اكتُشفت حزمة من أشعة غاما الكونية تخترق مجرة درب التبانة، حاملةً طاقة هي الأعلى على الإطلاق، إذ تصل إلى 957 تيرا إلكترون فولت. تحمل هذه الأشعة طاقة تساوي أكثر من ضعفي قيمة الطاقة التي رُصدت سابقًا في الكون، ما يقربنا من نطاق بيتا إلكترون فولت، أو ما يساوي كوادريليون إلكترون فولت. أكد ذلك وجود مسارعات ذرية فائقة في الكون تستطيع دفع الفوتونات إلى هذه المستويات من الطاقة في مجرة درب التبانة. تُسمى هذه المسارعات الفائقة «البيفاترون»، ويساعد اكتشافها على معرفة سبب انتشار أشعة غاما فائقة الطاقة في المجرة.
يقول الفيزيائي جن هوانغ من أكاديمية العلوم الصينية: «يفتح هذا العمل آفاقًا لاكتشاف الفضاء البعيد. يُعد الدليل المرصود خطوة مهمة نحو تفسير مصدر الأشعة الكونية التي حيرت البشرية قرنًا من الزمان».
حزمة الأشعة المُكتشَفة هي الأعلى طاقةً بين 23 مجموعة من حزم الأشعة التي اكتشفها الفريق، إذ تفوق طاقتها 398 تيرا إلكترون فولت في «أسغاما»، وهي منشأة في إقليم التبت تديرها اليابان والصين منذ 1990.
الغريب أنه على عكس حزم الطاقة المسجلة سابقًا، فهذه الحزم الـ 23 من أشعة غاما لا تعود إلى مصدر واضح، لكنها منتشرة عبر قرص المجرة.
تظهر الصورة السابقة مستوى المجرة متمثلًا في الخط المتوهج في المنتصف، وتمثل المناطق الرمادية المناطق التي تقع خارج مجال رصد أسغاما.
قد يمكن التوصل إلى المناطق التي يجب البحث فيها عن البيفاترون ضمن مجرة درب التبانة، ما سيقودنا إلى اكتشاف مصدر الأشعة الكونية عالية الطاقة.
أولًا، يجب أن نفرق بين الأشعة الكونية وأشعة غاما. الأشعة الكونية هي جسيمات مثل البروتونات والنوى الذرية تتدفق عبر الفضاء بسرعة تقارب سرعة الضوء.
يُعتقد أن الأشعة الكونية فائقة الطاقة تأتي من مصادر مثل المستعرات العظمى وبقاياها، ومناطق تشكل النجوم، والثقوب السوداء، إذ تساعد المجالات المغناطيسية القوية على تسريع الجسيمات، لكن من الصعب تأكيد أي من هذه الافتراضات بواسطة المشاهدة، لأن الأشعة الكونية مشحونة كهربيًّا، ومن ثم تتأثر بالمجالات المغناطيسية إذ تسافر عبر المجرة.
تتفاعل الأشعة الكونية مع المحيط النجمي كالغازات والغبار النجمي السابح في الفضاء بين النجوم، ما يُنتج فوتونات أشعة غاما عالية الطاقة، مع نحو 10% من طاقة الأشعة الكونية الأصلية.
يحدث ذلك قريبًا من البيفاترون ، ومن المعروف أن أشعة غاما لا تحمل شحنة كهربية، ما يجعلها تنتقل في الفضاء دون أن تتأثر بالمجالات المغناطيسية.
وعندما تصطدم أشعة غاما بغلافنا الجوي، تخلّف سيلًا من الجسيمات غير الخطرة، وهو ما تلتقطه مصفوفة المستشعرات الأرضية.
أضيفت كاشفات تشيرينكوف للمياه الجوفية عام 2014، للكشف عن الميونات الناتجة عن الحزم الكونية، ما يتيح للعلماء استخلاص معلومات عن أشعة غاما في الخلفية، لتطوير عملية اكتشاف زخات أشعة غاما ورصدها دون تداخلات.
بهذه الطريقة اكتُشفت أشعة غاما التابعة لسديم السرطان، وحزم أشعة غاما الـ 23 التي تضمنت مستويات فائقة طاقة.
وفقًا للباحثين، يشير توزيع الأشعة ووجودها إلى وجود بروتونات مسرعة في نطاق يبلغ 10 بيكو إلكترون فولت، ما يشير إلى انتشار البيفاترونات في أنحاء المجرة.
الخطوة التالية هي محاولة إيجاد البيفاترونات، التي ربما اندثر بعضها ولم يعد نشطًا، مخلفًا دليلًا يتمثل في الأشعة الكونية وأشعة غاما.
قال عالم الفضاء ماساتو تاكيتا: «يمكننا فقط رؤية البصمات التي خلفتها البيفاترونات المندثرة، إذ تنتشر الأشعة الكونية التي خلفتها في محيط القرص المجري. إذا تمكنا من تحديد موقعًا نشطًا للبيفاترون، فقد نجيب عن المزيد من الأسئلة: ما نوع النجم الذي يشع أشعة غاما بطاقة بيكو إلكترون فولت والأشعة الكونية المرتبطة بها؟ وكيف يسرع نجم الأشعة الكونية حتى طاقة بيكو إلكترون فولت؟ وكيف تنتشر الأشعة داخل قرص مجرتنا؟».
قد نجد أكثر من إجابة واحدة لكل من هذه الأسئلة، وربما تساعد الأبحاث المستقبلية والكاشفات عالية الكفاءة على إيجاد إجابات ترضي فضولنا.
اقرأ أيضًا:
الإشارات المغناطيسية الغريبة تدفعنا لإعادة التفكير في الاندفاعات الراديوية السريعة
إشعاع الخلفية الكونية الميكروي
ترجمة: رؤوف طيلوني
تدقيق: تسبيح علي
مراجعة: أكرم محيي الدين