مقارنةً مع الجدري أو التيفوئيد، يعدّ الملاريا من أكثر الأمراض البشرية التي يصعب القضاء عليها؛ وهو بذلك يشكل خطرًا حقيقيًا ومستمرًا على نصف سكان العالم تقريبًا.
ذكرت منظمة الصحة العالمية أنه منذ عشرين عامًا،كان الملاريا يقضي على حياة مليوني شخص سنويًا.
وعلى الرغم من أوجه التقدم العديدة في العلاج، فقد تم الإبلاغ عن 212 مليون حالة إصابة في عام 2015فقط، ولقي حوالي429 شخصًا حتفهم بسبب هذا المرض.
الدواء الأول لعلاج الملاريا هو مادة الأرتيميسينين (artemisinin) التي تستخدم في الطب الصيني لعلاج الحمى والالتهاب وكذلك الملاريا.
وقبل عام 2001، كان مسؤولو الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم ينتجون العقار كدواء واحد، إلا أنه سمح لطفيليات الملاريا بأن تصبح مقاومة للأدوية.
ومع ذلك، وجد العلماء والأطباء المهنيين أن الأرتيميسينين يمكن أن يعمل كمزيج مع دواءين آخرين هما ميفلوكين (mefloquine) وكلوربروغوانيل (chlorproguanil)، لمهاجمة الطفيلي من كل الجوانب والقضاء عليه.
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، زاد عدد دورات العلاج القائم على مادة الأرتيميسينين عالميًا من 187 مليون في عام 2010 إلى 311 مليون في عام 2015.
ولكن لا تزال هناك مشكلة كبيرة:كميات مادة الأرتيميسينين المتوفرة ليستمستقرة أو كافية، ونتيجة لذلك يبقى العلاج باهظ التكلفة.
البحث الجديد الذي نشر في دورية (Frontiers in Bioengineering and Biotechnology)، والذي يحمل عنوان «الإنتاج المستقر للأرتيميسينين المضاد للملاريا في طحلب الشيح الحَوْليّ»، يشير إلى أن الأرتيميسينين يمكن إنتاجه بسرعة من الطحالب المهندسة وراثيًا على نطاق صنعي.
يُستخلص الأرتيميسينين عمومًا من نبات الشيح الحَوْليّ، وهو نبات فصلي ينمو سنويًا في فصل الصيف وذو موسم نمو قصير ويُعرف زراعيًا بالشيح الحلو.
نظرًا لبنيته المعقدة، فهو صعب الإنتاج بالتصنيع الكيميائي ومكلف.
وقد حاول باحثون آخرون اصطناع مادة الأرتيميسينين حيويًا باستخدام نباتات التبغ أو الخميرة، ولكن هذه الطرق إما تطلب تعمليات هندسة أكثر بكثير من طرق التحليل الحالي أو أعطت منتجًا شبه نقي.
قدم الباحثون خمس جينات مسؤولة عن التصنيع الحيوي لطليعة الأرتيميسينين، حمض دايهيدروأرتيميسينيك، لتحويله إلى حزازيات الفيسكوميتريلا المنفتحة باستخدام شدف متعددة من الحمض النووي (DNA).
يحدث التحويل النهائي من هذا الحمض إلى الأرتيميسينين بواسطة الأكسدة الضوئية في خلية الطحلب.
بما أن الطحالب-كنباتات لا وعائية- لديها هذا الهيكل البسيط، فهو يوفر أساسًا مثاليًا للأدوية المهندسة وراثيًا.
وقد تم زراعة الطحالب المعدلة وراثيًا في كل من الأوساط السائلة والصلبة تحت ضوء ليد يبلغ24 هيرتز.
بعد ثلاثة أيام فقط من الزراعة، أصبح لدى الباحثين كمية كبيرة من المنتج الأولي: 0.21 ملغ/غ من الأرتيميسينين الجاف.
وبحلول اليوم الثاني عشر، كان لديهم أعلى كمية من الدواء.
قال أحد مؤلفي الورقة البحثية، هنريك توفت سيمونسن (Henrik Toft Simonsen):«ينتج هذا الطحلب بكميات هائلة. فهو ينتج مادة الأرتيميسينين بكفاءة بدون هندسة الطلائع أو التصنيع الكيميائي الذي تتطلبه الخميرة والتبغ، وهذا ما نبحث عنه في العلم: حل بسيط ولائق».
يوسع هذا البحث أيضًا حدود التكنولوجيا الحيوية الصنعية من خلال توفير منصة قائمة على نباتات قوية وراثيًا باستطاعها توسيع نطاق الإنتاج الصنعي للمركبات النباتية الأخرى المعقدة والعالية القيمة. ولأن الفيسكوميتريلا المنفتحة تستخدم الضوء كمصدر للطاقة، تعدّ طريقتها أقل تكلفة من الطرق الأخرى كتلك المعتمدة على الخميرة، والتي يجب أن تتغذّى على شكل من أشكال السكر.
إن إنتاج مادة الأرتيميسينين من الطحالب في المفاعلات الحيوية السائلة البسيطة يعني أن الإنتاج على نطاق صنعي ممكن بسهولة وبتكلفة قليلة.
والخطوة التالية هي مواصلة تطوير العملية، ما يشمل الحدّ من أي منتجات غير ضرورية وضمان كفاءة قصوى لعملية التمثيل الغذائي.
وقال سيمونسن أيضًا أنه قد يبدو من غير المألوف تطوير عقار في غضون 3-12 يومًا، في حين تستغرق الأحياء الدقيقة بضع ساعات.
تستغرق النباتات ببساطة وقتًا أطول لزراعتها من الأحياء الدقيقة،لكن لهذه الطريقة بعض المزايا: لا يحتاج الطحلب إلى إعادة هندسة في كل مرة، إذ يمكن إعادة استخدام خلايا الجذع.
أضاف سيمونسن:«سيكون أمرًا رائعًا إن استطاع العلماء القضاء على الملاريا عالميًا، إذ يصيب هذا المرض 200 إلى 300 مليون شخص سنويًا، وهو مميت للأطفال بشكل خاص».
إعداد: ديانا نعوس
تدقيق: دانه أبو فرحة
تحرير: سهى يازجي
المصدر