تتكون جميع المواد الطبيعية في الكون من وحدات بناء صغيرة جدًا لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، لكن نحن البشر لن نسمح للقيود الفيزيائية في أعيننا أن تمنعنا من رصد الأشياء التي نريد رؤيتها، أليس كذلك؟

تمثل النقاط الذرات الموجودة في الشبكة البلورية لقطعة من البراسيوديميوم أورثوسسكاندات (PrScO3) بتكبير يبلغ 100 مليون مرة.

السبب الوحيد الذي يجعل الصورة تبدو غير واضحة بعض الشيء حول الأطراف، ليس بسبب ضعف الدقة بل لأن الذرات في حركة مستمرة لا تتوقف عن الاهتزاز، ما يؤدي إلى ضبابية ناتجة عن الحركة الحرارية.

بغض النظر عن مدى التطور التقني، فمن غير المحتمل التغلب على هذه الدقة القياسية التي حطمت جميع الأرقام المسجلة سابقًا، وذلك لأن هناك حدًا لمدى الدقة التي نستطيع تحقيقها على هذه المقاييس الذرية وهذا تقريبًا هو الحد الأقصى لما نراه الآن.

صرح الفيزيائي ديفيد مولر من جامعة كورنيل، عندما نُشرت نتائج فريقه في مجلة science بالقول: «هذا لا يسجل رقمًا قياسيًا جديدًا فحسب، لقد وصلنا إلى مرحلة تُعد فعليًا الحد الأقصى للدقة. يمكن الآن تحديد مواقع الذرات بطريقة سهلة للغاية، وهذا ما يتيح لنا الكثير من إمكانيات القياس الجديدة لأشياء أردنا القيام بها منذ فترة طويلة».

يُعد هذا الإنجاز نتاج قمة تقنية التصوير الذري المتقدمة المسماة التكنوغرافيا Ptychography، وهي ليست في الواقع تقنية تصوير مباشر، بل نوعًا من قياس التداخل الضوئي؛ أي توليد صورة من أنماط التداخل، إذ أُطلقت الإلكترونات على عينة من البراسيوديميوم أورثو سسكاندات، وعندما تصطدم هذه الإلكترونات بِالذرات الموجودة في المادة، فإنها ترتد.

من خلال قياس أنماط الارتداد أو التشتت لهذه الإلكترونات في أثناء تحريك الشعاع حول العينة، يمكن لنظام التصوير توليد صورة لأماكن ارتداد الإلكترونات.

الآن، نظرًا إلى أن البراسيوديميوم أورثو سسكاندات مركب كيميائي، فإن ما نراه هنا هو ثلاثة أنواع مختلفة من الذرات، فالأزواج من النقاط المضيئة المرتبطة ببعضها بعضًا هي ذرات البراسيوديميوم، والنقاط المضيئة المفردة هي ذرات السكانديوم، والنقاط الحمراء الخافتة هي ذرات الأكسجين، إذ ترتبط كل هذه الذرات معًا مشكلةً البلورة النقية والمثالية التي صوّرها تشين وزملاؤه.

هذا التقدم في التصوير الذري له تأثيرات وتطبيقات في الفيزياء والهندسة، ما يمنحنا قدرة رائعة على دراسة الهياكل الذرية بدقة عالية وثلاثية الأبعاد. يمكن أيضًا استخدام هذه التقنية في كل شيء، بدءًا من علم المواد وحتى الاتصالات الكمومية.

يقول مولر موضحًا: «نريد تطبيق هذه التقنية على كل شيء نقوم به. حتى اللحظة، كنا جميعًا نرتدي نظارات سيئة للغاية، والآن لدينا بالفعل زوج رائع من النظارات. لماذا لا ترغب في خلع النظارات القديمة وارتداء الجديدة واستخدامها طوال الوقت؟».

إن الأشياء التي باستطاعة البشر القيام بها عندما يركزون عقولهم عليها مذهلة حقًا.

اقرأ أيضًا:

تشابك كمومي لـ15 تريليون ذرة ساخنة

التقاط صورة لذرة واحدة منفردة بواسطة التصوير بالأشعة السينية

ترجمة: محمد فواز السيد

تدقيق: منال توفيق الضللي

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر