العصر الجليدي هو فترة ذات درجة حرارة شديدة البرودة، وامتداد جليدي متكرر على الأرض، قد يستمر مئات الملايين من السنين.
توصل العلماء، بفضل جهود الجيولوجي لويس أغاسيز وعالم الرياضيات ميلوتين ميلانكوفيتش، إلى أن التغير في مدار الأرض وتبدلات الصفائح التكتونية سبّبا تلاشي هذه الفترة وانحسارها.
حدث ما لا يقل عن خمسة عصور جليدية واضحة في تاريخ الأرض، ونحو 12 حقبة من الامتداد الجليدي في مليون سنة الماضية.
تطور البشر تطورًا ملحوظًا خلال الفترة الجليدية الأخيرة، وأصبحوا الحيوان البري المهيمن في تلك الفترة، إذ انقرضت الحيوانات الضخمة مثل الماموث الصوفي.
يتخلل العصر الجليدي فترات منتظمة أدفأ، فيها كتلة جليدية رئيسية واحدة على الأقل، تقع الأرض حاليًا ما بين العصر الجليدي، إذ تظل الكتل الجليدية في القطب الجنوبي وجرينلاند موجودة رغم درجات الحرارة المعتدلة.
تبدأ فترات البرودة عندما يمنع انخفاض درجة الحرارة الثلوج من الذوبان بالكامل في بعض المناطق.
تتحول الطبقة السفلية إلى جليد، الذي يصبح نهرًا جليديًا لأن وزن الثلج المتراكم يجعله يتحرك ببطء إلى الأمام، يظهر نمط دوري يحبس فيه كل من الجليد والثلوج رطوبة الأرض، ما يزيد نمو هذه الصفائح الجليدية مع انخفاض مستويات سطح البحر في الوقت ذاته.
سبّب العصر الجليدي تغيرات هائلة في سطح الأرض، تعيد الأنهار الجليدية تشكيل التضاريس بجرف الصخور والتربة والتلال في أثناء اندفاعها الذي لا يمكن إيقافه، ويؤدي وزنها الهائل إلى خفض سطح الأرض، مع انخفاض درجات الحرارة في المناطق المجاورة لهذه المنحدرات الجليدية، تظهر النباتات التي تعيش في الطقس البارد على خطوط العرض الجنوبية، وفي الوقت ذاته، يتيح الانخفاض الكبير في مستويات سطح البحر للأنهار حفر وديان أعمق وإنشاء بحيرات داخلية هائلة، إضافةً إلى ظهور جسور أرضية بين القارات كانت مغمورة سابقًا، وعند التراجع خلال الفترات الأدفأ، تترك الأنهار الجليدية وراءها حواف متناثرة من الرسوبيات وتملأ الأحواض بالمياه الذائبة منشئةً بحيرات جديدة.
سجل العلماء خمسة عصور جليدية مهمة عبر تاريخ الأرض: عصر الهورونيان (قبل 2.4-2.1 مليار سنة)، عصر الكريوجينيان (قبل 850-635 مليون سنة)، عصر الأنديز الصحراوية (قبل 460-430 مليون سنة)، عصر الكارو (قبل 360-260 مليون سنة) والعصر الرباعي (قبل 2.6 مليون سنة- حتى الآن). حدث ما يقرب من اثني عشر تجلّدًا رئيسيًا خلال مليوني سنة الماضية، وبلغ أكبرها ذروته منذ 650 ألف عام واستمر مدة 50,000 عام، وصلت أحدث فترة تجلد -التي غالبًا ما تُعرف ببساطة باسم العصر الجليدي- ذروتها منذ نحو 18,000 عام قبل أن تفسح المجال لعصر الهولوسين بين الجليدي قبل 11,700 عام.
في ذروة التجلد الأخير، تراكم الجليد إلى أكثر من 12,000 قدم، إذ انتشرت الكتل الجليدية في جميع أنحاء كندا والدول الإسكندنافية وروسيا وأمريكا الجنوبية، وانخفضت مستويات سطح البحر المقابلة لأكثر من 400 قدم، في حين انخفضت درجات الحرارة العالمية نحو 10 درجات في المتوسط على مقياس فهرنهايت، إلى 40 درجة في بعض المناطق.
في أمريكا الشمالية، كانت منطقة الولايات الساحلية على الخليج مليئة بغابات الصنوبر والمراعي، التي ترتبط اليوم بالولايات الشمالية وكندا.
بدأت أصول نظرية العصر الجليدي منذ مئات السنين، عندما لاحظ الأوروبيون أن الأنهار الجليدية في جبال الألب قد تقلصت، وكتب عنها الجيولوجي السويسري لويس أغاسيز في القرن التاسع عشر.
على عكس الاعتقاد بأن فيضانًا هائلًا قتل الحيوانات الضخمة مثل الماموث الصوفي، أشار أغاسيز إلى أن التصدعات الصخرية وأكوام الرواسب دليل على نشاط جليدي من شتاء مدمر على الأرض.
سرعان ما وجد الجيولوجيون دليلًا على وجود حياة نباتية بين الرواسب الجليدية، وبحلول نهاية القرن تأسست نظرية فصول الشتاء العالمية المتعددة.
كان عالم الرياضيات الصربي ميلوتين ميلانكوفيتش هو الشخصية المهمة الثانية في تطوير هذه الدراسات، في سعيه إلى جدولة درجة حرارة الأرض خلال 600,000 سنة الماضية، حسب ميلانكوفيتش كيفية تأثير الاختلافات في المدار مثل الانحراف، والحركة المحورية، والميل المحوري في مستويات الإشعاع الشمسي، ونشر عام 1941 عمله في كتاب قانون الإشعاع الشمسي ومشكلة العصر الجليدي.
تأكدت النتائج التي توصل إليها ميلانكوفيتش عندما سمحت التحسينات التكنولوجية في الستينيات بتحليل بواطن الكتل الجليد في أعماق البحار وأغشية العوالق، ما ساعد على تحديد فترات التجلد، إلى جانب مستويات الإشعاع الشمسي، يُعتقد أن حرارة الأرض مرتبطة بالنشاط التكتوني للصفائح. إذ تؤدي تبدلات الصفائح إلى إحداث تغييرات واسعة النطاق في الكتل القارية، ما يؤثر في المحيطات وتيارات الغلاف الجوي، ويؤدي إلى نشاط بركاني يطلق ثاني أكسيد الكربون في الجو.
من النتائج المهمة للعصر الجليدي الأخير تطور الإنسان العاقل، إذ تكيف البشر مع المناخ القاسي بتطويرهم أدوات مثل الإبرة العظمية لخياطة الملابس الدافئة، واستخدموا الجسور الأرضية -التي ظهرت نتيجة التراجع- للانتشار إلى مناطق جديدة. بحلول بداية عصر الهولوسين الأدفأ، تمكن البشر من الاستفادة من الظروف المواتية بتطوير تقنيات الزراعة والتدجين، انقرض في نهاية هذا العصر حيوان المستودون -حيوان ثديي كبير يشبه الفيل- والقط ذو الأسنان السيفية والميغاثيريم وغيرها من الحيوانات الضخمة الأخرى التي سادت خلال العصر الجليدي.
أسباب اختفاء هؤلاء العمالقة، من صيد البشر لهم إلى المرض، هي من بين ألغاز العصر الجليدي التي لم تُشرح بالكامل بعد.
يواصل العلماء دراسة أدلة هذه الفترات المهمة، لاكتساب المزيد من المعرفة في تاريخ الأرض، وللمساعدة في تحديد الأحداث المناخية المستقبلية.
اقرأ أيضًا:
دراسة على كل الجبال الجليدية في العالم تكشف عن مصير مدمر
ذوبان الصفائح الجليدية قبل 14,600 سنة رفع مستوى مياه البحار 10 أضعاف المعدل الحالي
ترجمة: وراد الحمادة
تدقيق: نور عباس