باستعمال الضوء الصادر عن النجم الذي يدور حول كوكب خارجي يبعد عنا 850 سنة ضوئية، تمكن علماء الفلك من البحث من كثب في مكونات غلافه الجوي. ليس هذا الكوكب الخارجي كغيره، إذ يعد أحد أشد الكواكب الخارجية سخونة، وقد حدد العلماء سبعة أنواع من المعادن -على أقل تقدير- تطفو حول غلافه الجوي في حالتها الغازية. يسمى الكوكب الخارجي WASP-121b ، ويتبع تصنيفًا يُسمى: «المشتري الحار»، ذلك لأنه عملاق غازي قريب من نجمه إلى درجة أن حرارته تقترب من حرارة النجم نفسه، وصحيح أن الكواكب التابعة لتصنيف المشتري الحار تدور حول نجوم باردة عادةً، لكنها تبقى نجومًا.
يعدّ WASP-121b أحد أشهر الكواكب الخارجية، اكتشف لأول مرة عام 2015. تصل كتلته إلى 1.18 من كتلة المشتري، ويصل حجمه إلى 1.81 من حجمه، ويدور في مدار قصير يبلغ 1.27 يومًا فقط. بعد عامين من اكتشافه، أصبح WASP-121b أول كوكب خارجي يُعثر على الماء في طبقة الستراتوسفير في غلافه الجوي، مع ذلك، ونظرًا إلى درجة حرارة الكوكب العالية، فإنه من غير المرجح أن يكون صالحًا لاستقبال الحياة.
ألقى علماء الفلك نظرةً أقرب إلى الغلاف الجوي للكوكب، وذُهلوا لما وجدوه.
في درجات حرارة تتراوح بين 2500 و 3000 درجة مئوية، لا يعدّ WASP-121b ذا أعلى درجات حرارة بين الكواكب الخارجية المكتشفة. لكنه شديد السخونة إلى درجة أن غلافه الجوي يجب أن يكون أقل تعقيدًا مما رصده علماء الفلك في دراسات سابقة، إذ لا ينبغي أن تكون الجزيئات المعقدة قادرة على التشكّل في درجات حرارة مرتفعة إلى هذا الحد.
أشارت الدراسات السابقة إلى أن الجزيئات التي تحتوي على معدن نادر كالفاناديوم وينقص منها التيتانيوم يمكن أن تفسر الطيف المرصود في القياسات السابقة للغلاف الجوي للكوكب WASP-121b.
قال عالم الفلك ينس هويجميكرز من جامعتي بيرن وجينيفا في سويسرا: «حاولت الدراسات السابقة تفسير هذه القياسات المعقدة باستعمال نظريات لم تبدُ معقولة من وجهة نظري. لكن تبيّن أنهم كانوا على حق. على نحو مفاجئ، وجدنا أدلة قوية تدعم وجود الفاناديوم في القياسات المأخوذة».
ليس البحث في الغلاف الجوي لكوكب خارجي سهلًا. أولًا، على الكوكب الخارجي أن يمر بين الأرض والنجم. هذه هي الطريقة الفعّالة لرصد الكواكب الخارجية، ثم يجري البحث عن انخفاضات منتظمة وبسيطة في الضوء الصادر عن النجم، ما يدل على وجود جسمٍ ضخم يدور حوله. أما لدراسة الغلاف الجوي، فأنت بحاجة إلى إشارات أشد خفوتًا.
عند مرور الكوكب الخارجي أمام النجم، يعبر بعض الضوء الصادر عن النجم خلال الغلاف الجوي للكوكب. اعتمادًا على العناصر الموجودة في الغلاف، تُمتص بعض الأطوال الموجية ثم تعزز. إن حصلنا على طيف كامل من الأطوال الموجية، ستظهر لنا على شكل خطوط امتصاص وانبعاث ونسمّيها: «أطياف العبور».
عادةً ما تكون الإشارة ضعيفة، ويكثر التشويش. لذا، من المهم استعمال الأجهزة والأدوات المناسبة للتقليل من التشويش كيلا تتلف البيانات المرصودة.
يمكن أيضًا تضخيم الإشارة وتوضيحها بأخذ أطياف عبور متعددة وتخزينها، ما سيسهّل إجراء القياسات والتحليلات على الكواكب الخارجية ذات الفترات المدارية القصيرة -التي تدور حول نجومها دورة كاملة في فترة قصيرة مثل الكوكب موضع النقاش- التي تسمح لنا بأخذ عدد كبير من أطياف العبور.
على سبيل المثال، لن يكون كوكب خارجي ذو مدار يمتد لـ12 عامًا مثل المشتري مرشحًا مثاليًا لتطبيق هذه الآلية. لكن مدارًا قصيرًا مثل مدار WASP-121b يعد مثاليًا.
للحصول على طيف واضح لـ WASP-121b، استخدم هويجميكرز وفريقه ثلاثة أطياف عبور مرصودة سابقًا باستخدام مقياس الطيف في الباحث الكوكبي (هاربس) على تلسكوب (لا سيلا- La Silla 3.6) في المرصد الأوروبي الجنوبي، وأعادوا معالجة البيانات.
وجد الفريق خليطًا معدنيًا مثيرًا للاهتمام في الغلاف الجوي للكوكب. كان هناك الفاناديوم المذكور سابقًا. وإضافةً إلى ذلك، رصد الفريق دلائل طيفية للحديد، والكروم، والكالسيوم، والصوديوم، والمغنيسيوم، والنيكل. ويجدر ذكر عدم وجود دلائل تشير إلى حضور التيتانيوم، ما يتفق مع النتائج السابقة.
أوضح هويجميكرز: «تبخرت جميع المعادن نتيجة درجات الحرارة المرتفعة للكوكب WASP-121b، يؤكد ذلك أن الهواء الموجود على الكوكب الخارجي يتكون من معادن متبخرة، إضافةً إلى عناصر أخرى».
تعد الكواكب التابعة لتصنيف المشتري الحار كواكب غامضة للغاية، وقد يساعدنا تحليل أغلفتها الجوية على فهمها. لا نعلم لماذا أو كيف تقترب هذه الكواكب من نجومها إلى هذا الحد، سيساعدنا فهم المزيد حول مكونات أغلفتها الجوية على معرفة هل تشكلت هذه الكواكب في مواضعها هذه، أو انتقلت إليها من مدارات أبعد.
تساعد هذه الدراسات أيضًا في تطوير معدات لاستكشاف الكواكب بحثًا عن حياة خارج الأرض. ما نستعمله اليوم لاكتشاف الحديد والصوديوم، قد يساعد يومًا ما في العثور على الجزيئات التي تنتجها وتستهلكها الكائنات الحية، كالأكسجين والميثان.
قال هويجميكرز: «بعد سنوات من دراسة ما هو موجود، لم نعد الآن نأخذ قياسات فقط، بل إننا في صدد البدء بفهم البيانات التي تظهرها لنا الأدوات. كيف تتشابه الكواكب؟ وكيف تختلف عن بعضها؟ بهذه الطريقة ربما، بدأ تشارلز داروين في تطوير نظرية التطور بعد تمييز أنواع لا حصر لها من الحيوانات، لقد بدأنا في فهم المزيد حول كيفية تشكل هذه الكواكب الخارجية وكيفية عملها».
اقرأ أيضًا:
كيف نكتشف الكواكب الخارجية الجديدة؟
اكتشاف 5 كواكب “مشتري حار” جديدة
ترجمة: حمزة البدارنة
تدقيق: علي البيش