تنكشف أسرار عجائب الكون من خلال صور جميلة تصدر على فترات منتظمة من مختلف المراصد والمهام، منها أذرع المجرات الحائمة الممتدة مئات السنين الضوئية، وانبعاثات الغازات الكونية التي تشبه ضربات فرشاة دقيقة بالألوان المائية، إضافةً إلى النجوم المولودة حديثًا التي تشبه النمش، والضوء الخافت المنبعث من أفق الحدث الكثيف للثقب الأسود. تُعد الصور إلى جانب بقية الوسائط المرئية، طريقةً رائعة للتعرف على علم الفلك، لكنها ليست الطريقة الوحيدة لرؤية أو بالأحرى سماع الكون.
إن تقنية «الصوتنة» (Sonification) ليس بجديدة، إذ يعود تاريخها إلى عام 1908 مع اختراع عداد جيجر. لكن هذه التقنية انتعشت حديثًا بفضل بعض المشاريع المذهلة، التي ساهمت في إثارة المزيد من الفضول في بعثات ناسا وأعمق نطاقات الفضاء التي يتطلعون إليها.
ما الصوتنة؟
قبل محاولة فهم الأصوات المؤرقة في الكون، من المفيد أن نفهم كيفية تشكل هذه الأصوات!
تسمى العملية صوتنة، وقد تمكنا من معرفة المزيد عنها بفضل مات روسو، عالم الفيزياء الفلكية والموسيقي والذي قدم عرضًا في مؤتمر تيد بعنوان «ما الصوت الذي يصدره الكون؟».
يشرح روسو قائلًا: «الصوتنة هي استخدام الصوت غير الكلامي لنقل المعلومات، فهي تتضمن تحويل البيانات إلى صوت بهدف إدراك العلاقات داخل البيانات واستكشافها والاستمتاع بها من خلال جهازنا السمعي البشري الرائع».
باختصار، تأخذ الصوتنة البيانات وتحولها إلى صوت. قامت وكالة ناسا بهذا باستخدام مجموعة متنوعة من البيانات المثيرة للاهتمام مؤخرًا، متضمنةً الثقب الأسود في عنقود حامل رأس الغول المجري، الذي صوتنه روسو.
في الواقع، توجد مكتبة كاملة لمشاريع الصوتنة، تسميها وكالة ناسا «عالم من الأصوات»، حيث يمكن للمستمع أن يستكشف سمعيًا كائنات الفضاء السحيق بدءًا من «أعمدة الخلق» في سديم النسر «ميسييه 16» -الذي يبعد عن مسافة 7000 سنة ضوئية عن مستعر أعظم تيخو الذي رصد انفجاره في نوفمبر 1572- إلى بيانات المجال العميق لمرصد تشاندرا، الذي التقط نحو 5000 ثقب أسود فائق الكتلة في صورة واحدة.
الانفجارات الكبيرة والثقوب السوداء
عادةً ما تتصدر الصوتنة عناوين الأخبار في الدوائر العلمية، عند إصدار النتائج النهائية الجميلة حول بعض الظواهر الجديدة، سواء كان ذلك ثقبًا أسود أو انبعاثًا من نجم محتضر. يمكن أيضًا إجراء عملية الصوتنة باستخدام أي مجموعة بيانات سابقة تمتلكها وكالة ناسا.
قال روسو: «بالطريقة ذاتها التي يمكن بها تصوير البيانات، يمكن صوتنتها. فور حدوث الصوت ضمن الزمن تمكن صوتنة البيانات التي تمثل شيئًا يتطور بمرور الزمن. قد يكون هذا نبض الموجات الراديوية من نجم نابض، أو موجات الجاذبية من تصادم الثقوب السوداء، أو تقلبات نجم متغير رنان». تمثل تلك الظواهر الفلكية الرائعة مرشحًا مناسبًا لعملية الصوتنة، لهذا نسمع الكثير عنها.
تتجاوز الصوتنة إنشاء وسيط جديد لمجموعات البيانات الكبيرة من الأماكن البعيدة. يقول روسو: «إن صوتنة بيانات الصور الأيقونية لوكالة ناسا يحمل تحديات معينة، لأن البيانات أساسًا تصور فوريًا، لكنها تؤدي أيضًا إلى استراتيجيات جديدة وخلاقة لرسم الخرائط المثيرة للفضول».
تعد الصوتنة أداة مهمة لتحسين المعرفة العلمية، فالبشر يتعلمون من خلال مجموعة متنوعة من الوسائط.
يوجد سبب أكثر عملية لإمكانية تحقيق صوتنة البيانات الفلكية، يضيف روسو: «من المفيد أيضًا مساعدة شخص كفيف على استكشاف جمال الصور الفلكية وروعتها».
لا يلزم استخدام الصوتنة حصريًا لتفسير البيانات من على بعد سنين ضوئية، إذ توجد تطبيقات لهذه التقنية أقرب بكثير إلى أرضنا. يقول روسو: «كانت مركبة الإنزال إنسايت تسجل الهزات الأرضية من سطح المريخ على مدى السنوات الثلاث الماضية، متضمنةً زلزال هائل خلال الأيام القليلة الماضية. أود العمل على البيانات الزلزالية لمنح الناس تجربة صوتية للأصوات الأرضية من عالم آخر».
بالنسبة إلى شخص تعرض لزلزال وسمع دويّه، سيكون مثيرًا دون شك – وربما مقلق قليلًا- سماع زلزال مريخي!
اقرأ أيضًا:
موسيقى من الفضاء تتيح معرفة عمر النجوم
السديم – ما هي السدم؟ وكيف تتكون؟
ترجمة: أحمد أبو شماله
تدقيق: جنى الغضبان