ما هي الغيبوبة؟
الغيبوبة Coma (أو السُبات) هي حالة عميقة من عدم الوعي، يمكن أن تحدث نتيجةً لحادث مؤذٍ؛ مثل تلقي ضربة قوية على الرأس، أو بسبب حالة طبية معينة؛ مثل التعرض لبعض أنواع العدوى.
تختلف الغيبوبة عن النوم؛ فالشخص في حالة الغيبوبة غير قادر على الاستيقاظ، وتختلف أيضًا عن الموت الدماغي؛ فالشخص هنا على قيد الحياة، لكنه لا يمكنه التفاعل مع البيئة المحيطة به أو الاستجابة للمؤثرات الخارجية، مثل الألم أو الضوء أو الصوت، ولا يمكنه إجراء أي أعمال إرادية، وتعتمد مستويات الوعي والاستجابة على مقدار عمل الدماغ.
اعتمادًا على سبب الغيبوبة ومدى الضرر الحاصل، فقد تستمر الغيبوبة لبضعة أيام أو أسابيع (وهو ما يحدث في أغلب الحالات)، وقد تستمر في حالات نادرة لعدة سنوات. إذا لم تتغير حالة المريض بعد فترة طويلة من الزمن، فيمكن تصنيف الحالة على أنها حالة إنباتية مستديمة persistent vegetative state، التي إذا استمرت لأشهر؛ فمن غير المرجح أن يستيقظ المريض بعدها. يعتقد العلماء أن نحو 15-20% من الأشخاص الذين يدخلون في الحالة الإنباتية قد يكونون واعين تمامًا!
إذا دخل شخص ما في غيبوبة، فهو بحاجة إلى تداخل طبي طارئ، إذ يمكن لبعض الإجراءات السريعة أن تحافظ على حياة الدماغ ووظيفته.
تستمر عادةً الوظائف التلقائية في الجسم بالعمل، مثل التنفس والدورة الدموية، ولكن القدرة على التفكير تكون معدومة. وفقًا للمعهد الوطني للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية NINDS، قد تحدث بعض المنعكسات مثل أن يُكشّر الشخص أو يضحك أو يبكي.
تحدث الغيبوبة لأسباب مختلفة، مثل التسمم، أو الإصابة ببعض الأمراض أو الأخماج التي تؤثر على الجهاز العصبي المركزي CNS، أو التعرض لإصابات خطيرة وحدوث نقص في الأكسجة. قد يلجأ الأطباء أحيانًا إلى تحريض حدوث الغيبوبة باستخدام الأدوية، لحماية المريض مثلًا من الألم الشديد الذي يحدث أحيانًا في أثناء الشفاء، أو للحفاظ على وظائف الدماغ العليا بعد التعرض لصدمات الدماغ.
الأسباب:
تتنوع أسباب الغيبوبة، ومنها:
- داء السكري: إذا ارتفع مستوى السكر في الدم كثيرًا عند مرضى داء السكري، فسيحدث ما يُسمى بفرط سكر الدم، وإذا انخفض كثيرًا، فيُسمى نقص سكر الدم، فإذا استمر فرط سكر الدم أو نقص سكر الدم لفترة طويلة من الزمن، فقد تحدث الغيبوبة.
- نقص الأكسجة أو نقص الأكسجين: إذا انخفضت أو انقطعت إمدادات الدماغ من الأكسجين، فقد تحدث الغيبوبة، كما يحدث في حالات النوب القلبية أو السكتات الدماغية أو الغرق.
- الأخماج: يمكن أن يؤدي الالتهاب الشديد الحاصل في الدماغ أو الحبل الشوكي أو الأنسجة المحيطة بالدماغ إلى حدوث الغيبوبة، كما يحدث في حالات التهاب الدماغ أو التهاب السحايا.
- السموم والجرعات الزائدة من الأدوية: يمكن أن يؤدي التعرض لكل من أول أكسيد الكربون والجرعات الزائدة من الأدوية إلى أذية الدماغ وحدوث الغيبوبة.
- إصابات الدماغ الرضية: مثل حوادث المرور، أو الإصابات الرياضية، أو التعرض لضربات قوية على الرأس.
الأعراض:
لا يمكن للشخص التواصل مع الآخرين في أثناء الغيبوبة، لذلك يوضع التشخيص من خلال ملاحظة بعض العلامات الخارجية، مثل:
- العيون المغلقة.
- الأطراف التي لا تستجيب أو تتحرك إراديًا، باستثناء الحركات الانعكاسية.
- عدم الاستجابة للمنبهات المؤلمة.
قبل الدخول في غيبوبة، سيُعاني الشخص الذي لديه نقص سكر الدم أو فرط ثنائي أكسيد الكربون CO2 في الدم بعض الهياج، ودون العلاج، ستنخفض قدرته على التفكير تدريجيًا، ثم سيفقد الوعي في النهاية.
ستظهر الأعراض فجأةً إذا كانت الغيبوبة ناتجة عن إصابة شديدة للدماغ أو عند حدوث نزف تحت العنكبوتية subarachnoid hemorrhage.
يجب على الأشخاص الموجودين برفقة المريض محاولة تذكر ما حدث قبل بدء الغيبوبة، لأن هذه المعلومات ستساعد الأطباء على تحديد السبب الأساسي، وستعطي فكرة أفضل عن العلاج الذي يجب تطبيقه.
قد يبدأ المستجيب الأول باستخدام مقياس الوعي AVPU، الذي يُحدد ما يلي:
- مستوى اليقظة عند المريض.
- مقدار استجابته للمنبهات الصوتية.
- مقدار استجابته للمنبهات المؤلمة.
- مستوى الوعي.
اليقظة هي أكثر ما يدل على أن الشخص واعي، وغيابها يعني فقدان الوعي، وهذا يساعد مقدمي الرعاية الصحية على تحديد مدى خطورة الحالة؛ فإذا كان الشخص يقظًا، فلا يوجد خطر من الغيبوبة.
قد يطبق الأطباء في المستشفى مقياس غلاسكو للغيبوبة GCS لتقييم شدة الأذية التي حصلت في الدماغ بعد تعرض المريض لإصابة في الرأس، إذ يُمنح المريض عدة درجات اعتمادًا على الاستجابات اللفظية والجسدية التي يُبديها، ومدى قدرته على فتح عيونه، فإذا بلغت النتيجة الإجمالية 8 أو أقل؛ فهي تُشير إلى الغيبوبة، وإذا بلغت من 9 إلى 12؛ فالحالة معتدلة، وإذا كانت 13 أو أكثر؛ فإن حدوث تدهور في الوعي قليل جدًا.
قد يكون المرضى الذين يعانون فقدانًا عميقًا للوعي معرضين لخطر الاختناق، وعندها قد يحتاجون إلى مساعدة طبي لتأمين المسالك الهواية وضمان عملية التنفس، مثل استخدام أنبوب يُمرّر عبر الأنف أو الفم إلى الرئتين.
توجد بعض الأدلة على أن الشخص في أثناء الغيبوبة يمكنه سماع بعض الكلام المنطوق من حوله وفهمه. في عام 2011، راقب علماء الأعصاب باستخدام تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI نشاط دماغ رجل بقي في غيبوبة لمدة 12 عامًا بعد تعرضه لحادث مروري، فعندما طلبوا من الرجل أن يتخيل مثلًا أنه يلعب التنس أو يتجول حول منزله؛ عكسَ نشاط دماغه أنه كان يفكر في تنفيذ هذه الأشياء.
يمكن للأشخاص الذين يزورون مرضى الغيبوبة التحدث إليهم كما يفعلون عادةً، ومن غير الواضح تمامًا مقدار ما يمكنهم فهمه، لكن هناك احتمال أن يكونوا قادرين على سماع الأحاديث وفهمها.
تشير الأبحاث أيضًا إلى أن تحفيز حواس اللمس والشم والسمع والرؤية عند المريض قد يساعده على التعافي.
تشخيص الغيبوبة:
يمكن أن يساعد كل من التاريخ الطبي الخاص بالمريض وبعض الفحوصات الدموية والجسدية والتصويرية في معرفة سبب الغيبوبة، وسيُساعد هذا في تحديد العلاج الواجب تطبيقه.
التاريخ الطبي:
يمكن سؤال الأصدقاء أو العائلة أو الشرطة أو الشهود بعض الأسئلة عن المريض الذي تعرض للغيبوبة، مثل:
- هل بدأت الغيبوبة أو الأعراض تدريجيًا أو فجأةً؟
- هل عانى المريض مشكلات في الرؤية أو تعرض للدوار أو الذهول أو الخدر قبل الغيبوبة؟
- هل المريض مصاب بالسكري، أو هل سبق وتعرض لنوبات أو سكتات دماغية، أو أي حالة طبية أخرى؟
- ما هي الأدوية التي يتناولها المريض؟
الاختبارات الجسدية:
الهدف هو التحقق من منعكسات المريض، وكيفية استجابته للألم، وتحديد حجم حدقة عينه. قد تتضمن الاختبارات حقن الماء البارد أو الدافئ داخل قنوات الأذن، ما يؤدي إلى تحريض حركات انعكاسية مختلفة في العين، وستختلف نوع الاستجابة وفقًا لسبب الغيبوبة.
الفحوصات الدموية:
والتي تُجرى لتحديد:
- تعداد الدم.
- علامات التسمم بأول أكسيد الكربون.
- وجود مستويات مرتفعة من الأدوية أو المواد الأخرى الممنوعة.
- مستويات الشوارد.
- مستوى سكر الدم.
- وظائف الكبد.
البزل القطني Lumbar puncture:
والذي يُجرى للكشف عن وجود أي عدوى أو اضطراب في الجهاز العصبي المركزي.
فحوصات تصويرية للدماغ:
والتي تُجرى لتحديد وجود أي أذية أو إصابة أو تشوه في الدماغ، ومن أمثلتها التصوير المقطعي المحوسب CT (الطبقي المحوري)، والتصوير بالرنين المغناطيسي MRI، وقد يُجرى مخطط كهربية الدماغ EEG لقياس النشاط الكهربائي داخل الدماغ.
علاج الغيبوبة:
الغيبوبة هي حالة طبية طارئة خطيرة، تستوجب تقديم الدعم والعلاج السريعين.
سيبدأ مقدمو الرعاية الصحية بتقديم الدعم المناسب الذي يضمن بقاء المريض على قيد الحياة، عن طريق محاولة الحفاظ على استقرار التنفس والدورة الدموية من أجل ضمان وصول الأكسجين إلى الدماغ بكمية مناسبة.
قد يبدأ الطبيب بضبط مستوى السكر في الدم أو بإعطاء المضادات الحيوية حتى قبل أن تجهز نتائج الفحوصات الدموية، وذلك في حال تعرض المريض لصدمة سكرية diabetic shock (التي تحدث نتيجة انخفاض مستوى السكر في الدم كثيرًا)، أو في حال حدوث عدوى في الدماغ.
يعتمد العلاج على السبب الأساسي للغيبوبة، مثل القصور الكلوي أو أمراض الكبد أو داء السكري أو التعرض للتسمم، وما إلى ذلك.
إذا حدث تورم في الدماغ، فقد تكون هناك حاجة لإجراء عملية جراحية لتخفيف الضغط.
مآل المرض:
إذا عُولج سبب الغيبوبة بنجاح، فقد يستيقظ المريض في النهاية دون وجود أي أذية دائمة.
من المحتمل أن يكون المريض مشوشًا في البداية عند استيقاظه، لكنه سيتذكر بعد ذلك ما حدث قبل الغيبوبة، وسيُواصل حياته طبيعيًا، وقد يكون هناك ضرورة لتطبيق بعض علاجات إعادة التأهيل.
إذا تعرض الدماغ للأذية أو التلف؛ فقد ينتج عن ذلك اعتلال طويل الأمد، وعندما يستيقظ المريض؛ قد يحتاج إلى إعادة تعلم المهارات الأساسية، وقد لا يتذكر ما حدث.
مع ذلك، يمكن للعديد من المرضى التمتع بنوعية حياة جيدة عند تقديم العلاج المناسب لهم.
اقرأ أيضًا:
الأطباء يستعيدون وعي رجل بعد 15 عامًا من السبات
الموجات فوق الصوتية تنجح في إفاقة مريض من الغيبوبة
ترجمة: يوسف الجنيدي
تدقيق: سلمى توفيق
مراجعة: صهيب الأغبري