مع الأسف، يبدو أن الموت الحراري للكون هو الخيار الألطف. لا شك في أن الطاقة المظلمة هي أغرب شيء في الكون، بالرغم من حضورها في كل حدب وصوب وزاوية من الكون وهيمنتها القوية على الكون، إلا أن الطاقة المظلمة ليست بالنظرية المثلى، لأننا ما زلنا نحاول أن نكتشف أهي شيء موجود في الكون بذاته أم مجرد خاصية أساسية فيه؟
وسيكون من المثير أن تتعرف عليه أكثر فأكثر، فإذا مددت بصرك إلى نطاق زمني بعيد، سيتراءى لك كيف للطاقة المظلمة قدرة فتاكة على تدمير الكون إلى أشلاء.
هاك مثالًا، تخيل أنك ترمي كرة بيسبول في الهواء. كرة البيسبول والأرض هنا تمثلان المجرات التي تتحرك بعيدًا عن بعضها في كوننا الآخذ في الاتساع، ورميتك هي التمدد الذي أحدثه الانفجار العظيم.
الآن، ولأن كلًا من الكرة والأرض يملكان كتلة، ستحاول الجاذبية جذبهما معًا مجددًا، بغض النظر عن مدى قوة رميتك، حتى وإن كان لديك ذراعان فائقا القدرة غير بشريين وقد رميت الكرة بسرعة كافية لتهب بالفرار من مدار الأرض نفسها، ما زالت الجاذبية ستعمل على تباطؤ الكرة في مرحلة ما، لعل الكرة ستهبط مجددًا أو حتى ستهيم على وجهها في الفضاء دون تأثير أي قوة، وما لن تفعله الكرة هو أن تتسارع فجأة وتنطلق في طريقها نحو الفضاء.
لكن ما فعله الكون، بعد فترة طويلة نسبيًا منذ الانفجار العظيم وما يتبعه من تباطؤ في الكون، منذ 5 مليارات سنة مضت، تمكن الكون من التسارع على نحو غير مفهوم فجأة، ومهما كان السبب وراء ذلك، فقد أسميناه الطاقة المظلمة.
يشير الوصف بالمظلمة في اصطلاح الطاقة المظلمة إلى أننا لا نستطيع رؤيتها وليس عندنا أي فكرة عن ماهيتها، لكن قد يمثل هذا مرجعية إلى وظيفتها في كوننا.
تعد مجرات كون سريع التوسع والامتداد في تباعد لا هوادة فيه عن بعضها، ومن ثم، يطال الفضاء فيه المزيد من الظلام والفراغ والبرودة، وتتضور المجرات جوعًا من قلة وقودها للنجوم الجديدة، تموت النجوم وتتحلل المادة ويخلو الكون من المادة إذ كل ما يملؤه هو آثار إشعاع تهيم على وجهها في الفراغ الكوني.
لعل هذا يمثل النهاية الوحيدة والحزينة للكون.
لكن من الممكن أن يسوء الوضع أكثر بكثير!
يُعد التفسير المعتاد للطاقة المظلمة هو الثابت الكوني -وهي فكرة طرحها ألبرت أينشتاين عام 1917 إذ أضاف هذا الثابت إلى معادلاته ليفسر لمَ الكون ثابت ولا ينهار على نفسه- وعند اكتشاف أن الكون في تمدد عقب ذلك بفترة وجيزة، صُرف النظر عن مصطلح الثابت الكوني، لكن عاد أدراجه إلى ساحة الفيزياء مجددًا عاملًا رئيسيًا وراء تسارع توسع الكون.
يتوافق الثابت الكوني مع البيانات الموجودة كالتفسيرات الأخرى على الأقل، لكن من وجهة نظر نظرية بحتة يمثل هذا المفهوم فوضى، فهو يمثل طاقة الفراغ، وهي الحد الأدنى من الطاقة متأصلة في الكون الفارغ، الذي تظل كثافته ثابتة لا يشوبها تغير بصرف النظر عن مدى تمدد الكون، لكن حجمه هنا خطأ.
تشير أفضل الحسابات النظرية التي يمكننا إجراؤها في نظريات فيزياء الجسيمات إلى أن طاقة الفراغ يجب أن تكون أقوى بمقدار 120 مرة على أقل تقدير، ونعلم أن هذا النوع من تفسير الكم ميكانيكي لطاقة الفراغ يجب أن يكون موجودًا، إذ أنه اكتشاف تجريبي، ما يتسبب تحرك الصفائح المعدنية الصغيرة جدًا، على نحو طفيف جدًا عبر ظاهرة تسمى تأثير كازيمير ولكن إذا كان الثابت الكوني قويًا بما يكفي لجعل حبكة النظرية بأكملها تتلاءم معًا، فسيؤدي ذلك إلى أكثر من عزل المجرات ببطء بمرور الوقت، إذ سوف تتمزق كل بنية الكون بعنف.
ما يتركنا أمام معضلة، إذ سيكون من الأسهل، من بعض النواحي، تفسير كون ليس له ثابت كوني أكثر من تفسير كون صغير على نحو تشوبه غرابة هائلة، وثمة تفسيرات للطاقة المظلمة لا تتضمن المصطلح الذي طرحه أينشتاين على الإطلاق، إذ تسمح بعض التفسيرات لكثافة الطاقة المظلمة بالتغير مع مرور الوقت.
بل في الواقع، تستنتج بعض الملاحظات الحديثة عن توسع الكون أن النجوم المتفجرة البعيدة والثقوب السوداء فائقة الكتلة تدعم هذه الفكرة.
لسوء الحظ، تأتي الطاقة المظلمة الديناميكية بحصيلتها من المشكلات، فإن أصبحت الطاقة المظلمة أكثر قوة بمرور الوقت، كما اقترحت بعض هذه الملاحظات، فقد يفضي هذا في الواقع إلى تمزيق الكون.
لذا ربما يجب أن نتشبث بطوافة الأمل في نظرية الموت الحراري، حتى نتمكن من قضاء تلك الليلة السعيدة في غبطة، على الأقل، قد نتذكر أن نتوقف للحظة لنقدر الكون البديع من حولنا، بينما لا يزال بإمكاننا ذلك.
اقرأ أيضًا:
ربما تخفي الثقوب السوداء نوى من الطاقة المظلمة النقية التي تجعل الكون يتوسع
ترجمة: مي مالك
تدقيق: محمد الأسطى
مراجعة: مازن النفوري