يُعتَقَد أنّ كل أشكال الحياة على الأرض قد نشأت من نوعٍ واحدٍ، ولدينا أمثلة كثيرة عن طريقة انقسام الأنواع، في عملية تسمى الانتواع.
تساءل الباحثون حول ما إذا كانت العملية تتم بصورةٍ عكسيةٍ، أي أن يتهجن نوعان إلى أن تختفي اختلافاتهما، ويبدو أنّ هذه العملية لا تزال تحدث في الغراب الأسحم.
يقول المؤلف المساعد للدراسة الأستاذ كيفن أوملاند من جامعة ماريلاند: «إن الانتواع العكسي هي عملية تطورية طبيعية، وقد حصلت على مدى مئات أو آلاف الأنساب على مدار الأرض.
أحد أكبر أهدافنا هو أن نجعل الناس مدركين لهذه العملية، أيّ عندما يرون أنماطًا مثيرةً للاهتمام في بياناتهم لن يقولوا (لا بُدّ من وجود خطأ ما) أو (هذه النتائج معقدة لدرجة تجعلها غير صحيحةٍ)».
لوحظ الانتواع العكسي سابقًا ولكنه غالبًا ما تضمن تدخلًا بشريًا، مثل نقل ذريةٍ مختلفةٍ جغرافيًا ليتقابلوا من جديد.
من الناحية المثالية، يود علماء الحيوان النظر إلى المزيد من الانتواع العكسي الحاصل في الوقت الحاضر، ولكن هذا غير مرجح.
بعد كل شيء، لم يُلاحظ الانتواع إلّا مؤخرًا مع ظهور عصافير غالاباغوس الجديدة، قام أوملاند وزملاؤه بتحليل الجينوم الخاص بمئات الغربان على طول أمريكا الشمالية وبدأت العملية عام 1999، عندما أراد أوملاند معرفة ما إذا كان الغراب الأسحم مكوّنًا بالفعل من نوعين وليس من نوعٍ واحدٍ.
في عام 2000، ذكر أوملاند أنّ غربان كاليفورنيا موجودة في جنوب غرب الولايات المتحدة، وهنالك غربان أخرى أطلق عليها اسم غربان المنطقة المتجمدة الكاملة، في المنطقة الموجودة في شمال أمريكا وأوراسيا، حتى هذا قد اختلف عن توقعاته التي كانت تشير إلى أنّه نوعٌ واحدٌ في (العالم الجديد)، وآخر في (العالم القديم).
وعندما دقق أوملاند بصورةٍ أعمق وجد المزيد من التعقيد، إذ اكتشف طلاب في مختبره أنّ نوعين من الغربان كانا يتهجنان.
هذا ليس أمرًا غير شائعٍ، على الرغم من أنّ بيولوجيا المدرسة الثانوية تعلمنا أنّه عندما تتزاوج الأنواع المختلفة ستكون ذريتها عقيمةً، وهذا الأمر ليس صحيحًا دائمًا، إذ يمكن أن نعتبر الحيوانات أنواعًا مختلفةً إذا كان التزاوج نادرًا أو غير موجودٍ.
استنتجت ورقة بحثية في دورية Nature Communication أنّ نوعين من الغربان قد ظهرا قبل مليون أو مليوني عامٍ.
وبعد مليون عامٍ من التهجين المحدود – على الأقل – أصبحا من جديد نوعًا واحدًا لمدة عشرة آلاف سنةٍ أو أكثر.
في هذه الأحيان، أبقت غربان تشيهواهوا – على الرغم من تداخل مناطقها مع غربان كاليفورنيا – أنفسها في معزلٍ تامٍ وكانت غير راغبةٍ في مشاركة حمضها النووي.
وهذا من المثير للدهشة لأنّ غربان كاليفورنيا قد تفرعت من غربان تشيهواهوا في وقتٍ أقرب من انفصالهم عن طيور المنطقة المتجمدة الكاملة الذين يمتزجون معهم الآن.
يقول الأستاذ أريلد جونسن من جامعة أوسلو: «أظهرت البيانات الجينية المكثفة أحد أكثر الأمثلة المدعومة عن الانتواع العكسي من الأنساب المنفصلة، وكنّا نمسكهم وهم يقومون بهذا الفعل بدرجةٍ كبيرةٍ».
لا يزال من غير الواضح سبب الانتواع الأولي وسبب الانعكاس الحالي، إذ تزامنت الحقبة الزمنية لتهجين الغربان مع وصول البشر إلى أمريكا الشمالية قبل 18,000 سنةٍ، ولكنها تعكس كذلك التغيرات المناخية المرتبطة بنهاية العصر الجليدي الأخير.
لمعرفة ما إذا كانت العملية في تسارع تعمل المؤلفة الأولى الدكتورة آنا كيرنز على استخراج الحمض النووي من الغربان التي جُمِعت بواسطة المتاحف قبل أكثر من قرن.
قالت كيرنز: «أنّ تحلل العينات يجعل العملية أصعب بكثير، ولكن إذا تمت العملية بنجاحٍ سنتمكن من تحديد ما إذا كان للتصنيع دور في دمج الغربان من جديد».
في ضوء الأدلة التي تقول بأنّ النياندرتال والدينيسوفان وحتى بعض الأنواع الغامضة قد ساهموا في جينوم الإنسان المعاصر، فإنّ عملية الانتواع العكسي كان لها المزيد من الأهمية، فقد أعطتنا الغربان فرصةً لدراسة حالةٍ تتضمن جينومًا منتظمًا بدرجةٍ أكبر.
رُبّما كان الارتباك بين كل هذه الغربان هو سبب خسارة ويستروس للعديد من الطيور.
- ترجمة: سنان حربة.
- تدقيق: رند عصام.
- تحرير: عيسى هزيم.
- المصدر