كُشف الستار أخيرًا عن أكثر شفق كوكبي محير في المجموعة الشمسية بكامل تألقه المتوهج بلطف.
بعيدًا عن الشمس والأرض، صُور الكوكب ذو اللون الأزرق السماوي نبتون متلألئًا بضوء قريب من الأشعة تحت الحمراء، إذ تتفاعل الجسيمات في غلافه الجوي الضبابي.
للمرة الأولى يُصَور شفق على سطح أبعد كوكب معروف في النظام الشمسي، بفضل حساسية مطياف تلسكوب جيمس ويب الفضائي القوي، الذي يعمل بالأشعة القريبة من الأشعة تحت الحمراء، أخيرًا تكتمل المجموعة، فقد شوهدت ظاهرة الشفق القطبي في كل كوكب من كواكب المجموعة الشمسية، ما يشير إلى أن الظاهرة ليست فقط منتشرة، بل سمة من سمات التفاعل بين الكواكب والشمس.
مع ذلك تبدو الظاهرة مختلفة باختلاف الكوكب الذي تظهر على سطحه، شفق الأرض هو الأكثر إبهارًا، إذ يبدو طيفًا من الألوان التي تضيء السماء عندما تصطدم جزيئات من الرياح الشمسية بمجال الأرض المغناطيسي، وتمطر للأسفل داخل طبقات الغلاف الجوي العليا.
يسبب التفاعل بين هذه الجسيمات القادمة وجسيمات الغلاف الجوي الكامنة ظهور أضواء متوهجة راقصة.
يمتلك المشتري الشفق القطبي الأقوى والأكثر طاقة في المجموعة الشمسية، إذ يبدو مثل أغطية دائمة من الأشعة فوق البنفسجية الساطعة، في الواقع يمتلك أربعة من أكبر أقماره أشفاقًا أيضًا، بالمثل يمتلك زحل شفقًا من الأشعة فوق البنفسجية، ومثله المريخ، أما الزهرة فيمتلك شفقًا أخضر، مثل الذي يُرى على الأرض.
ربما يكون شفق عطارد الأغرب لأنه لا يملك غلافًا جويًا، فيظهر الشفق على صورة أشعة سينية فلورية من طريق التفاعل بين الأجسام الشمسية والمعادن على السطح.
لوقت طويل، لم يكن من الواضح وجود نشاط شفقي في أورانوس ونبتون، بعيدًا جدًا عن الشمس، إذ يدور أورانوس على بعد نحو 19 ضعف المسافة بين الشمس والأرض، ونبتون على بعد 30 ضعف تلك المسافة.
عام 2023، أكد تحليل البيانات وجود شفق قطبي للأشعة تحت الحمراء عند خط استواء أورانوس. الآن أثبتت بيانات تلسكوب جيمس ويب الفضائي وجود شفق مشابه لدى نبتون.
رصد التلسكوب أيضًا طيفًا مفصلًا للغلاف الجوي لنبتون كاشفًا عن وجود صريح لـ «كاتيون ثلاثي الهيدروجين» (+H3)، وهو شكل من ثلاثي الهيدروجين مشحون بشحنة موجبة ومرتبط بوجود الشفق القطبي.
بتتبع تركيز كاتيون ثلاثي الهيدروجين عبر سماء نبتون، تمكن فريق من الفلكيين برئاسة هنريك ميلين من جامعة نورثمبريا بالمملكة المتحدة من رسم خريطة لموقع الشفق القطبي للكوكب.
من المثير للاهتمام أن غرابة المجال المغناطيسي لنبتون جعلت شفقه القطبي في مكان مختلف عما يظهر على الأرض، إذ تتقارب خطوط المجال المغناطيسي لكوكبنا عند القطبين، وعندما تُسحب الجسيمات الشمسية بعيدًا وتُكدس في الغلاف الجوي، تشكل خطوط العرض العليا بؤرة ذلك التكدس.
يمتلك كل من نبتون وأورانوس مجالًا مغناطيسيًا فوضويًا جدًا وغير متوازن. في نبتون، نقطة تكدس الجسيمات الشمسية قريبة من خط استواء الكوكب، وليس عند القطبين.
كشفت قياسات تلسكوب جيمس ويب الفضائي لدرجة حرارة العملاق الثلجي البعيد سبب الصعوبة البالغة في كشف الشفق القطبي لنبتون، إذ ذُكرت درجات حرارة نبتون في تقرير بواسطة قياسات فويجار 2 -المركبة الفضائية الوحيدة التى صنعها البشر واقتربت من الكوكب- وكانت أعلى بكثير من درجات الحرارة المرصودة بواسطة تلسكوب جيمس ويب الفضائي، ما يشير إلى أن الكوكب قد انخفضت درجة حرارته انخفاضًا كبيرًا منذ 1989.
تعني درجات الحرارة الأبرد شفقًا قطبيًا أضعف، استندت التوقعات السابقة بشأن احتمال ظهور شفق قطبي لنبتون على درجات حرارة غير دقيقة، لذلك كان العلماء يبحثون باستخدام معلومات خاطئة.
يعطينا هذا الاكتشاف أداة جديدة للتفسير، ليس فقط التنوع الذي قد يتجلى بواسطة ظاهرة واحدة عبر كواكب مختلفة جدًا في النظام الشمسي، لكن أيضًا في كواكب أخرى تدور حول نجوم خارجية.
«لمّا كان النوع الأكثر شيوعًا من الكواكب الخارجية المرصودة بحجم نبتون، ولمّا كان نبتون يفتقر إلى الفصول المناخية القاسية مثل الموجودة في أورانوس، توفر لنا هذه الملاحظات تحليلًا جديدًا لنستكشف تفاعلات الغلاف الجوي والمغناطيسي في الكواكب ذات الحجم الأكثر شيوعًا في مجرتنا».
اقرأ أيضًا:
دراسة جديدة تُشير إلى أن عمالقة الجليد كوكبي أورانوس ونبتون ليسا مائيين تمامًا
صورة تلسكوب جيمس ويب الأخيرة تظهر حلقات نبتون كما لم نرها من قبل
ترجمة: وليد محمد عبد المنعم
تدقيق: تمام طعمة