العصر الكمبري (انفجار الحياة على سطح الأرض وبداية ظهور الأُكسجين)
العصر الكمبري أو الكامبري؛ هو أوّل فترة زمنيّة جيولوجيّة في حِقبة الباليوزي (أيْ حقبة الحياة القديمة أو الأوّليّة). استمرّت هذه الفترة لمدّة 53 مليون سنةٍ تقريبًا، وكانت بمثابةِ نقطةِ انفجارٍ مُثيرة من التّغيّرات التّطوّريّة للحياةِ على الأرض، عُرِفَت هذه النّقطة بالانفجار الكامبريّ (Cambrian Explosion)[1]، وهذا ما يجعلها هامّة في التّاريخ البيولوجيّ للأرض؛ فهي شاهدٌ على ظهور أغلب فصائل الحيوانات الرّئيسيّة في السّجلّ الأُحفوريّ، فكانَ أوّل ظهور لمعظم الفصائل الّتي تتميّز بأجزاء صلبة، وأخرى رخوة، في العصر الكامبريّ. ومِن بينِ الحيوانات الّتي تطوّرت خلال هذا العصر، كانت الحبليّات (Chordates)؛ تلك الشّعبة من الحيوانات الّتي تتميّز بحبلٍ ظهريّ (تركيب دعاميّ مرن يُستبدلُ لاحقًا بالعمود الفَقْريّ)، حبلٍ عصبيّ ظهريّ (أنبوبة عصبيّة جوفاء، يجري فيها السّائل المُخّيّ الشّوكيّ، يُكوِّن الجزء الأماميّ منها المخّ لاحقًا) وعضديّات أرجُلٍ مُتصلّبة أو ذراعيّات أرجل (Brachiopods)[2]، والّتي كانت تُشبه المَحار. وبالإضافةِ إلى تطوّر الحبليّات، تطوَّرَت المفصليّات (Arthropods) بدورها، وهي أسلاف العناكب والحشرات والقشريّات في وقتنا هذا.
ولمّا كانَ الجدلُ العلميّ قائِمًا حول تحديد الطّبقة الصّخريّة الأحفوريّة الّتي تُمثّل البداية لهذا العصر؛ أقرَّ المُؤتمر الدَّوْليّ الجيولوجيّ بأنّ الحدود الصّخريّة الطّبقيّة الدُّنيا لبداية العصر، ترجع تقريبًا إلى ما قبل 543 مليون سنة، وهذا يُمثّل الظّهور الأوّل للدّيدان في السّجلّ الأُحفوريّ، حيث اضطلعت هذه الدّيدان بصنعِ أنفاقٍ أُفُقيّة في الصّخور؛ ممّا دلَّنا عليها. أمّا نهاية العصر الكامبريّ، فقد سُجّلت في السّجلّ الأُحفوريّ عند وقوعِ حَدَثِ الانقراض الجماعيّ قبل نحو 490 مليون سنة؛ هذا يعني أنّهُ انتهى بانقراضٍ جماعيّ. علمًا بأنّ العصر الكامبريّ أُتبِعَ بالعصر الأوردوفيكيّ؛ وهو ثاني العُصور السّتّة الّتي تنتمي إلى حقبةِ الحياة القديمة، وكانَ قبل 485.4-443.8 مليون سنة، أَعقبهُ العصر السّيلوريّ.
استمدّ العصر الكامبريّ اسمه من «كامبريا»؛ أيْ الاسم الرّومانيّ لدولة ويلز الّتي تُعتبرُ جُزءًا من المملكة المُتّحدة، حيث دَرَسَ رائدُ الجيولوجيا؛ آدم سيدجويك طبقات الصّخور، وكانَ العالم تشارلز داروين أحد تلامذته. علمًا بأنّ آدم سيدجويك لم يقبَلْ نظريّة التّطوّر والانتقاء الطّبيعيّ لداروين ألبتّة.
مناخ العصر الكامبري:
كانَ مناخُ الأرضِ باردًا على نحوٍ عامّ في وقتٍ مبكرٍ من العصر الكامبريّ، ولكنّه وبالجانبِ الآخر، كانَ يزداد حرارةً تدريجيًّا مَعَ انحسار الأنهار الجليديّة في أواخرِ حقبة الطّلائع (Proterozoic Eon)[3]. وتُشير الأدلّة التّكتونيّة إلى أنّ القارّة العملاقة رودينيا (Rodinia)[4] تشقّقت، وبحلول بداية ومنتصف العصر الكامبريّ، كانَ للأرضِ قارّتان. أولاها كانت القارّة غُندوانا (Gondwana)؛ بالقرب من القطب الجنوبيّ، كانت قارّة عظمى، شَكّلت لاحقًا الكثير من مساحة أفريقيا الحديثة وأستراليا وأمريكا الجنوبيّة والقارّة القطبيّة الجنوبيّة وأجزاء من آسيا. أمّا ثانيها فهي لورينشا (Laurentia)[5]، وهي أقرب إلى خطّ الاستواء، كانت تتألّف من اليابسة، الّتي تُشكّل حاليًّا جزءًا كبيرًا من أمريكا الجنوبيّة، وجُزءًا من أورُبَّا. وبزيادةِ المساحات السّاحليّة والفيضانات بسبب تراجُع الأنهار الجليديّة، زادت البيئات البحريّة الضّحلة.
وحتّى هذه المرحلة، لم تُوجَد الحياة على اليابسة بعْدُ، فقد كانت كلّ أشكال الحياة مائيّة. وفي وقتٍ مبكرّ جدًّا من العصر الكامبريّ، كَسَا قاعَ البحرِ بِساطٌ من الحياة الميكروبيّة، أو ما يُعرف بالحصيرة الميكروبيّة (Microbial mat)، فوقَ طبقةٍ سميكة من الوحل الخالي من الأُكسجين. وتطوّرت أُولى أشكال الحياة متعدّدة الخلايا[6] في أواخِرِ حقبة الطّلائع، حتّى أصبحت قادرةً على التّغذّي على الميكروبات. وهذه الكائنات الحيّة متعدّدة الخلايا، هي أوّل مَنْ أظهرَ دليلًا على التّماثل الجانبيّ (Bilateral symmetry)[7]، أو المُخطّطات الجسميّة للكائنات الحيّة (كما في جرادِ البحر؛ مثالٌ على التّماثل الجانبيّ).
وأمّا الدّيدان شبه المجهريّة -الّتي كانت منتشرة وقتئذٍ في قاع البحر- بدأت بعمليّاتٍ غير منقطعة من الحفر والخلط، مُؤكسِجةً بذلك الوحل على طول قاع البحر، بعد أن كان خاليًا من الأُكسجين. وإبّان ذلك، كان مستوى الأُكسجين الذّائب في الماء بازديادٍ مستمرّ، نتيجةً لوجود ما يُسمّى الزّراقِم «البكتيريا الزّرقاء-Cyanobacteria»[8] في مياه البحر. وهناك الشّعاب المرجانيّة أيضًا، وقد كوَّنَتْها الحيوانات الأولى الّتي طوّرت هياكلَ خارجيّة لها. فالشّعاب المرجانيّة بشكلٍ عامّ، تتكوّن من كائناتٍ حيّة مترابطة ذات هياكلَ صلبة من كربونات الكالسيوم، وتُبنى الشّعاب من مستعمراتِ كائنات حيّة دقيقة أو صغيرة جدًّا، توجد في مياه البحر، وتحتوي على عدّة معادنَ تدخل في تكوينها. وتطوّرت الطّحالب المُختلفة أيضًا؛ مثل الطّحالب الحمراء المرجانيّة «الرّودوفيتّا-Rhodophyta»، والطّحالب الخضراء.
أمّا منتصف العصر الكامبريّ، فقد ابتدأَ بحدوثِ انقراضٍ جماعيّ. اندثر على إثره العديد من الكائنات الحيّة المُكوِّنة للشّعاب المرجانيّة، فضلًا عن المفصليّات ثلاثيّة الفصوص الأكثر بدائيّة، والّتي كانت منتشرة بكثرة آنذاك، يُطلق عليها أيضًا «التّرايلوبيت-Trilobite». تُشير إحدى الفرضيّات إلى أنّ هذا كانَ نتيجةً لاستنزافٍ مُؤقّت للأُكسجين، ناجمٍ عن موجات المياه الباردة المتقلّبة والصّاعدة من أعماق المحيط، قادت بالنّهايةِ إلى مجموعةٍ متنوّعةٍ من البيئات البحريّة، ابتداءً بالأعماق، وانتهاءً بالمناطق السّاحليّة الضّحلة. أيْ أنّ هذا أحْدَثَ تغييرًا في البيئة البحريّة للعديد من الكائنات الحيّة، بسبب الموجات المتقلّبة، فالكائنات الّتي لم تتكيّف مع هذه التّغيّرات (من ناحية الحرارة والأُكسجين)، قِيدَت إلى الاندثار. وافترضَ العلماء بأنّ تنوّع البيئات الإيكولوجيّة الملائمة لمُختلف الكائنات الحيّة، مهَّدَ الطّريقَ أمام التّنوّع الكبير والمفاجئ الّذي حصلَ في أشكال الحياةِ المعروفة لاحقًا؛ وهذا ما نُطلقُ عليه الانفجار الكامبريّ.
مستحاثات العصر الكامبري:
عثَرَ العلماءُ على بعضِ أفضل العيّنات للتّجارب التّطوريّة الحاصلة إبّانَ العصر الكامبريّ، في الطّبقات الأُحفوريّة المتوزّعة على العديد من المواقع المختلفة؛ والّتي تُسمّى التّشاكيل أو التّشكيلات (Formations)[9]؛ مثل سيريوس باسيت (Sirius Passet) في غرينلاند، تشينجيانغ في الصّين (Chenjiang) والسِّجِّيل الزّيتيّ لبورغيس (Burgess Shale) في كولومبيا البريطانيّة. وهذه التَّشكيلات الأُحفوريّة فريدةٌ من نوعها؛ لأنَّ ظروف التّحجّر، أدّت إلى انطباعاتٍ لأجزاء الجسم الصّلبة والليّنة على السّواء، وإلى امتلاكنا سجلّات أُحفوريّة هي الأكمل لأصناف الكائنات الحيّة المُختلفة الّتي عاشت في العصر الكامبريّ.
يُقدّرُ أنّ مُستحاثات تشكيلة سيريوس باسيت ترجعُ إلى وقتٍ مُبكّرٍ من العصر الكامبريّ، إذ أنّ المفصليّات هي الأكثر وفرةً فيها، بالرّغم من أنّ مجموعات الكائنات الحيّة الأخرى فيها، ليست متنوّعةً كتلك الّتي وُجِدَت لاحقًا في تشكيلة السِّجِّيل الزّيتيّ لبورغيس. علاوةً على ذلك، فإنّ تشكيلة سيريوس باسيت هي الأولى الّتي لديها مؤشّرات تدلّ على العلاقة بين المفترس/الفريسة. على سبيل المثال، الهالكيريا (Halkieria)؛ هو شبيهٌ بدودة البزّاقة، ويمتلك صدفةً رأسيّة على كلا نهايَتَيْه. أمّا بقيّة الجسم، فمُغطًّى بصفائحَ درعيّة صغيرة حتّى أقدامه الليّنة الشّبيهة بالحلزون. ومن غير الواضح ما إذا كان أقرب إلى أن يكون من الحَلَقيّات؛ مثل ديدان الأرض الحديثة والعلقيّات (Hirudinea)، أم من الرّخويّات البدائيّة في ذلك العصر. وُجِدت بعض عيِّناتِهِ مُتكوّرةً على نفسها في وضعيّاتٍ دفاعيّة، مثل «حمار القبّان الحديث-Pill bugs» (أيْ تِلكَ الدُّوَيْدة أو الدّويبة الصّغيرة، كثيرة القوائم، الّتي تتكوّر على نفسها إذا لمسها المرء مثل حبّة). إنّ العلاقات بين المفترس/الفريسة مُهمّة جدًّا، فهي تُوفّر ضغوطاتٍ انتقائيّة مُكثّفة للكائنات، وتمثّل علاقةً جدليّةً قويّةً تُساعد على تطوّر المجتمع الأحيائيّ، كما تقود إلى الانتواع (Speciation) السّريع للكائنات الحيّة، والتّغيّر على السّلّم التّطوريّ. ومُصطلح الانتواع من المصطلحات التّطوّريّة؛ ويُعنَى بتلكَ العمليّة التّطوّريّة الّتي تظهر بوساطتها أنواع جديدة من الكائنات الحيّة.
أمّا مُستحاثات السِّجِّيل الزّيتيّ لبورغيس، فهي من أواخرِ العصر الكامبريّ، وتمتازُ هذه المرحلة بازدياد التّنوّع الأحيائيّ بشكلٍ كبير. فهنالك ما يزيد عن اثني عشر نوعًا من التّرايلوبيت في بورغيس، بينما في سيريوس لدينا اثنان فقط. ومن الواضح أنّ أسلاف شُعَب الحيوانات الرّئيسيّة الأُخرى (والموجودة حاليًّا؛ أيْ النّسل التّابع لهذه الأسلاف)، ما عدا المرجانيّات (Bryozoa)، قد وُجدت بحلولِ ذلك الوقت.
كانَ أكبر المُفترسات في ذلك الوقت، هو أنومالوكاريس (Anomalocaris)، ذلك المُفترس الّذي يسبحُ بشكلٍ حرٍّ، مُتموّجًا عبر الماء عن طريق ثَنْيِ فصوصِ جسمهِ الواقعة على حافّتَيْهِ (حافّتي جسمه)، ويمتلك عينين مُركّبتين وكبيرتين، على نتوءٍ بارزٍ يضمّ 16 ألف عدسة، وفمُهُ قُرصيّ الشّكل، ولديه زوائد تعلوها مخالبُ أمام فمِهِ، كما أنّ مركز فمه يحتوي على أشواك مُسنّنة. لقد كان وقتئذٍ، المفترس الأكبر والأكثر رُعبًا، لكنّه مع ذلك، لم ينجُ حتّى قدوم العصر الأوردوفيكيّ. أمّا أقدم حيوانٍ حبليٍّ (أيْ من شُعبة الحبليّات) عُرِفَ في العصر الكامبريّ، يُدعى بيكايا (Pikaia)، كان بطول إنشٍ ونصف (4 سنتيمترات) فقط. يمتلك بيكايا حبلًا عصبيًّا (وهو من خصائص الحبليّات) مرئيًّا، يمتدُّ كسلسلةِ تِلالٍ مبتدئًا من خلف الرّأس، ومنتهيًا تقريبًا إلى آخر جسمه. التّفاصيلُ الدّقيقة للمستحاثات المُحافَظ عليها في بورغيس، تُظهِر بجلاءٍ أنّ بيكايا امتَلَكَ بنيةً عضليّةً قِطْعِيّة (أيْ قِطْعيّة التّرتيب)، كالّتي لدى الحبليّات والفقاريّات المُتأخّرة. وهناك سمكة هَيْكوسيثِس (Haikouichythes)، الّتي يعتقد البعض بأنّها أقدمُ سمكةٍ عديمة الفكّ في العصر الكامبريّ، وُجِدَت أيضًا في تشكيلة بورغيس.
ولمّا تتبّعنا بشكلٍ واسعٍ المستحاثات الّتي خلّفتها الحيوانات وراءها في ذلك العصر، ظَهَرَ لنا بجلاءٍ التّنوّع الكبير الّذي اختبرته الحياة وقتئذٍ، وتبيّن أنّ الحيوانات انشَغَلت بتطوير تقنيّاتٍ جديدةٍ للتّأقلم مع بيئتها المحيطة، وللتّكيّف في وجه العلاقة الجديدة بين المفترسات والفرائس. فبدأت الكائنات الحيّة بتطوير بيئات جديدة ملائمة، تتوافر فيها العوامل الضّروريّة للنّموّ والتّناسل، وابتدعت استراتيجيّات بيئيّة تُساعدها على التّكيّف أكثر، مثل الصّيد النّشِط والاختباء عميقًا تحت التّرسّبات الطّينيّة والرّمليّة وحفر جحورٍ وأنفاقٍ أرضيّة، مُتفرّعة ومُعقّدة.
من عضديّات الأرجُل اللامتمفصلة (الّتي سيأتي ذكرها في الفقرة التّالية)، اسمه (Acrothele)، كانَ شائعًا إلى حدٍّ كبيرٍ، وهذه المستحاثة مأخوذة من السِّجِّيل الزّيتيّ لويلِر، في غربِ ولاية يوتا.
ولكن، بالرّغم من كلّ ما تقدَّمَ ذكرهُ، فالحياة في العصر الكامبريّ، سواء البحريّة (على وجه الخصوص) أو الأرضيّة، لم تكُن بالتّنوّع والتّشابه الكبيرين مقارنةً مع الحياة في وقتنا الحاضر. فلو تناولنا الجانب البحريّ، لَوَجدنا أنّ معظم الكائنات البحريّة كانت حاضرةً، لكنّ أغلبها يتبعُ لصفوفٍ وشُعَبٍ حيوانيّة انقرض وتلاشى معظمها مع مرور الوقت. وعلى سبيل المثال، كانت عضديّات الأرجُل (مقارنةً مع الآن) المُتَمَفصِلة -أيْ الّتي يتمفصل مصراعاها (الصّدفتان) الظّهريّ والبطنيّ بأسنان وتجاويفَ سنّيّة- لا تزال نادرة نسبيًّا، وغير متنوّعة بشكلٍ ملحوظ. وخلافًا لعضديّات الأرجُل المتمفصلة (Articulate)، انتشرت عضديّات الأرجُل اللامتمفصلة (Inarticulate) -أي الّتي يرتبط مصراعها الأول مع الثّاني، ومع العضلات والرّداء الخاصّ بها- في البيئة البحريّة، وأظهَرَت تنوّعًا كبيرًا وملحوظًا. علمًا بأنّ المتمفصلة، هي الّتي ستُهيمن على البيئة البحريّة لاحقًا في حقبة الباليوزي (الحياة القديمة). كانت شوكيّات الجلد الكامبريّة أيضًا، في الغالب أنواعًا غير مألوفةٍ وغريبة المظهر.
لقد خَتَمَ العصر الكامبريّ انقراضٌ جماعيٌّ. وكانت رواسب العصر الأوردوفيكيّ المُبكّر الّتي وُجِدت في أمريكا الجنوبيّة ذات منشأ جليديّ. يشيرُ جيمس ف.ميلر من جامعة ولاية ميسوري في الجنوب الغربيّ، إلى أنّ الأنهار الجليديّة، وبرودة المناخ، قد يكونان السّبب وراء الانقراض الجماعيّ للحيوانات التي تطوّرت في المحيطات الكامبريّة الدافئة. ويعتقد أيضًا أنّ الأنهار الجليديّة قد عزلت الكثير من مياه المحيطات المفتوحة، خافضةً بذلك الأُكسجين في الماء، والمساحة المُتاحة لأنواع الكائنات الّتي تعيشُ في المياه الضّحلة معًا، علمًا بأنّ الحياة الحيوانيّة الّتي كانت سائدةً في العصر الكامبريّ، هي المائيّة.
الهامش
[1] الانفجار الكامبري: هو من الأمور المُهمّة جدًّا والمُميِّزة للعصر الكامبريّ، وهو انفجارٌ انتواعيّ مفاجئ ظهرت فيه كائنات حيّة عديدة ومُختلفة، ومُستحاثات لافقاريّة لأوّل مرّة، وظهور تنوّع واسع في المتعضّيات، وكائنات حيّة مُتعدّدة الخلايا؛ تُعتبر الأساس في تركيب فصائل وشُعَب الحيوانات المختلفة على الأرض، المُنقرضة منها والحيّة على السّواء. وسُمّيَ بالانفجار؛ لأنّه في فترة زمنيّة لا تزيد عن 10 ملايين سنة (أيْ ما يُعادلُ دقيقتين لو ضغطنا عمر الأرض إلى أربعٍ وعشرين ساعة فقط)، ظهرت حيوانات مُعقّدة التّركيب لأوّل مرّة على سطح الأرض، وهو من السّرعة أشبه بالانفجار حقًّا.
[2] عضديّات الأرجُل: أو ذراعيّات الأرجُل؛ هي شُعبةُ حيواناتٍ لافقاريّة بحريّة، يُحيط بجسمها صدفة علويّة وأخرى سُفليّة؛ أيْ مُؤلّفة من مصراعين، بطنيّ وظهريّ. تعيشُ بصورة رئيسيّة مُتشبّثةً في قيعان البحار الضّحلة، وتوصفُ بأنّها حيوانات قاعيّة. تحمي الصّدفة الأجزاء الرّخوة لديها؛ مثل الجهاز الهضمي وجهاز الدّوران والإفراغ والغدد التّناسليّة وغيرها. وهي من أولى اللافقاريّات الّتي ظهرت في بداية العصر الكامبريّ، وقد بلغ عدد أنواعِها المُستحاثة نحو 30 ألف نوعٍ.
[3] حقبة الطّلائع: تُسمّى الحياة الأوّليّة، أو الحياة المبكّرة، استمرّت 1,750 مليون سنة تقريبًا، وكانَت قبل 2,500 مليون سنة. انتشرت فيها الحياة المائيّة البسيطة وغير المعقّدة، على هيئة ميكروباتٍ وكائناتٍ وحيدة الخليّة، وكانت تمتاز بإنتاج الأُكسجين. شهدت هذه الحقبة العديد من الأحداث المُهمّة؛ مثل تكوّن الأُكسجين في الغلاف الجوّيّ عن طريق التّمثيل الضّوئيّ، حيث تزامن ذلك مع تطوّر أوّل وحيد خليّة (حقيقيّ النّواة)، وعديد الخلايا -Francevillian biota- (وهي كائنات ميكروسكوبية ترجع إلى قبل 2.1 مليار سنة).
[4] رودينيا: قارّة عُظمى تعود إلى العصر الحديث من حقبة الطّلائع، كانت مُتماسكة قبل 1.3-0.9 مليار سنة، وتفرّقت قبل 750-600 مليون سنة. واحتَوَت وقتها مُعظم اليابسة والقارّات الّتي نعرفها الآن.
[5] لورينشا: وهي قطعة قارّيّة كبيرة ثابتة من الأرض، تشوّهت عبر ملايين السّنين، تُشكّل النّواة الجيولوجيّة القديمة للقارّة الأمريكيّة الشّماليّة. ولمرّات عديدة في الماضي، كانت لورينشا قارّة مُنفصلة، كما هو حالها الآن، فهي مُتفرّقة بين أمريكا الشّماليّة، ومساحات من غرينلاند، والجزء الشّماليّ الغربيّ من أُسكتلندا. وفي أوقاتٍ أخرى في الماضي، كانت لورينشا نفسها جزءًا من قارّات أكبر، وقارّات أُخرى عُظمى. وعندما نقول: (قطعة قارّيّة)؛ أيْ أنّها عبارة عن صفيحة مُستقرّة وكبيرة من القشرة الأرضيّة، تُشكّل مراكِز القارّات العُظمى، وتتعرّض للتّشوّه والعوامل الجيولوجيّة على مرّ الملايين من السّنين، تسمّى بالإنجليزيّة (Craton).
[6] متعدّدة الخلايا: نُطلق هذا الوصف على الكائنات المُعقّدة الّتي تتكوّن من أكثر من خليّة واحدة، وأكثر من نوعٍ واحدٍ من الخلايا، على عكس الكائنات وحيدة الخليّة. مثل الحيوانات، والإنسان والنّباتات الأرضيّة والفطر (هذه جميعها متعدّدة الخلايا).
[7] التّماثل الجانبيّ: هناك عدّة تماثلات أو تناظرات أخرى، مثل الكرويّ والشّعاعيّ، وهناك أيضًا اللاتماثُل (Asymmetry) مثلًا في حيوان الإسفنج. أمّا التّماثل الجانبيّ، فيعني أنّهُ لو تخيّلنا خطًّا وهميًّا يقسمنا إلى (نصفَيْن مُتماثلَيْن)، يجب أن نحصل على قسمين مُتماثلين تمامًا، على المستوى الخارجيّ والدّاخليّ (أي من حيث الأعضاء الخارجيّة والدّاخليّة). والتّماثل في البيولوجيا؛ هو التّوزيع المزدوج والمُتوازن لأجزاء الجسم أو أشكاله داخل جسم الكائن الحيّ.
[8] الزّراقم: شعبة من البكتيريا، تتميّز بقدرتها على إنتاج الأُكسجين عن طريق التّمثيل الضّوئيّ، لديها ثلاث صبغات؛ خضراء وزرقاء وحمراء. الخضراء هي الكلوروفيل، والّتي تساعد على التّمثيل الضّوئيّ. أمّا الزرقاء فهي ما يعطيها لونها الأزرق. وأخيرًا الحمراء، هي مادّة البيتا-كاروتين.
[9] التّشاكيل الأُحفوريّة: في العادة، تُمثّل هذه التّشاكيل سجلًّا محفوظًا للحياة ضمن معالمَ أثريّة من الحجار (والأغلب، الحجار الرّسوبيّة). فكلّ الكائنات الحيّة، حتّى غير الهيكليّة، أو الّتي ليس لديها جهازٌ هيكليّ مُتكامل، يُمكن أن تترك وراءها آثارًا على شكل أحافيرَ صخريّة. ولكن، بالعادة لا يبقى غير الأجزاء الصّلبة من الكائنات. وعلى سبيل المثال، نأخذ موقع تشينجيانغ في مُقاطعة يونّان، هذا الموقع هو من أهمّ المواقع الّتي تُقدّم لنا سجّلًّا أُحفوريًّا مُتكاملًا للمجتمع البحريّ في العصر الكامبريّ المُبكّر، كما أنّ الكائنات الحيّة محفوظة فيهِ بشكلٍ استثنائيّ، عارِضًا لنا تشريح الأنسجة الصّلبة والليّنة لمجموعة واسعة جدًّا من الكائنات الحيّة؛ اللافقاريّات والفقاريّات على السّواء. ومن أهمّ ما ينجلي لنا واضحًا في هذا الموقع؛ التّطوّر الأوّليّ للنّظام الإيكولوجيّ البحريّ المُعقّد في العصر الكامبريّ؛ فقد احتوى على 196 نوعًا من الكائنات الحيّة، وستّة عشر كائنٍ حيّ مُنفصل ومجموعة مُبهمة من أصناف مختلفة لكائناتٍ حيّة أُخرى. كما يُعتبر شهادةً حيّة وفريدة على التّنوّع السّريع والمفاجِئ للكائنات الحيّة على سطح الأرض في العصر الكامبريّ قبل نحو 530 مليون سنة. وعلى هذا المنوال، تكمن أهميّة التّشكيلات الأُحفوريّة الأُخرى في المواقع المُشابهة.
إعداد: أحمد زياد.
تدقيق: عبدالسّلام الطّائيّ