للعولمة تأثير واسع المدى على أنظمة الضرائب. يستخدم هذا المقال مجموعة معلومات جديدة عن الضرائب على رأس المال والعمل عبر الدول والزمن لتقييم تلك الديناميكيات.
يوثق المؤلف التقارب العالمي لمعدل تأثير العمل وضرائب رأس المال عبر الوقت، إذ ازدادت ضرائب العمل في حين هبطت ضرائب رأس المال. لكن، يختلف الهبوط الكبير على ضريبة رأس المال في الاقتصادات المتقدمة مع ارتفاعها التدريجي في الاقتصاديات النامية، رغم الأساس المنخفض. يُعد هذا التوجه متوافقًا مع الدليل الذي يُشير إلى التأثير السببي للتكامل التجاري على القدرة الضريبية للاقتصادات النامية.
فترةً طويلة، أدرك علماء الاجتماع التأثير العميق للعولمة على النظم الضريبية، خصوصًا، خمّن الاقتصاديون أن الانفتاح الزائد يدفع الحكومات لتقليل الضرائب على عوامل الإنتاج المتنقلة، ويستعيد العجز في الإيرادات بزيادة الضرائب على العوامل الثابتة. على هذا، تكشف العولمة الضرائب المدفوعة على نحو فعال بواسطة أصحاب رأس المال، بنقل عبء الضريبة على العاملين.
انخفاض معدلات الضريبة القانونية على دخل الشركات في جميع أنحاء العالم، واستنتاج أن العولمة تُقلل معدلات ضريبة الدخل على أصحاب الدخل العالي المتنقل على حساب أصحاب الدخل المتوسط، يدعم هذه الفرضيات.
اعتمد العمل السابق على سجل تجارب البلدان عالية الدخل، لكن كيف أثر الاندماج عبر الحدود على الضرائب النسبية للعمالة ورأس المال قديمًا وعالميًا؟ أي البلدان تأثرت أكثر من انخفاض ضرائب رأس المال الفعالة؟ ولماذا؟ الإجابة على تلك الأسئلة مهمة، لتسليط الضوء على تأثير الاقتصاد الكلي والاستدامة الاجتماعية للعولمة بعيدة المدى.
مجموعة بيانات جديدة لقياس تأثير الضرائب على رأس المال واليد العاملة عالميًا منذ 1960:
يتطلب تقييم مدى تأثير العولمة في النظم الضريبية مجموعة بيانات عالمية بعيدة المدى عن ضرائب رأس المال واليد العاملة. نجمع البيانات حول معدلات الضرائب الفعالة على العمل ورأس المال، متضمنةً 150 دولة مدة نصف قرن من الزمن. تُقدم هذه المجموعة التي تأسست وفقًا لمنهجية مشتركة، منظورًا عالميًا وتاريخيًا ومقارنًا لتطور الهياكل الضريبية.
تتضمن معدلات الضرائب الفعالة جميع الضرائب المدفوعة: على إيرادات الشركات ودخل الفرد والرواتب والممتلكات والميراث والاستهلاك. ثم تعين كل نوع من ضريبة الإيرادات إلى رأس المال أو العمل أو مزيج من الاثنين، وتقسمها على تدفقات رأس المال والعمل في حسابات محلية.
على ذلك، تتيح معدلات الضريبة الفعالة تقييم الضريبة بالكامل. مثلًا، التفاوت بين ما يكلفه توظيف عامل وما يستلمه العمل. وكيفية تغير هذه الجوانب دوليًّا بمرور الوقت. ترتبط الضرائب النسبية لعمال الإنتاج ارتباطًا وثيقًا بالتدرج الكلي للنظام الضريبي.
تشعب الميول العالمية في ضرائب رأس المال مقابل ضرائب العمل:
نستخدم تلك البيانات الجديدة لوصف تطور عامل ضريبة الدخل. من منظور عالمي، نجد أن معدلات نسب العمل الفعالة ومعدلات ضرائب رأس المال قد تقاربت عالميًا منذ 1960، بسبب زيادة 10 نقاط مئوية في ضرائب العمل، وانخفاض 5 نقاط مئوية في ضرائب رأس المال.
سبب هبوط ضرائب رأس المال هو انخفاض فرض الضرائب على أرباح الشركات، من نحو 30% عام 1960 إلى أقل من 20% عام 2010. أساسًا، يعود ارتفاع ضرائب العمل إلى التوسع في ضرائب الرواتب.
مع ذلك، النتيجة اللافتة للنظر هي التطور غير المتكافئ لضرائب رأس المال عبر البلدان من مستويات تطوير مختلفة. انهارت معدلات الضرائب الفعالة في الدول مرتفعة الدخل، من %40 بعد الحرب العالمية الثانية إلى %30 عام 2018. بالمقابل، تصاعدت معدلات الضرائب الفعالة على رأس المال في الدول النامية منذ 1990، رغم انخفاض مستوى البداية.
ازداد معدل ضريبة رأس المال الفعالة من %10 إلى %20 خلال العقود الثلاثة الماضية، بالتزامن مع ارتفاع أساسي في الاقتصاديات الكبرى. ارتفع معدل الضريبة الفعالة على رأس المال بين عامي 1995 و2018 من %10 إلى %30 في الصين، ومن %7 إلى %11 في الهند، ومن %18 إلى %28 في البرازيل، ومن %5 إلى %10 في المكسيك.
هذا أحد العوامل التي تفسر ارتفاع النسبة الإجمالية للضرائب بالنسبة إلى معدل الناتج المحلي الإجمالي للبلدان النامية، إلى جانب زيادة الضرائب غير المباشرة والارتفاع البطيء والمستقر في ضرائب العمل.
للعولمة تأثيرات غير متكافئة على ضرائب رأس المال في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مقابل الدول النامية
التطور الهائل في العقود الفائتة هو النمو السريع في تجارة البضائع والخدمات، في البلدان مرتفعة ومنخفضة الدخل على حد سواء. يمكن الحد من قدرة الحكومات على فرض الضرائب على عوامل الإنتاج المتنقلة، بقدرة الشركات على تعديل طرق الإنتاج عبر الحدود، قد تفسر العولمة انخفاض ضرائب رأس المال على المدى البعيد في الدول الغنية. لكن، منذ 1990- بداية انتشار العولمة- عاشت الدول النامية تجربة صعود ضرائب رأس المال الفعالة.
بالتركيز على الدول النامية، فإن الترابط الإيجابي بين التجارة وضرائب رأس المال تحدث بدرجة أعمق. شهدت البلدان النامية التي انضمت إلى الموجة الأولى للعولمة ارتفاعًا بالتزامن مع التجارة ومعدلات الضرائب الفعالة على رأس المال قبل عام 1990، ومن ثم الركود، في حين شهدت الدول التي شاركت في الموجة الثانية للعولمة -بعد اتفاقية التجارة أوائل التسعينيات- ازدياد التجارة وضرائب رأس المال في العقدين الماضيين.
تُقاس التغيرات في التجارة أنها صادرات وواردات حصةً من ناتج الدخل القومي، ترتبط سلبيًا/إيجابيًا بالتغيرات في ضريبة رأس المال في الدول الغنية/الفقيرة. ليس هذا هو الحال بالنسبة إلى علاقة تغيرات التجارة مع تغيرات ضرائب العمل، التي هي إيجابية ومتماثلة عبر الدول.
يبين البحث الحالي اثنتين من الاستراتيجيات التجريبية التي تظهر أن النتائج من المحتمل أن تكون سببية: دراسة على مدار الوقت من إصلاحات تحرير التجارة الرئيسية في البلدان النامية الكبيرة، واستراتيجية عملية متغيرة للتجارة.
تظهر النتائج أن التكامل التجاري يقود إلى ارتفاع ضرائب رأس المال الفعال في الدول النامية وليس في الدول الغنية، وارتفاع أكثر اعتدالًا على ضرائب العمل الفعالة في مختلف البلدان.
للتكامل التجاري تأثير إيجابي في القدرة الضريبية للبلدان النامية
ما الآليات التي تفسر تلك النتائج؟ قد ينتج التحرر التجاري تأثيرين متعارضين على ضرائب رأس المال. أولًا، تفاقم العولمة التنافس الضريبي وتخلق فرص للتهرب الضريبي وتطبيق ضغط تنازلي على معدلات ضريبة رأس المال: تأثير السباق نحو القاع. نجد أن التحرر التجاري مرتبط بهبوط في نسب الضرائب القانونية على الشركات في جميع الدول، خصوصًا في البلدان ذات الدخل المرتفع.
ثانيًا، يمارس التكامل التجاري تأثيرًا إيجابيًا على الدول النامية من خلال القدرة على رفع عائدات الضرائب، بزيادة التركيز على النشاط الاقتصادي في التنظيمات المؤسسية الرسمية، على حساب المشاريع الأصغر وغير الرسمية. ما يُتيح فرض الضرائب، خصوصًا ضرائب الشركات: تأثير القدرة الضريبية.
تماشيًا مع فرضية القدرة الضريبية، نجد أن التكامل التجاري يقود إلى ارتفاع جزء من المنتج المحلي الذي ينشأ من قطاع الشركات -على حساب القطاع البعيد عن الشركات التجارية- وإلى زيادة رواتب الموظفين -على حساب العمل الحر. وعلى ذلك، ينتج جزء كبير من الناتج في القطاعات الأوضح والأسهل في فرض الضرائب. أيضًا فإن التأثير الإيجابي للتجارة على ضريبة رأس المال أقوى في البلدان كثيفة السكان وفي البلدان ذات القيود على تدفقات رؤوس الأموال، بالتماشي مع فكرة أن الدول الكبيرة والدول التي تُدير حسابات رؤوس أموالها أقل عرضة لتأثير السباق نحو القاع.
تهيمن الزيادة بفعل التجارة على المقدرة الضريبية لمعدلات التخفيض الضريبي القانوني في الدول النامية، والعكس بالعكس في الدول الغنية. لهذا، ترسم النتائج صورة واضحة عن كيفية تأثير التكامل التجاري على ضرائب رأس المال مقابل العمل، وتحسين كل من ضرائب العمل وضرائب رأس المال في الدول النامية، مع أنها تبدأ من مستويات أخفض بكثير مقارنةً بالدول الغنية.
في بحث مستقبلي، يمكن استخدام قاعدة البيانات لدراسة تأثير العولمة على عدم التكافؤ الضريبي بين مجموعات الأفراد، بدمج معدلات ضرائب الاقتصاد الكلي للعمالة ورأس المال مع تقدير تصاعد الضرائب للعمل ورأس المال. أيضًا، تمكن مقارنة تصاعد الضريبة بتأثير العولمة على توزيع الدخل قبل خصم الضرائب. ما يجعل من الممكن تحديد مقدار التغيرات في الضرائب التي تسببها العولمة والتي كبحت وفاقمت الآثار غير متكافئة للتكامل الاقتصادي الدولي.
اقرأ أيضًا:
خمسة أسباب أدت إلى عولمة الرأسمالية
لماذا نشهد ارتفاع الأسعار في الوقت الحالي؟
ترجمة: يوسف حمد
تدقيق: أمنية يسري محمد