وجدت دراسة جديدة أنّ استهلاك الفئران للسكر يجعلها تخسر خلايا مناعية هامة، إذ يسبب تناول السكر اختلال توازن الفلورا المعوية الموجودة في الجسم، وهي البكتيريا والجراثيم والفطريات المتعايشة في الأمعاء الدقيقة معروفة بدورها المفيد، فتتحوّل الفلورا بسبب السكر إلى بكتيريا غير مفيدة.
وجد مُعدّو الدراسة علاقة قوية تربط بين فقدان هذه الخلايا المناعية والإصابة بأمراض القلب الاستقلابية مثل داء السكري. تقريبًا 70% من خلايا الجهاز المناعي ومكوناته توجد في الأمعاء. تتفاعل الخلايا المناعية في الأمعاء مع الفلورا المعوية ما يفسر العلاقة بين النظام الغذائي المتّبع وسلامة الجهاز المناعي.
نشرت مجلة (Cell) دراسة جديدة على الفئران تفيد أن تناول الفئران للسكريات يسبب خسارة خلايا مناعية مهمة بطريقة غير مباشرة. حسب موقع (Medical News Today) قال بول جيل زميل باحث في قسم الأمراض الجرثومية في معهد إيستمان لطب الأسنان التابع لكلية لندن الجامعية: «كشف معدّو الدراسة عن الآلية التي يُؤثر بها تناول الجرعات الزائدة من السكر في الفلورا المعوية والجهاز المناعي… عند اتباع نظام غذائي غني بالسكر يتحرض نمو أنواع بكتيرية تتغلب على الفلورا المعوية، ينتج عن هذا الخلل في التوازن المناعي نقصٌ في أعداد أحد أنواع الخلايا المناعية المسماة الخلايا التائية المساعدة-Th17. تحمي هذه الخلايا الفئران من البدانة عند اتباع نظام غذائي غني بالدهون، تعد هذه الخاصية الجديدة من وظائف الخلايا التائية المساعدة التي اكتشفها معدّو الدراسة، إذ تحدّ هذه الخلايا من امتصاص الدهون على مستوى الأمعاء ما يقلل من خطر زيادة الوزن والإصابة بالأمراض الاستقلابية».
تأثير تناول السكر في البكتيريا الخيطية (filamentous bacteria)
في دراسة حديثة، وجد الباحثون أن تناول السكر يعزز نمو نوع من البكتيريا يقضي على البكتيريا الخيطية المفصصة (SFB)، يوجد هذا النوع من البكتيريا في أجسام القوارض والدجاج والأسماك، ويؤدي النقص في البكتيريا الخيطية المفصصة إلى انخفاض تعداد الخلايا التائية المساعدة (Th17).
شرح جيل الآلية التي يُحدث السكر وفقها التأثيرات السابقة: «حسب معدّي الدراسة، يحرض تناول جرعات عالية من السكر نمو نوع من البكتيريا يسمى (Faecalibaculum rodentium)، يتغلب هذا النوع من البكتيريا على البكتيريا الخيطية ويحل مكانها في الأمعاء… تُضرّ الكميات المرتفعة من السكر بطانة الأمعاء وتساعد على حدوث التهابات فيها تثبط نمو البكتيريا الخيطية. الجدير بالذكر أنّ البكتيريا الخيطية تفضل النمو في المناطق القريبة من البطانة المعوية. في المقابل لا يؤثر تناول السكر في نمو البكتيريا F.rodentium».
قال ديفيد هيبر المختص في الغدد الصماء والتغذية ورئيس التغذية السريرية ومدير الطب الغذائي والسمنة في كلية (David Geffe) للطب التابعة لجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: «تزداد قدرة البكتيريا على النمو وتتفوق على نظائرها عندما تستقلب السكريات المتناولة، لا يتفرد السكر في ذلك إذ تؤثر الفيتامينات والمعادن والأحماض الدسمة والأحماض الأمينية في الفلورا المعوية».
تجارب لاكتشاف المزيد عن تأثيرات السكر
بدأ الباحثون تجاربهم على فئران ذكور لا تتجاوز أعمارهم 5 أسابيع، وُضِعت هذه الفئران مع بكتيريا خيطية قبل أسبوعين من تنفيذ الاختبار، مع تأكيد الاستعمار الناجح للبكتيريا الخيطية في اليوم الذي يسبق يوم إجراء التجربة.
خضعت الفئران لنظام غذائي غني بالدهون ويحتوي على نسب مرتفعة من السكر في محاكاة للنظام الغذائي الغربي، بحلول نهاية الأسبوع الرابع ازداد وزن الفئران وبدأت تطور مقاومة الأنسولين وعدم تحمل الغلوكوز.
اكتشف الباحثون عند هذه المرحلة من التجربة نفاذ الخلايا التائية المساعدة (Th17) عند هذه الفئران واستبدال البكتيريا الخيطية ببكتيريا F.rodentium
أُثبتت قدرة فئران المستعمرة على الحفاظ على خلايا (Th17) في أجسامها عند تطبيق نظام غذائي فقير بالسكر ويحتوي على نسب مرتفعة من الدهون.
عند خضوع الفئران التي لم توضع في مستعمرة البكتيريا الخيطية (SFB) للنظام الغذائي ذاته، اكتسبت وزنًا وأصيبت بالسكري، ما يثبت أهمية البكتيريا الخيطية في الحفاظ على الخلايا التائية في أجسام الفئران.
أكد هيبر أهمية التجارب السابقة في زيادة فهمنا لتأثير تناول السكر في الجهاز المناعي والبكتيريا المتعايشة في الجسم. إذ قال: «تُفسر العلاقة الوطيدة بين البكتيريا المتعايشة في الجسم وسلامة الجهاز المناعي بأن 70% من الخلايا المناعية تقريبًا توجد قرب الأمعاء وتتفاعل مع الفلورا المعوية… توضح هذه الدراسة آلية واحدة لتأثير التغيّرات في النظام الغذائي في البكتيريا المتعايشة في الجسم وتأثيرها في الخلايا المناعية التي تتواسط المشكلات المعوية التي تحدث عند مرضى المتلازمة الاستقلابية».
هل بإمكاننا تطبيق نتائج البحث على جسم الإنسان؟
أشار الدكتور هيبر إلى أنّ التأثيرات الملحوظة على الخلايا التائية قد تحدث عند البشر، وأنّ السكر والدهون الزائدة لدى الأفراد الذين لا يمارسون الرياضة مسؤولان عن ارتفاع النسب العالمية للبدانة وزيادة الوزن ما يحرض تطور المتلازمة الاستقلابية عند هؤلاء الأفراد. وأضاف: «قد توجد آليات أخرى تؤثر في النتائج السابقة إذ لم يؤخذ النشاط الفيزيائي والتمارين الرياضية بالحسبان».
إضافةً لما سبق، يدرس البحث نوعًا من البكتيريا الخيطية المفصصة عند الفئران غير الموجودة في أمعاء البشر، ما يجعل إمكانية تطبيق نتائج البحث على الإنسان سؤالًا مفتوحًا.
قال جيل: «تطرّق الباحثون إلى إمكانية الربط بين نتائج الدراسة وجسم الإنسان بذكر بعض البيانات التى تخص البشر في الورقة البحثية، مع ذلك نحتاج إلى المزيد من الدراسة والبحث لإثبات النتائج السابقة لدى البشر، خاصةً لدى وجود اختلاف كبير في الفلورا المعوية والجهاز المناعي بين الفئران والبشر… أكد مؤلفو الدراسة في قسم القيود في الورقة البحثية الحاجة إلى المزيد من الدراسات لإثبات إمكانية تطبيق النتائج على جسم الإنسان، قد تكون الدراسات الغذائية صعبة التطبيق نظرًا لقساوة الأنظمة الغذائية المتبعة وصعوبة تحمل الإنسان لها».
في نفس السياق يكاد يرى معدو الدراسة أن النتائج التي توصلوا إليها حول الخلايا التائية المساعدة هي نتائج معززة ببيانات بشرية من دراسات أخرى: «شوهد نفاذ نحو عشرين نوع من البكتيريا المحرضة للخلايا التائية المساعدة مع زيادة في نسب نمو أنواع البكتيريا الأخرى لدى نسبة عالية من البالغين المصابين بالمتلازمة الاستقلابية».
مخاطر نسب السكر المرتفعة المخفية
قد تكون الكميات المرتفعة من السكر التي أطعمها الباحثون للفئران أقرب إلى الكميات التي يتناولها الفرد ضمن عاداته الغذائية دون أن يبالي بذلك.
النظام الغذائي الغربي النموذجي غني بالسكر إذ يُستهلك بكميات قليلة بهيئة حبيبات، بينما تحتوي الأطعمة على ما يعرف بالسكريات المخفية مثل: الدكستروز والفركتوز والمالتوز والسكروز، فيسبب هذا استهلاك المحليات بكميات أكبر بكثير مما ندرك.
قد توجد كميات كبيرة من السكر في اللبن ومشروبات القهوة والشاي وصلصة المعكرونة والمشروبات الرياضية وحبوب الإفطار حتى تلك الغير المحلاة منها.
قال الدكتور هيبر: «يكتفي معظم الأميركيين بثلاث حصص أو أقل من الفواكه، وما يقارب عشرة غرامات من الألياف، والكثير من الوجبات الخفيفة الغنية بالسكر والدهون والملح؛ تسبب هذه الأطعمة مع غياب النشاط الفيزيائي زيادة الوزن والبدانة عند ثلثي الأميركيين. ما يؤثر في الوظيفة المناعية للفرد حسبما ظهر في أبحاث إحدى الجامعات، إذ تعد السمنة عامل خطر هام للإصابة بالعديد من الأمراض الخطيرة»
الحفاظ على فلورا الجسم
يقول جيل: «لا نستطيع الجزم في وجود صلة بين نتائج الدراسة الحالية وصحة الإنسان إذ ما زلنا في بداية رحلة البحث، مع ذلك توجد الكثير من الدراسات التي تؤكد أهمية الفلورا المعوية في سياق صحة الإنسان ومرضه… الأبحاث والدراسات جارية لمحاولة فهم واستخلاص معلومات أكثر حول الفلورا المعوية، لكن قد توجد أشياء كثيرة نستطيع فعلها للحفاظ على سلامة الأمعاء والفلورا الموجودة فيها، إذ يساعد تناول الأطعمة الغنية بالألياف مثل الخضار والفواكه والحبوب على ضمان سلامة الفلورا المعوية ومنع نمو البكتيريا الممرضة، وتدخل الخمائر أيضًا في تركيب الأطعمة المخمرة مثل اللبن فتعزز بذلك صحة الأمعاء».
حذر مؤلفو الدراسة من مضار السكر، فالسيئات الناتجة عن إيقاف تناول السكر وحذفها من النظام الغذائي للفئران لا تصل إلى خطورة اتباع نظام غذائي غني بالسكر.
في هذا السياق قال الدكتور إيفالو إيفانوف الأستاذ المساعد في علم الأحياء الدقيقة وعلم المناعة في كلية ألاباما في بيرمنجهام وأحد معدي الدراسة: «تماشيًا مع نتائج الدراسة الحالية، بعض النظم الغذائية الشائعة مثل تقليل نسبة السكر المتناول إلى الحد الأدنى يفيد أولئك الأشخاص الذين يمتلكون مجموعات بكتيرية معينة داخل الفلورا الخاصة بهم… تؤدي العلاقات المعقدة بين النظام الغذائي والفلورا والجهاز المناعي دورًا أساسيًا في إصابة الفرد بالبدانة والمتلازمة الاستقلابية وداء السكري النمط الثاني وغيرها. لذا من أجل الوصول إلى الحالة الصحية المثلى لا بد من الاهتمام بالنظام الغذائي ودوام المحافظة على الفلورا المعوية وتقوية أجزاء الجهاز المناعي التابعة للأمعاء؛ مثلًا من خلال زيادة الفلورا المحفزة للخلايا التائية المساعدة Th17».
أكد جيل على صحة أقوال الدكتور إيفانوف وأهميتها بقوله: «قد يصعُب على الفرد تحديد التغييرات الغذائية السليمة لذا يُوصى دومًا باستشارة طبيب اختصاصي تغذية».
اقرأ أيضًا:
النهام العصابي السكري: داء السكري مع اضطرابات الطعام
هل المحليات الصناعية صحية أكثر من السكر؟ إليك ما يعتقده الخبراء
ترجمة: لجين بري
تدقيق: فاطمة جابر
مراجعة: محمد حسان عجك
