يعتقد بعض علماء الفيزياء النّظريّة والكونيّات أنّ كوننا وعالمنا قد يكون واحدًا من بين عوالم كثيرة متوازية، لكلّ منها وجوده الخاصّ والمستقلّ.
هذه الرّؤية لها أساسٌ في علم الرّياضيّات الفيزيائيّة، كما أنّها تتبع من نظريّة الأوتار وبعض تفسيرات قوانين ومعادلات ميكانيكا الكمّ.
مع أنّ مفهوم العوالم الموازية في نظريّة الأوتار قد يكون مختلفًا بعض الشّيء عن ذات المفهوم المنبثق عن ميكانيكا الكمّ، إلاّ أنّ بعض العلماء حاولوا توحيد المفهومين مؤخّرًا.
ولكنّنا لن نخوض في هذه المسألة، لأنّنا نودّ أن نتحدّث هنا عن واحدة من الحسنات المذهلة لهذه الرّؤية.
التّفسيرات التّقليديّة لميكانيكا الكمّ (وخصوصًا تفسير كوبنهاجن) تخبرنا أنّ الكون (أو الأجسام في داخل الكون) قد تتّخذ عدّة حالات متوازية بنفس الوقت.
ولكن عندما يرصد أو يشاهد أحدهم هذا الجسم فإنّ دالّة الموجة (Wave function) تنهار إلى واحدة من هذه الحالات.
إذا أخذنا قطّة شرودنجر كمثال، فإنّ تفسير كوبنهاجن يخبرنا أنّ القطّة هي حيّة وميّتة بنفس الوقت، ولكن عندما نرصد حالة القطّة الحقيقيّة فإنّ حالتها ستنهار إلى واحدة من الإثنتين، إمّا حيّة أو ميّتة. الآن في أواخر الخمسينات من القرن الماضي، تقدّم عالم الفيزياء الأمريكي هيو إفيريت (Hugh Everett) بتفسير جديد ومذهل لظواهر ميكانيكا الكمّ.
بدلاً من إنهيار دالّة الموجة إلى واحدة من الحالتين، إقترح إفيريت أنّ الحالتين تستمرّان في الوجود، ولكن كلّ منهما يكون في عالم موازٍ. والرّاصد أو المشاهد لا يرى إلاّ واحدة من هاتين الحالتين (وهي الحالة التي في عالمه). ولكن ماذا يعني هذا التّفسير لقانون أو مبدأ السّببيّة Causality Principle؟
مبدأ السّببيّة ينص على أن كل نتيجة لا يمكن لها أن تسبق السبب، فالأحداث مرتبطة فيما بينها بتسلسل زمني دقيق. النتيجة لا تحدث فقط بتأثير السبب بل تفرض به. في التّفسيرات الفيزيائيّة التّقليديّة، اعتقد العلماء أنّ السّفر عبر الزّمن من المستحيل أن يحدث لأنّ هذا سيفرض تناقضات منطقيّة كثيرة.
أحد هذه التّناقضات هي مفارقة الجد The grandfather paradox، حيث عندما يسافر شخص ما إلى الماضي و يقتل جده، مغيرا ماضيه بذلك فهو يلغي إمكانية وجوده أصلاً. و هنا تظهر المفارقة، فكيف لذلك الشخص (النتيجة) أن يسافر إلى الماضي و يقتل سبب وجوده (الجد) و تصبح النتيجة سابقة لسبب حدوثها؟! لكن نظرية العوالم الموازية تجعل هذا الفعل بلا قيمة لأن كل عالم وكلّ حدث يعيش في كونه الخاصّ و كل تغيير يحصل في عالم من هذه العوالم لا يؤثر على عالمنا. فقتل ذلك الشخص جده قد يحدث في عالم مواز، و لن يغير ذلك شيئا في عالمنا هذا، و يبقى المستقبل على حاله.