إنهم لا يشعرون بالملل منك، لكنهم ربما يشعرون بالملل من تفاصيل ما ترويه من قصص! تنتشر هذه الحالة بين الأزواج، إذ يشعر أحد الطرفين بعدم اكتراث الآخر بوجوده، في حين يشعر الشريك الآخر بالضجر من تلك النقاشات والروايات. يميل بعض الأشخاص -خاصةً الرجال مغايري الميول أو من يميلون إلى الغيرية الجنسية- إلى أخذ العبرة من الحدث المرويّ وعناوينه الكبيرة، أبطاله وحبكته ومكانه وزمانه. تتطلب عمليات تحليل الأحداث وربطها إشراك القشرة المخية، الجزء الأكفأ في استخدام الطاقة في الدماغ. ما يعني قدرًا هائلًا من الطاقة المخصصة للمعالجة تستنزف طاقة المستمع.
تؤلمنا حقيقة أن حياتنا أقل إثارةً مما تعرضه وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وبالسياق ذاته، فإن حيثيات قصصنا ليست أكثر إثارة.
ما قد يجده شركاؤنا مثيرًا للاهتمام ينبع من مشاعرهم نحونا وليس نحو قصتنا.
تميل بعض النساء -خاصةً النساء مغايرات الميول أو من يملن إلى الغيرية الجنسية- إلى إيصال المشاعر -لا الحقائق- باستخدام إيماءات الأطراف -مركز المعالجة العاطفية للدماغ- التي تشغل موقع الحارس لسائر أعضاء الجسم، وهي طريقة أكثر فعالية في استهلاك الطاقة لمعالجة المعلومات، إذ إن استخدام إيماءات الأطراف طريقة أقل تعقيدًا وقربًا من جذع الدماغ.
يستمع شركاؤنا إلى هذه القصص بغية نبش ماضي علاقاتهم عن أشياء مشابهة، وتقديم الدعم.
في ثقافتنا، لا نتعلم جميعنا منهج الإصغاء والدعم، خاصةً لدى الذكور، ما يدفع شركاءنا نحو مشارف الصراع الداخلي، بدلًا من التقارب بتواصلهم معنا، ما ينتهي بشعور أحد الطرفين بالإنهاك والآخر بانعدام التقدير.
نبقى أمام نقطتين تعنيان بتوجيهك خلال الأجزاء المملة أو المرهقة من قصص شريكك:
1-مشاعر شريكك خلال الحدث
حاول استنباط طبيعة مشاعر شريكك، لا تتردد في سؤاله عنها إن لم تكن واثقًا من مشاعره. هذا تحد يحتاج إلى المران والخبرة، إلا إنه يمكننا بسهولة أن نسقط الحدث أو مجريات الرواية على أنفسنا أو على ما مضى من تجاربنا، ومن ثم إظهار عواطفك أو تفهمك لمشاعره.
2-آلية تقديم الدعم
استنبط طرقًا من شأنها تأكيد صحة القرارات التي اتخذها الشريك، أو مساندة مشاعره وأحاسيسه وتفهمها، أو مناقشة قراراته إن لم تكونا واثقين بأنه اتخذ الخيار الصحيح، لكن بعد حين، إذ إن النقاش لن يكون مجديًا بينما الشريك ما زال بحاجة إلى التفكير بعمق في حلول أخرى وفي تبني وجهات نظر بديلة.
ما أن يدرك الشريكان أدوارهما ومساهماتهما في العملية، نلجأ إلى البدء بالإصغاء بجميع جوارحنا، وهي عملية أسهل تنفيذًا من الاستماع فقط، لما للإصغاء الفعال من تأثير في تحفيز العواطف بدلًا من استنزافها، وتعميق مستويات التواصل، وخفض حالة التوتر بين الشريكين، وبدء عهد جديد من الحميمية.
من المهم أن نشير إلى حداثة عهد بعض الشركاء في هذا السياق، خاصةً الرجال، وسيضطرون للتحلي بالكياسة العاطفية، عملًا ببناء الروابط والربط بين المفهوم والمحسوس والتعبير عنهما.
يستغرق الأمر بعض الوقت، ويتطلب اتخاذ خطوات صغيرة في البداية. انطلق من الملحوظتين السابقتين واتجه نحو هدفك بخطوات صغيرة واثقة.
رغم عدم إيفاء موضوع الملل في العلاقات الرومانسية حقه من الأبحاث، فإنه شائع الذكر عند الحديث عن أسباب الخلافات في العلاقات العاطفية عامةً والزوجية خاصةً. قد يرجع ذلك إلى تراجع اللهفة والتوق إلى معرفة تفاصيل الآخر. لأننا في البداية نوسع مفهوم «الذات» لنتلاءم مع عالم شريكنا الجديد، وليتلاءم مع عالمنا. توسُعنا في حياة شركائنا، وتوسُعهم في حياتنا، يسير إلى تباطؤ بمرور الوقت وقد يتوقف كليًا، فتتوقف جميع المشاعر الإيجابية التي نحصدها نتيجة ذلك، كالإثارة والمتعة. قليلة هي الأمور التي تغدو مجهولة في الشريك بمرور الوقت.
لكن يوجد فرق بين الشعور بالسأم بسبب شريكك والشعور بالسأم منه. هذان أمران متمايزان نفسيًا وعلى مستويات عدة.
ينتج ميلنا للشعور بالضجر من امتلاكنا طاقة مفرطة -حالة فرط الاستثارة- دون منفذ أو مفرّغ لهذه الطاقة. ما يؤدي إلى امتلاك مشاعر سلبية. قد يعني شعورك بالضجر أنك ضحية الروتين والنمطية، مع أنكما تعلمان برغبتكما في التغيير أو إحداث أمر جديد، فإنكما تتقاعسان عن التفكير في ذلك أو تنفيذه. قد يكون ذلك بسبب ظروف خارجة عن سيطرتك، كأن تتملكك الرغبة في الذهاب في نزهة خلال شتاء قاسٍ، أو ببساطة أن تقرر عدم القيام بشيء عندما تسيطر عليك الحيرة، ما يرهق حس المغامرة والاستكشاف في علاقتك.
قد يعني الشعور بالملل من شريكك أن تلحظ تفكيرك بشركاء آخرين أكثر تفهمًا لك، أو في امتناعك أو عدم تفضيلك قضاء الوقت معًا. الخلاصة أن شعورك بالسأم بسبب شريكك أو منه يعزى إلى عدم إدراكك هل أنت ضجر وحدك، أو هل ترغب في قضاء الوقت مع شريكك، وشعور الأخير إزاء ميولك وانفعالاتك وحاجاتك، ومقدار الدعم الذي تحظى به.
إذا لم تكن واثقًا من السبب الذي أدى إلى الشعور بالملل، فقد تصارع أيضًا دوافعك الداخلية. عند الدخول في علاقة رومانسية، يكون لدى الأشخاص -نظريًا- هدفان: السعي وراء ما هو ممتع ومكافئ (دافع القرب)، أو التهرب من أحد المشاعر المؤذية كالشعور بانعدام الأمان، أو العزلة أو الوحدة (دافع التجنب). قد يكون أحد أسباب خوضنا العلاقة أن الطرف المقابل مثير للاهتمام والمتعة، ما يحمل الكثير من المشاعر الإيجابية، ومعه لن نشعر بالوحدة بعد الآن، ما يقلل من مشاعرنا السلبية، وبالمثل لمشاعر الطرف الآخر إيجابًا أو سلبًا. حتى في العلاقات الأكثر صحيةً، نحاول تجنب المشاعر السلبية، ويغلب على مشاعرنا الأمان والثقة، بجانب المتعة والسعادة التي غالبًا ما تعزى إلى التجديد أو تجاوز التحديات معًا، ما يسهم في تثبيت الروابط العاطفية، إلا إننا عندما نشعر بالملل لا نفقد أيًا من مشاعر الأمان والثقة، ومع ذلك نفقد التفاصيل الممتعة والمفرحة التي تجمعنا.
تقترح الأبحاث حلًا سريعًا: إن أفضل طريقة لتجنب ركود علاقتك، ولتحديد كونك تشعر بالملل بسبب شريكك أو منه، هو بدء نشاط جديد معًا لم يختبره أحدكما من قبل. اتجها نحو النشاطات التي تثير روح التحدي أو تلك التي تتطلب التخطيط، كالاشتراك في ماراثون أو الإشراف على طهي وليمة كاملة للأصدقاء، أو اختارا نشاطات أبطأ وتيرةً كلعب البولينغ أو حضور صفوف الرقص، أي أمر من شأنه إيقاد شعلة العاطفة في العلاقة.
أما إذا جربت نشاطات كثيرة دون جدوى، فربما عليك أن تعيد النظر في العلاقة نفسها!
اقرأ أيضًا:
تسع نصائح للتغلب على ضغوط العلاقات العاطفية في ظل جائحة كورونا
طريقة جديدة لحل مشاكلك العاطفية: بحث يظهر أهمية الذاكرة الجيدة في تحسين العلاقات العاطفية
ترجمة: بشرى عيسى
تدقيق: عون حدّاد
مراجعة: أكرم محيي الدين
المصادر: psychologytoday, psychologytoday