عُقِد في الـ 30 من شهر سبتمبر 2017م اجتماعًا بين كلٍ من رئيس أكاديمية الصين للعلوم في بكين شونلي باي، ورئيس الأكاديمية النمساوية للعلوم في فيينا أنطون زيلينجر.
وعلى الرغم من أن الاجتماع الذي عقد قد تم عن طريق مكالمة فيديو إلا أن إشاراتها قد انتقلت لأكثر من 7400 كم تفصل المكانين، ولكن كان الرئيسان متأكدان أنه لن يستطيع أحدٌ اختراق المكالمة، وذلك لأنها كانت مشفرةً بشفرةٍ كمّية تعتمد على خواص ميكانيكا الكم للجزيئات.
وفي الشهور القليلة الماضية، تصدرت الصين العناوين بتحقيق إنجازٍ في مجال الاتصالات الكمية، إذ استخدموا القمر الصناعي المدعو بـ (ميسوس- Micius)؛ لنقل فوتوناتٍ مترابطةٍ لمسافاتٍ بعيدةٍ لم يتم تحقيقها من قبل.
ولكن الباحثين في أكاديمية العلوم كانوا مشغولين بتطوير استخدامٍ عمليٍ لهذه النتيجة، وذلك لاستخدامها؛ لنقل بيانات مشفرةٍ كميًا، لمسافاتٍ طويلةٍ ثم فك تشفيرها، وهذه البيانات كانت على شكل مكالمة الفيديو التي تمت بين رئيسي أكاديميتي العلوم في الصين والنمسا.
فكما صرح زيلينجر: “إن تبادل معلوماتٍ مشفرةٍ كميًا وعلى مسافاتٍ بعيدةٍ بين القارات، يؤكد على قدرة الاتصالات الكمية كونها تكنولوجيا بدأت كبحثٍ في العلوم الأساسية، وهذه خطوةٌ هامةٌ جدًا نحو إنترنت مؤمنٍ كميًا”.
وللأسف، كانت المحادثة التي تمت بين رئيسي الأكاديميتين غير معلنةٍ، حتى وإن حاول أحدٌ ما الدخول، والتصنت، فلن يستطيع؛ بسبب غرابة عالم ميكانيكا الكم، والتشفير الخاص به.
ويمكن التخمين بأنهم تحدثوا عن فيزياء ميكانيكا الكم، وكيف أنه تم استخدامها في تشفير الرسائل، وقد يكون الرئيس الصيني باي، قد شرح لزلينجر كيف أن القمر الصناعي (ميسوس – Micius) الذي يدور حول الأرض على ارتفاع 500 كم تمت تسميته على اسم فيلسوفٍ صينيٍ قديمٍ، ويمكننا تصور أن الرئيس زيلينجر، يهز رأسه موافقًا، قائلًا: هذا جميل!!.
وقد يكون الرئيس باي، قد شرح كيف أن القمر ميسوس قد أرسل شعاعًا من الفوتونات إلي محطاتٍ أرضيةٍ في الصين وأوروبا، وأن هذه الفوتونات مستقطبة، مما يجعلها تتصرف مثل (الكود الثنائي -binary code )، صفر أو واحد (1- 0).
يتصرف كود الفوتونات كأنه مفتاح متفرد (لا يتكرر)، وقد تستخدم البيانات المرسلة لكلٍ من المستقبلين،
ويكون التتابع العشوائي للصفر والواحد مترابطًا أو مشابهًا لفوتونات أخرى، موجودة على القمر الصناعي ميسوس ، تاركة علامة مميز للمفتاح؛ لحلها.
ومن المؤكد أن الرئيس باي، تعرض في شرحه لقواعد ميكانيكا الكم، التي تنص على أن الجسيمات توجد في حالة غير واضحةٍ من الاحتمالات، و يصبح الجسيم واضحًا، ومحددًا، وحقيقيًا، بمجرد أن تستخدم أداةٌ لقياسه، والتي تتضمن أيضًا استخدام عقولنا!.
إن محطات استقبال البث في كلٍ من أوروبا والصين، تنظر إلي (المفتاح) المكون من تتابع فوتونات تمثل الصفر أو واحد، وخلال هذه العملية تحوله من كونه يمثل عدة احتمالاتٍ للتابع في الصفر والواحد، إلى تتابعٍ حقيقيٍ، وفي الوقت نفسه ستحدث العملية ذاتها للفوتونات المترابطة معها، والموجودة على متن القمر الصناعي ميسوس، إذ ستتحول لتتابعٍ حقيقيٍ من الفوتونات.
وإذا تطابق المفتاحان في كلا الجانبين، فسيجزم بأن لا أحد قد اعترض البث، و تصنت عليه، وإذا قام المتصنت باستقبال أيٍ من الفوتونات المرسلة من القمر الصناعي ميسوس، و قرأ الكود، و قام بتغييره، فإن المفتاح الجديد لن يتطابق مع الموجود على سطح القمر الصناعي، وبذلك تعرف محطات الاستقبال أن البث لم يعد آمنًا.
ويتوقع أن يكون الرئيس زيلينجر، قد قام بتهنئة الرئيس الصيني على هذا الإنجاز العلمي، وعلى الشرح الذي قام به، ومهما كان محتوى المكالمة التي تمت بين الرئيسين، فلا شك أنها كانت الأولى، وبالتأكيد سيكون هناك المزيد منها في المستقبل.
وحتى الآن، تعد الاتصالات الكمية محدودةً.
إذ تستطيع فقط خلق مفاتيح مثل هذا، ولكنها لا تزال غير قادرةٍ على التعامل مع كمياتٍ كبيرةٍ من البيانات، وهناك بحثٌ جديدٌ يهدف إلى إيجاد طرقٍ أفضل؛ لبث بياناتٍ أكثر في الاتصالات الكمية، من خلال استخدام حالاتٍ أكثر من الحالة الثنائية المستخدمة الآن: (الصفر والواحد).
وفي كل الأحوال، أصبحت الاتصالات الكمية الآن حقيقةً، وكما قال ماكس بلانك: “الرؤية تسبق التطبيق”، وخلال القرن الماضي، تحولت المعرفة إلى هذا التطبيق الرائع، والمكالمة المشفرة كمّيًا كانت مجرد البداية.
- المترجم : مينا صبحي جبرائيل.
- تدقيق: رجاء العطاونة.
- تحرير: رؤى درخباني
- المصدر