عندما نسمع مصطلح الفوضى تحضر إلى أذهاننا صورٌ جامحة من الأفلام، أو صورة غرفة المعيشة التي لطالما قلبها أطفال أصدقائنا رأسًا على عقب. ففي عالم تسوده الفوضى، لن نكون قادرين على معرفة ما يمكن توقعه، إذ تحدث الأشياء طوال الوقت مدفوعةً بأي نوع من الدوافع العشوائية.
ولكن للفوضى معنىً أعمق عندما تتعلق بعلوم الفيزياء والمناخ، إذ كيف لأنظمة معينة -كالطقس أو السلوك عند الطفل الصغير- ألا تكون قابلة للتنبؤ من الأساس؟.
يعرف العلماء الفوضى بأنها التأثيرات المتراكمة للتغيرات الطفيفة في اللحظة الحاضرة، التي تقود إلى حالة طويلة الأمد من عدم القدرة على التنبؤ.
دعونا نتخيل قصتين متطابقتين تقريبًا، في الأولى يلتقي مسافران ببعضهما في محطة القطار، وفي النسخة الثانية يصل القطار أبكر بعشر ثواني ولا يحدث اللقاء، وعندها ستكون حبكة القصتين مختلفة كليًا.
عادةً، لا تكون تلك التفاصيل الصغيرة مهمة، ولكن أحيانًا يكون للفروقات الطفيفة نتائج تتراكم وتتضاعف، وهذا التراكم يؤدي إلى الفوضى.
أظهرت سلسلة من الاكتشافات الصادمة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي سهولة إنشاء الفوضى.
لا شيء أسهل من توقع حركة رقاص ساعة الحائط، ولكن إذا أضفنا محورًا جديدًا للحركة في منتصف مسافة حركة الرقاص، سيصبح توقع حركته صعبًا إلى حد بعيد.
الفوضى مختلفة عن العشوائية
يقول مؤلف هذه الدراسة: «بصفتي عالم أنظمة معقدة فأنا أفكر كثيرًا بما هو عشوائي».
ما الفرق بين الطقس وحزمة أوراق اللعب؟ في لعبة الورق «البوكر»، لا نستطيع توقع توزيع الورق في الدور التالي (ولو كنا نستطيع ذلك لما لعب معنا أحد)، ولكننا قد نستطيع تخمين حال طقس الغد، ولكن ماذا عن تخمين حال الطقس بعد أسبوعين أو حتى سنة من الآن؟
العشوائية، كما هو الحال في رمي حجارة النرد أو لعبة الورق، تكون غير قابلة للتوقع لأننا ببساطة لا نملك ما يكفي من المعلومات.
تكون الفوضى في مكان ما بين العشوائية والقدرة على التنبؤ.
السمة المميزة للأنظمة الفوضوية أنها قابلة للتنبؤ على المدى القريب، وتتلاشى هذه الميزة مع مرور الوقت، كما هو الحال في الأنظمة البيئية.
لماذا نظرية الفوضى مهمة؟
تصور العالم إسحاق نيوتن الفيزياء مجموعة من القوانين التي تحكم ساعة الكون وتضبطها، وهذه القواعد فور تطبيقها ستؤدي دائمًا إلى نتيجة حتمية محددة مسبقًا، ولكن أثبتت نظرية الفوضى أنه حتى مع وجود تلك القوانين والقواعد الصارمة والمعلومات والمعطيات قد تكون النتائج غير متوقعة وغير قابلة للتنبؤ.
ولهذا الاعتقاد تطبيقات عملية لتقرير أي نوع من الأشياء قابل للتنبؤ بصورة مطلقة.
تتجلى الفوضى أيضًا بعدم استطاعة تطبيق الطقس الموجود على هواتفنا الذكية أن يخبرنا كيف سيكون حال الطقس بعد أسبوعين من الآن، وذلك لأنه ببساطة شيء غير ممكن.
ومن جهة أخرى يكون بإمكاننا وضع تقديرات على المدى الأوسع.
فلا نستطيع التنبؤ بحالة الطقس بعد سنة من الآن، ولكن يمكننا وضع تخمينات حول حالة الطقس في مثل هذا اليوم في السنة القادمة.
وهذا ما يجعلنا قادرين على التنبؤ بالمناخ وغير قادرين على التنبؤ بالطقس.
تساعد نظريات الفوضى والعشوائية العلماء على معرفة؛ ما هي أنواع التوقعات النافعة؟، ومن ثم فرزها عن تلك التوقعات غير النافعة.
اقرأ أيضًا:
الساعات الأدق ربما تضيف المزيد من الفوضى إلى الكون
كيف يمكن ل الفوضى في تنظيم الجسم أن تعزز من الجهاز المناعي
ترجمة: زياد جمال
تدقيق: نور عباس
مراجعة: حسين جرود