للتوحد أنماط مختلفة وأنواع عديدة، وتختلف أعراضه وشدته من شخص إلى آخر، لكن كل اضطرابات طيف التوحد تتشارك في ثلاثة أعراض جوهرية هي: مشاكل في التفاعل الاجتماعي، وضعف في مهارات التواصل، وأنماط سلوكية محدودة ومتكررة. لا توجد حتى الآن علاجات ناجعة للأعراض الجوهرية، والحاجة إلى التوصل إلى علاجات جديدة ملحَّة.
نشر باحثون من معاهد جلادستون Gladstone Institutes في صحيفة نيورون Neuron بحثًا يُظهر أن تخفيض مستويات بروتين يُعرف بـ«تاو» يحد من تطور الأعراض الجوهرية لفئران مصابة بأنواع مختلفة من اضطرابات طيف التوحد. كذلك، أدى تخفيض مستويات تاو إلى الوقاية من نوبات الصرع التي يعانيها 30% من مرضى التوحد.
قال الطبيب «لينارت موكه» المدير المؤسس لمعاهد جلادستون للأمراض العصبية، أحد كبار واضعي ورقة البحث الجديدة: «تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن تخفيض إنتاج بروتين تاو علاج واعد لبعض أنماط التوحد».
هذه أول مرةٍ يُربط فيها بين بروتين تاو والتوحد، لكنه معروف بتأثيره في مرضى الألزهايمر وبعض الحالات العصبية التنكسية.
أضاف «موكه» الذي يعمل أيضًا بروفيسيرًا في طب الجهاز العصبي وعلومه في جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو: «اكتشفنا صلةً جديدة غير متوقعة تربط تاو بالأمراض التنكسية الناجمة عن التقدم في السن واضطرابات النمو عند الأطفال».
من الألزهايمر إلى التوحد:
تم التوصل إلى هذه الاكتشافات المذهلة بدراسة الصلة بين الألزهايمر والصرع، إذ أثبت «موكه» وزملاؤه سابقًا أن تخفيض مستويات بروتين تاو يمنع نوبات الصرع والقصور الإدراكي من الظهور عند فئران تجارب مصابة بالألزهايمر ومتلازمة درافت، وهي نوبات صرع شديدة تصيب الأطفال.
أبهرت هذه الاكتشافات دكتور «تشاو تاي» من فريق «موكه» أحد واضعي ورقة البحث الجديدة الأوائل، الذي درس متلازمة درافت في جامعة واشنطن.
قال «تاي»: «خطر لنا أن تخفيض مستويات بروتين تاو قد يمنع أيضًا علامات التوحد التي تظهر عادةً عند المصابين بمتلازمة درافت».
لبحث هذه الاحتمالية فحص الفريق أحد فئران التجارب المصابة بمتلازمة درافت بعد حذف إحدى نسختي الجين المرمّز لبروتين تاو أو كلتيهما، ووجدوا أن تخفيض تاو أدى بالفعل إلى منع تطور الأعراض الجوهرية للتوحد عند الفأر، وأدى تخفيض البروتين بنسبة 50% فقط إلى تخفيف الأعراض بصورة ملحوظة.
ولأن أسباب التوحد متنوعة متباينة، أجرى الباحثون اختبارًا على فأر تجارب آخر مصاب بتوحد ناتج عن طفرة وراثية مختلفة تمامًا، وذلك لفحص تأثير خفض بروتين تاو عليه.
أضاف «تاي» بثقة: «لقد نجحت التجربة بتفوُّق، استطعنا تخفيف سلوكيات التوحد كثيرًا بفضل تخفيض مستويات تاو».
أدى تخفيض مستويات تاو إلى منع حدوث نوبات الصرع، بالإضافة إلى منع نوعين من التشوهات المُلاحظة لدى الأشخاص المصابين بالتوحد. أحد هذه التشوهات هو ضخامة في الدماغ تُعرف بـ«تضخم الدماغ»، والآخر هو زيادة تنشيط مسار الإشارة PI3K-Akt-mTOR المُنظِّم للعديد من الوظائف الخلوية الهامة.
اختبر الباحثون أيضًا الآليات الجزيئية التي يمنع بها تخفيض تاو حدوث هذه التشوهات، فوجدوا أن تخفيض البروتين يعزز نشاط أنزيم فعال يُعرف بـ«PTEN» قادر على منع زيادة تنشيط مسار الإشارة المحفز لمرض التوحد.
تلبية الحاجة الملحة إلى علاجات جديدة:
يمكن استخدام تقنية تخفيض بروتين تاو في مواجهة الاضطرابات العصبية والنفسية، وفقًا للاكتشافات الجديدة. يقول «موكه»: «يبدو أن تخفيض تاو هو الطريقة الوحيدة لمنع كلٍّ من التوحد والصرع، وكلاهما مرض صعب يصيب الشخص نفسه في كثير من الأحيان».
ويضيف «تاي»: «التوحد مرض شائع جدًّا، إذ يصيب طفلًا من بين كل 60 طفلًا. قد تساعد اكتشافاتنا على تلبية الحاجة الملحة إلى تطوير أساليب علاجية أفضل».
لكن وفقًا لورقة البحث، فإن تخفيض مستويات تاو لن يكون فعالًا ضد كل أنواع التوحد، لذا يلزمنا المزيد من الأبحاث لتحديد أنواع التوحد التي ينفع معها هذا النوع من العلاج.
وكذلك، فإن التغيرات التي تسبب التوحد تؤثر غالبًا على الدماغ خلال المراحل المبكرة من النمو وقبل تشخيص الحالة بوقت طويل، يقول «موكه»: «ولهذا فنحن نتطلع إلى القيام بمزيد من الأبحاث لتحديد هل تخفيض مستويات تاو يمكن أن يعكس أعراض التوحد بعد ظهورها أم لا؟، ونتوقع أن توضح الدراسات الحالية التوقيت الأمثل لإعطاء الأدوية الخافضة لبروتين تاو بهدف معالجة الأعراض والوقاية منها».
يطور «موكه» وزملاؤه أدوية صغيرة الجزيئات من شأنها أن تخفض مستويات تاو أو تزيد نشاط PTEN. وتُختبَر طرق تجريبية أخرى على البشر لتخفيض مستويات البروتين، ويُعد هذا علاجًا محتملًا لمرض الألزهايمر، وتشير الأبحاث الجديدة إلى أن نتائج التجارب قد تحمل معلومات تفيد في علاج التوحد أيضًا.
اقرأ أيضًا:
دراسة جديدة حول التوحد قد تبطل نظرية سابقة
ذكاء اصطناعي يشخص التوحد في وقت مبكر اعتمادا على توسع الحدقة وضربات القلب
ترجمة: ربا كيال
تدقيق: وئام سليمان
مراجعة: صالح عثمان