الغيرة شعور طبيعي عادةً، لكنها قد تكون غير صحية في أحيان أخرى. تنشأ الغيرة عند شعور شخص ما بعدم الأمان فيما يتعلق بعلاقته، سواء كانت مع شريك رومانسي أو والد أو شقيق أو صديق. يشعر الجميع بالغيرة في مرحلة ما من حياتهم. لكن تحدث المشكلات عندما تتحول الغيرة من امشاعر صحية إلى مشاعر غير صحية أو غير عقلانية. الغيرة الطائشة والمفرطة قد تدمر العلاقة في النهاية.
إذن كيف نتعامل مع الغيرة وانعدام الأمان في العلاقة لنتمكن من التغلب على هذه المشاعر؟ هذا ما سيجيب عنه المقال.
ما الغيرة؟
الغيرة رد فعل لتهديد محتمل -حقيقي أو متخيل- لعلاقة ذات قيمة، إذ يخشى الشريك الغيور أن يحاول شخص خارجي كسب مشاعر المقربين له. إلى جانب الغيرة، قد يشعر الشريك الغيور أيضًا بالغضب والازدراء والقلق والاكتئاب، لهذا قد تكون الغيرة خطيرة. القليل من الغيرة في العلاقة قد يكون مطمئنًا، وقد يكون أمرًا طبيعيًا، لكن الغيرة المفرطة مرهقة ومخيفة، إذ تؤدي إلى سلوكيات خطيرة مثل المطاردة الرقمية باستخدام وسائل التواصل، أو العنف النفسي أو الجسدي. لا يوجد ما يؤيد أن الغيرة ستتحسن دون معالجة، فالغيرة ليست عاطفة يمكن إزالتها بالتمني أو التفكير. إذ تكمن في جوهر الذات ولها جذور عميقة، ويحتاج الأمر إلى وعي وجهد للتغلب عليها.
الغيرة الطبيعية والغيرة غير الصحية
تُعد الغيرة العرضية أمرًا طبيعيًا، لكن عندما تغدو شديدة أو غير عقلانية، قد تلحق الضرر الشديد بالعلاقة. تعد القدرة على التمييز بين الغيرة الصحية والغيرة غير الصحية أمرًا مهمًا لنجاح العلاقة.
الغيرة الطبيعية:
الغيرة الطبيعية هي حين تكون مشاعر الغيرة معتدلة وعَرَضية، فهي تذكر الأزواج بعدم اعتبار أحدهم الآخر من المسلمات. قد تحفز الغيرة أيضًا الأزواج على تقدير بعضهم وبذل جهد واع للتيقن من أن شريكهم يشعر بالتقدير. تؤدي الغيرة إلى تعزيز المشاعر، ما يجعل الحب أقوى والجنس أكثر عاطفية، وبقدر محسوب يمكن أن تكون الغيرة إيجابية في العلاقة. عندما تحدث الغيرة في علاقة صحية، تكون نابعة من فكرة الحماية، إذ يرى أحد الطرفين تهديدًا محتملًا للعلاقة يدفعه للتعبير عن القلق أو الغيرة، ثم يناقش الزوجان القضية معًا بعقلانية ويتفقان على كيفية المضي قدمًا، كلاهما ملتزم بالعلاقة ولا يشعر بعدم الأمان بشأن هويته.
الغيرة غير الصحية:
تكون الغيرة غير صحية عندما تكون شديدة أو غير عقلانية، وهنا يختلف الأمر تمامًا. غالبًا ما تكون الغيرة غير المنطقية أو المفرطة علامة تحذير لعلاقة مسيئة ومؤذية محتملة، إذ يشعر الأشخاص الغيورون بالارتباك الشديد بسبب عواطفهم وانعدام الأمن لديهم ما يدفعهم للبدء بممارسة السيطرة على شركائهم. قد ينتهي الأمر بهم إلى الإساءة المادية والتنمر اللفظي والعنف للحفاظ على السيطرة أو إخفاء مشاعرهم. تأتي جذور الغيرة غير الصحية من الخوف من الهجر والقلق بشأن عدم كونك محبوبًا حقًا، وتتصف الغيرة غير الصحية بما يلي:
- الارتياب حول ما يفعله أو يشعر به الشريك.
- طلب سرد الأماكن التي ذهب إليها الشريك.
- إظهار انعدام الأمان والخوف غير العاديين.
- الانخراط في سرد القصص وتوجيه اتهامات غير صحيحة.
- التشكيك المفرط في سلوكيات الشريك ودوافعه.
- متابعة الشريك أو مطاردته للتحقق من مكان وجوده.
- التعدي على حرية الشريك أو منعه من رؤية الأصدقاء أو العائلة.
- قراءة رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية أو الاستماع إلى رسائل البريد الصوتي مع توقع اكتشاف الخيانة الزوجية أو الكذب.
- عدم التوقف عن إرسال الرسائل عند الوجود في مكان مختلف.
أسباب الغيرة
عند مواجهة موقف ربما يثير الغيرة، يتفاعل الشخص الذي يعاني هذه المشاعر بالخوف والغضب والحزن والقلق والشك والألم والإشفاق على الذات والإذلال.
قد يشعر أيضًا بالريبة أو التهديد، أو بالفشل عمومًا. قد تحدث الغيرة لأسباب عديدة منها:
- الشعور بعدم الأمان أو ضعف تقدير الذات.
- الخوف من الهجر أو الخيانة.
- الشعور بالتملك الشديد أو الرغبة في السيطرة.
- الشعور المضلل بملكية الشريك.
- وجود توقعات غير واقعية حول العلاقات عمومًا.
- التوقعات غير الواقعية للشريك.
- استرجاع تجربة مؤذية من الماضي.
- القلق حول فقد شخص أو شيء مهم.
عواقب الغيرة في العلاقة
ليس من غير المألوف أن يسيء الأزواج تفسير الغيرة بأنها حب، خاصةً إذا كانت تلك الغيرة صحية عمومًا وقليلة الحدوث. لكن الغيرة غير الطبيعية ليست حبًّا على الإطلاق.
تسبب الغيرة غير الطبيعية فوضى في العلاقة، إذ يصبح الشخص الغيور أكثر خوفًا وغضبًا وسيطرة بمرور الوقت. يقول المعالج النفسي روبرت باركر في كتابه عن الغيرة الزوجية: «إن الشعور بالغيرة غير الطبيعية يخلق نوعًا من توقع تحقيق الذات بتلك الطريقة، وعند محاولة الشركاء تجنبهم، يدركون أسوأ مخاوفهم في خسارة الحب والاحترام».
قد تؤدي الغيرة إلى الكره واتخاذ موقف دفاعي، وتدمر الثقة في العلاقة وتؤدي إلى مزيد من الجدال، خاصةً إذا كان الشخص الغيور كثير التطلب والسؤال من الطرف الآخر. قد تؤدي التجارب العاطفية الشديدة أيضًا إلى أعراض جسدية، إذ يعاني الأشخاص الغيورون ردود فعل جسدية مثل الارتعاش والدوار والاكتئاب وصعوبة النوم. قد يؤدي غضبهم المستمر وحاجتهم إلى الطمأنينة أيضًا إلى إنهاء العلاقة، خاصةً إذا أصبحوا مؤذين ولا يتعاملون مع غيرتهم بطرق صحية.
كيفية التعامل مع الغيرة في العلاقة
إذا كنت تعاني الغيرة، من المهم معالجتها قبل أن تخرج عن نطاق السيطرة. يمكنك أنت وشريكك تعلم كيفية التعامل مع الغيرة بطريقة صحية:
اعلم أن بعض الغيرة أمر طبيعي:
سيوجد أشخاص ومواقف تهدد استقرار علاقتكما. سواء كان ذلك وجود زميل في العمل مغازل بطبعه أو وظيفة تتطلب الكثير من السفر، من الطبيعي أن تشعر بالقليل من الغيرة. المهم هو أن تتحدثا عن مخاوفكما مع الاتفاق على بعض الحدود التي ستحمي علاقتكما.
ربما تتفقان مثلًا على أن الحد من الاتصال بزميل العمل المغازل مهم لصحة العلاقة. المفتاح هو مناقشة القضايا بهدوء والتوصل إلى حلول معًا.
تتبع أصل المشكلة:
عندما يشعر أحد الشريكين بالغيرة باستمرار، من المهم معرفة سبب حدوث ذلك. مثلًا، هل يشعر الشريك الغيور بعدم الأمان لأنكما لا تقضيان الكثير من الوقت معًا؟ أم أن العلاقة بها مشكلة ثقة بسبب الخيانة الزوجية؟ اسأل نفسك وحاول أن تفهم مصدر الغيرة وما يمكن فعله لتقليلها.
اخلق جوًا من الثقة:
من أفضل الطرق للوقاية من الغيرة خلق جو من الثقة. تبدأ العملية بكون كلا الشريكين جديرًا بالثقة، بالإخلاص والالتزام والصدق، فالأشخاص الجديرون بالثقة ليس من سماتهم الكذب والغش والخداع. إذا التزمت ذلك، فإن الثقة في العلاقة ستنمو ولن تترك مجالًا للغيرة.
اجعل العلاقة صحية:
تتضمن العلاقة إظهار المودة وقضاء الوقت معًا وبناء رابطة بين شخصين. أي تهديد لهذه الرابطة يدعو للقلق، إذ تشير الغيرة إلى أن العلاقة في خطر.
اعرف متى تكون الغيرة مؤذية:
الغيرة -ردًا على تهديد حقيقي للعلاقة- أمر طبيعي. لكن إذا شعر أحد الشريكين بالغيرة دون سبب، يُعد هذا إنذارًا لعلاقة غير صحية، خاصة إذا صحب الغيرة غضب شديد وتوقعات غير واقعية واتهامات خاطئة. هذا النوع من الغيرة ليس حدثًا فرديًا، بل نمط سلوكي متكرر. الغيرة المسيئة أو غير الصحية تتسم أيضًا بمحاولة السيطرة على الطرف الآخر وتوجيه اتهامات غريبة. إذا كنت تدافع عن نفسك تكرارًا من أسئلة شريكك غير المعقولة أو الاتهامية، فتلك علامة تحذيرية. اطلب المساعدة على الفور قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة.
التعامل مع غيرتك
إذا كنت تعاني الغيرة في علاقاتك، فكر في السبب. مثلًا، هل تعاني تدني احترام الذات أم أنك تخشى أن يتركك شريكك؟ هل كان شريكك غير مخلص في الماضي وأنت قلق من تكرر ذلك؟ في جميع الأحوال يجب أن تتعامل مع مشاعرك. أفضل طريقة للقيام بذلك هي العثور على مستشار أو معالج يمكنه مساعدتك على تعلم كيفية التعامل مع غيرتك بطرق صحية. مثل معظم التجارب العاطفية الصعبة الأخرى، إذا عولجت بطريقة صحيحة، فإن الغيرة قد تحفز النضج. قد تكون معالجة الغيرة الخطوة الأولى في زيادة الوعي الذاتي والفهم الأكبر لك ولشريكك.
تتضمن خطوات التغلب على مشاعر الغيرة:
- تقبل فكرة أن الغيرة تضر بالعلاقة.
- الاعتراف بأنك غيور.
- الموافقة على عدم التجسس على الشريك.
- مناقشة جذور مشاعر الغيرة لديك.
- اتخاذ قرار لتغيير سلوكك.
- إدراك أنه لا يمكنك التحكم في شخص آخر، ولكن يمكنك التحكم في رد فعلك.
- طلب المساعدة للزوجين معًا إذا تطلب الأمر.
- وضع قواعد أساسية قابلة للتطبيق من الطرفين.
أخيرًا، عندما تصبح الغيرة غير صحية، قد تدمر العلاقات وتخلق زيجات مؤذية. لهذا إذا كنت تعاني غيرة مفرطة تتعارض مع صحة العلاقة، من المهم أن تجد معالجًا أو مستشارًا لمساعدتك على فهم سبب الغيرة، ومن ثم إيجاد طريقة صحية للتعامل معها.
اقرأ أيضًا:
كيف تبني التفاصيل الصغيرة علاقة متينة أو تهدمها؟
الضجر في العلاقات: هل أتحمل أنا المسؤولية أم شريكي؟
ترجمة: هيا منصور
تدقيق: أكرم محيي الدين