يقول المثل: «المصائب لا تأتي فرادى»، وينطبق ذلك على أزمة المناخ التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأزمتي البيئة والطاقة، فالأزمات الثلاث لها تأثير متبادل على بعضها، فإن أراد العالم الانتقال بنجاح إلى الاقتصاد الأخضر مع تحقيق الأهداف المناخية، سيحتاج إلى ثلاثة أضعاف الكهرباء في عام 2050، وتوليد ذلك لن يكون سهلًا ما لم نأخذ الطاقة النووية بالحسبان.
لطالما خصصنا مساحة كافية من الأرض لإنتاج الطاقة من أجل توليد ما يكفي من الكهرباء. ولكن الاستيلاء على الأراضي لإنتاج الطاقة يضر بالنظم البيئية، ويفاقم تغيرات المناخ.
لذلك تعاونت الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا مع معهد غرونوبل للتكنولوجيا في دراسة جديدة لإجراء مسح منهجي للأراضي من أجل إنتاج الطاقة، وحلّلوا 870 محطة طاقة في جميع أنحاء العالم، منها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية والطاقة النووية، ونُشروا الدراسة في مجلة التقارير العلمية.
كانت إحدى نتائج الدراسة أن الطاقة الكهرومائية هي أكثر مصادر الطاقة المتجددة كفاءة في استخدام الأرض في جميع أنحاء العالم. وهي مخالفة للرأي العام القائل بأن الطاقة الشمسية هي أكثر مصادر الطاقة المتجددة كثافة.
عالم يسوده الحزن البيئي:
يُظهر البحث أن التعديات البيئية في العالم ستزداد ستة أضعاف بحلول عام 2050 إذا اتبعنا سيناريو صافي الانبعاثات الصفرية للوكالة الدولية للطاقة (IEA).
بمعنى آخر، من المستحيل حل أزمة المناخ دون تفاقم خطير للأزمة البيئية إذا نُفذت سياسة الطاقة الحالية.
فباستخدام سياسة الطاقة الحالية وبافتراض أننا محايدون مناخيًا، سيتطلب إنتاج الكهرباء في العالم عام 2050 مساحة أكبر بمرة ونصف من مساحة الهند أو نفس مساحة الاتحاد الأوروبي.
إعطاء قيمة مضافة أعلى للبيئة:
يزداد انتشار البشر الواسع في هذا الكوكب، إذ يُظهر المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم البيئية (IPBES) أنه يجب علينا حماية الطبيعة إذا أردنا الحفاظ على التنوع البيولوجي في العالم.
تأخذ الغابات ثاني أكسيد الكربون وتزودنا بالأكسجين للتنفس، ومؤخرًا حذرت غريتا تونبرغ من حرق الغابات للحصول على الطاقة، قائلة أن هذا السلوك لا نستطيع أن نعده أخضرًا ومتجددًا.
تميزت جميع تحولات الطاقة عبر التاريخ حتى الآن بإنتاج المزيد من الطاقة تدريجيًا على مساحات صغيرة من اليابسة. سابقًا، كان مصدر الطاقة الوحيد هو الغابة، ويجب التضحية بها من أجل الغذاء والحرارة. انتقلنا من الخشب إلى الفحم، ثم إلى النفط والغاز. كانت الثورة الصناعية وسيلة للخروج من الأزمة البيئية وإزالة الغابات في وقتها. وبدلاً من ذلك، أصبحت الأولوية حماية الغابة والاستمتاع بها. لكننا اليوم، وللأسف، ندمر البيئة ونخلق نفس المشكلات.
استخدام الغابات وقودًا هو الأسوأ:
لحل المشكلة الثلاثية المتمثلة في المناخ والطاقة والبيئة، يجب أن نواصل البحث عن الحلول الأكثر كثافة للطاقة ومتابعة البيانات باستمرار، وتوفّر الدراسة الجديدة فرصة للقيام بذلك.
من بين كل مصادر الطاقة المتجددة، فإن الطاقة الحيوية التي تحرق الغابات للحصول على الطاقة هي الأسوأ، تليها الرياح البرية، والرياح البحرية، وطاقة الأمواج، والطاقة الشمسية، وأخيرًا الطاقة الكهرومائية.
تُستبعد الطاقة الحيوية من البداية في سباق الحلول الأكثر كفاءة في استخدام الأراضي، لأن 878 كيلومترًا مربعًا من المساحة تولّد واحد تيراواط ساعي فقط، ولا يوفر هذا أكثر من ربع احتياجات مدينة نيويورك.
الخيارات التالية هي الرياح البرية، والرياح البحرية، وطاقة الأمواج والطاقة الشمسية، تليها الطاقة الكهرومائية، وهي أكثر مصادر الطاقة المتجددة كفاءة في استخدام الأراضي.
الطاقة الحيوية هي أضعف أشكال الطاقة لكن الدراسة وجدت أن طاقة الرياح البرية بها بعض المشكلات نفسها، ففي عينة من 148 مزرعة رياح برية، وُجد أن الرياح هي ثاني أضعف مصدر لتوليد الطاقة.
تواجه طاقة الرياح البرية تحديات:
يدّعي العاملون في طاقة الرياح بأنه من الممكن استخدام الأرض التي تشغلها مزارع الرياح لأغراض متعددة، مثل الرعي والزراعة والترفيه. لكن مصادر طاقة الرياح الموجودة في الأراضي المستخدمة لأغراض أخرى محدودة كثيرًا، ما يحد أيضًا من إمكانية زيادة طاقة الرياح لتكون حلاً جذريًا للطاقة في جميع أنحاء العالم.
من جهة أخرى، لا توفر طاقة الرياح أي فرصة لاستعادة البيئة المتضررة. فوفقًا للبحث عند تشغيل أرض بمزارع الرياح، يُنظر فقط إلى البصمة الكربونية للبرج مع طرق الوصول إليه وهذا ما يرفع حجم الطاقة المكتسبة بعشرة أضعاف على الأقل، ولكن هذا لا يمثل كثيرًا عند النظر إلى التباعد الكبير بين مصادر الطاقة الموزعة لمزرعة الرياح وانخفاض قابلية التوسع في المناطق ذات المساحة المحدودة.
تسبب متطلبات الأراضي المرتفعة أيضًا آثارًا كبيرة على المواد والبنية التحتية اللازمة لتجميع الطاقة من توربينات الرياح، وتوجد تأثيرات غير مباشرة محتملة على الحياة البرية وتدهور جودة المناظر الطبيعية، والآثار المرئية مهمة في المنطقة.
الطاقة النووية هي الحل الفائز:
إذا أخذنا جميع مصادر الطاقة بالحسبان، فإن الطاقة النووية هي الفائز الواضح من حيث كثافة الطاقة المكانية. إذ تستطيع الطاقة النووية تزويد العالم كله بطاقة خالية من الانبعاثات الأحفورية باستخدام مساحة تعادل نصف مساحة ولاية فيرمونت الأمريكية أو تعادل مساحة دولة قطر وأكبر بقليل من مساحة لبنان.
بمقارنة الأرقام، يتبين أن المدى المكاني للطاقة النووية أقل بنسبة 99.7% من طاقة الرياح البرية، أي تستخدم مساحة أقل بمقدار 350 مرة. ويجب النظر إلى هذه البيانات في ضوء الأزمة البيئية المتوقعة بحلول عام 2050، فستوفر النووية وحدها 99.75% من التعديات البيئية في عام 2050، ومن الممكن حتى إزالة معظم الآثار البيئية الحالية التي تسببنا فيها.
زيادة شعبية الطاقة النووية:
واجهت الطاقة النووية مشكلة شعبية طوال سنوات، وهي خارج نطاق تعريف الطاقة المتجددة، ولكن من المفترض أن تُعد متجددة على المدى الطويل. فسنحصل على اليورانيوم (وقود الطاقة النووية) من البحر في المستقبل، وهناك يتجدّد اليورانيوم بشكل طبيعي. ومن الممكن أيضًا باستخدام التكنولوجيا الجديدة أن يصبح اليورانيوم المستخدم قابلًا لإعادة الاستخدام فتصبح الطاقة النووية مصدراً متجدداً للطاقة.
المساحة أيضًا تشكل عاملًا يؤثر في تزايد شعبية مصادر الطاقة، مقارنةً بتطورات طاقة الرياح والطاقة الشمسية التي تؤثر في الأشخاص والحيوانات والطبيعة.
تُظهر الدراسات الحديثة أن الطاقة النووية قد تكون جارًا مرغوبًا لكثير من السكان، لأنها تمنح المجتمعات المحلية أمن الإمداد بالطاقة لتطوير الأعمال والوظائف.
يجب حل أزمة المناخ والبيئة معًا:
تمامًا مثلما تنشأ الأزمات الثلاث (المناخ والطبيعة والطاقة) معًا، تحتاج أيضًا إلى حلها معًا. دام التركيز على الحلول الذكية مناخيًا سنوات كثيرة، بينما لاقت بعض الحلول الذكية بيئيًا بعض التجاهل، كما لو أننا نسينا تمامًا كيف يؤدي الحفاظ على الطبيعة واستعادتها دورًا حيويًا في التخفيف من آثار المناخ. لذلك، ينبغي زيادة التركيز على استخدام الأراضي.
تركز الدراسة هذه على كفاءة استغلال الأرض وتعالج هذه النقطة بالتحديد، والطاقة النووية هي الفائز الواضح في هذا السباق، والطاقة الحيوية هي الخاسر وذلك بسبب متطلباتها من مساحات الأرض، فهل يجب أن نتوقف عن تدمير غاباتنا لتوليد الكهرباء؟
اقرأ أيضًا:
هل تكون الطاقة النووية منقذ عالمنا الوحيد؟
ما مستقبل الطاقة النووية وكيف ستتم إدارتها؟
ترجمة: روان علي
تدقيق: محمد حسان عجك