأطباء حينها أنها مصابةٌ بالحُماق (جدري الماء)، أو بالحزام الناري (الهربس النطاقي)، إلا أن الفحوصات كشفت عن إصابتها بنوعً من فيروسات عائلة الأورثوبوكس لم يُرى من قبل أبدًا، واستغرق اختفاء تلك الإصابة ستة أشهر، ويذكر التقرير أن المرأة شُفيت تمامًا في نهاية الأمر، ولم تنقل العدوى لأي أحدٍ آخر.
ولم يستطع الباحثون معرفة كيفية وصول ذلك الفيروس للمرأة، إذ لم تسافر خارج الولاية أبدًا، إلا أن زوجها سافر لأذربيجان المجاورة لجورجيا، حيث تم إكتشاف نوع جديد من فيروسات الأورثوبوكس عام 2013، قبل إصابتها بأربعة أشهر، ولكن لم يكشف فحص أغراضه التي جلبها معه من الرحلة، كالملابس، والتذكارات أي دليل على وجود حمضٍ نوويٍ لفيروس أورثوبوكس .
كما أظهرت فحوصات الثدييات الموجودة حول منزلها (كالفئران والسناجب التي من الممكن أن تحمل فيروسات الأورثوبوكس)، وفحص المناطق التي من الممكن أن تلمسها، نتائج سلبية، إلا أنه وبحسب التقرير استطاع الباحثون أن يجمعوا أعداد محدودة من الثدييات الموجودة حول المنزل، والتفسير الحالي لإصابة المرأة في الوقت الحالي، هو تعرضها للفيروس من المناطق المجاورة لمكان سكنها بالقرب من فيربانكس، ألاسكا.
وأضاف الباحثون في تقريرهم «يُعدّ هذا الاكتشاف لنوعٍ جديدٍ من فيروسات الأورثوبوكس الأحدث في عددٍ متزايدٍ من حالات مسجلةٍ للإصابة بفيروس الجدري البشري في السنوات الأخيرة»، وقال الباحثون أنّ إحدى الفرضيات التي تفسر الزيادة في هذه الحالات، هي التوقف عن التلقيح ضد الجدري، لأن هذا التطعيم يوفر حمايةً ضد أنواع فيروسات الجدري الأخرى، ومن المتوقع استمرار ظهور وعودة فيروسات الأورثوبوكس بحسب قولهم.
وأشار بيترسن إلى أنه وبالرغم من اختفاء حالات الجدري، إلا أنّ الفيروس المسبب للمرض لم يتم التخلص منه من على وجه الأرض تمامًا، إذ ما زال يوجد في مختبرات في الولايات المتحدة وروسيا، ويوجد بعض المخاوف حول استخدامه كسلاحٍ بيولوجي، وأعلن علماءٌ في كندا في وقتٍ سابق من السنة أنهم استطاعوا إعادة صنع فيروسٍ مرتبطٍ أو شبيهٍ بفيروس الجدري يدعى «horsepox» في مختبرٍ باستخدام أجزاء من الحمض النووي، ويشير هذا إلى إمكانية صنع فيروس الجدري في المختبر.
- ترجمة: ميس أبوشامة.
- تدقيق: سهى يازجي.
- تحرير: زيد أبو الرب.