لا نعرف بالضبط من أين جاءت الخرافة التي تقول «الرجال الحقيقيون لا يبكون»، لكنها خرافة بالفعل، وهي خرافة خطيرة انتشرت في مجتمعنا، ما جعل الرجال يعتقدون أن الطريقة الوحيدة المقبولة للتعامل مع المشاعر هي التظاهر بعدم وجودها.

عام 2023، وجدت استطلاعات الرأي الوطنية لمستشفى كليفلاند كلينك تحت اسم (MENtion It®) أن 44% من الرجال يعتقدون أنهم يعيشون أسلوب حياة صحي، مع أنهم لا يعطون الأولوية لصحتهم العقلية، و65% من الرجال قالوا إنهم يترددون في طلب المساعدة الطبية لمشكلات الصحة العقلية مثل التوتر والقلق والاكتئاب.

يقول عالم النفس الدكتور آدم بورلاند: «التظاهر بعدم وجود مشكلاتنا هو أمر غير صحي. يتطلب الأمر قوة وشجاعة حقيقية للنظر في المرآة والاعتراف بأنك تتعامل مع بعض المشكلات، وترغب في إيجاد حل لها».

هل أنت مستعد لجعل صحتك العقلية أولوية؟

يتعمق الدكتور بورلاند أكثر في الوصمة القديمة التي تمنع الرجال من طلب الرعاية، ويقدم نصائح حول كيفية وضع صحتك العقلية في مقدمة اهتماماتك، سواء بمفردك أو مع معالج نفسي.

لماذا يعاني الرجال مشكلات الصحة العقلية؟

تاريخيًا، مُنع الرجال عن طلب الدعم للصحة العقلية، بل حتى عن مجرد الاعتراف بأنهم قد يستفيدون منه.

يقول الدكتور آدم بورلاند: «على مر الأجيال، أُخبرنا بأن طلب المساعدة هو علامة على الضعف».

يُقال للرجال إنه من المفترض أن نتعامل مع مشكلاتنا بأنفسنا ونحتفظ بها داخليًا، و يُقال لنا أيضا أن الحديث عن مشاعرك هو سمة أكثر أنثوية.

النتيجة هي أن مخاوف الرجال بشأن الصحة العقلية تظل غير معالجة، ما يؤدي إلى مشكلات مثل الإجهاد المزمن والقلق والاكتئاب غير المشخص.

في دراسة عام 2020 بعنوان «الذكور ووصمة الصحة العقلية»، كتبت الدكتورة بينيتا شاتمون: «يتعرض الرجال الأمريكيون لثقافة تفرض معايير للذكورة تقتلهم حرفيًا».

مع أن معدلات القلق والاكتئاب أعلى بين النساء، فإن الرجال أكثر عرضة بأربعة أضعاف للانتحار.

قد يؤدي تجاهل صحتك العقلية إلى:

  •  سلوكيات إدمانية، تشمل استخدام الكحول أو المخدرات.
  •  آلام مزمنة.
  •  مشكلات هضمية.
  •  صداع.
  •  أمراض القلب.
  •  اضطرابات النوم.
  •  سكتة دماغية.
  •  زيادة الوزن أو فقدانه.

يقول الدكتور بورلاند إن ثم أمل في المستقبل، يبدأ من الحاضر.

«لحسن الحظ، يبدو أن الوصمة الاجتماعية بدأت تتغير، أرى ذلك في ممارستي اليومية عبر جميع الفئات العمرية والجنسيات والثقافات، فالرجال قد بدأوا أخيرًا بطلب العلاج النفسي» .

إليك 11 نصيحة للرجال للعناية بالصحة العقلية:

بينما تقرأ هذه السطور، فقد خطوت بالفعل خطوة كبيرة نحو العناية بصحتك العقلية من خلال الاعتراف بها.

يقدم الدكتور بورلاند نصائح للعناية بالصحة العقلية، سواءً أكنت جديدًا في هذا المجال أم مستعدًا للتعمق أكثر.

1. اعترف بمشاعرك:

إذا نشأت على سماع أن «الأولاد لا يبكون» أو أن المشاعر فقط للفتيات، فقد يكون من الصعب جدًا أن تشعر بأنك تستحق أن تعيش التجربة الإنسانية بكاملها، لكنك إنسان حي تتنفس، ولديك مشاعر أيضًا.

يقول الدكتور بورلاند: «نحن لسنا روبوتات»، مشيرًا إلى أن حتى الروبوتات مثل (Wall-E) أظهرت مشاعر.

«العيش بشكل آلي دون التفكير في مشاعرك هو أمر غير صحي ويؤدي إلى الإرهاق وعدم السعادة» .

تعلّم المزيد عن المشاعر عمومًا قد يكون مفيدًا، من ثم يمكنك البدء بالتعرف على مشاعرك عند حدوثها، وقبولها بوصفها مشروعة.

2. تعرف على الأعراض:

قد لا تدرك دائمًا أنك تعاني، خاصةً إذا لم تكن معتادًا على الاهتمام بصحتك العقلية. قد لا تظهر الأعراض مثل الحزن أو التوتر بوضوح دائمًا.

راقب علامات مثل تغيرات في نمط النوم، صعوبة في التركيز، شعور بالاضطراب، تقلبات في مستويات الطاقة، تغير في الشهية، ولا تتجاهل التغيرات الكبيرة في المزاج.

3. اكتب عن الأمر:

لا تحتاج إلى مهارات كتابة عالية للكتابة عن مشاعرك فالتدوين هو فعل خاص لك فقط، دون حكم أو تقييم.

يقول الدكتور بورلاند: «قد تكون الكتابة منفذًا صحيًا وعلاجيًا، خاصةً للأشخاص الذين يتعلمون كيفية التواصل مع حالتهم العاطفية. أحيانًا، وضع الأشياء على الورق قد يكون مريحًا».

4. حدد نظام الدعم الخاص بك:

لا أحد يعيش بمفرده. لتحديد مصادر الدعم العاطفي لديك، اسأل نفسك: من يمكنك التحدث إليه؟ من سيكون موجودًا لدعمك؟

إذا شعرت أنه لا تمكنك مناقشة الصحة العقلية مع أصدقائك، ينصحك الدكتور بورلاند بإعادة التفكير.

«عندما يشارك الرجال مشاعرهم مع أصدقائهم، فإنهم يقدمون هدية لهم، يفتحون خطوط التواصل ويقولون: هذا موضوع يمكننا التحدث عنه».

5. خصص وقتًا لصداقاتك:

هل تخصص وقتًا لصداقاتك؟ بناء علاقات قوية هو المفتاح لتكوين نظام دعم فعال.

يقول الدكتور بورلاند: «غالبًا يشير الرجال إلى نقص التوازن بين العمل والحياة. بعد يوم طويل في العمل، يعود الرجل إلى المنزل للعناية بالأسرة، ثم يجد أن الوقت قد حان للنوم وبدء يوم جديد».

لكن تخصيص الوقت للأصدقاء أمر مهم، سواءً أكنت تشارك في أنشطة مشتركة أم تقضي وقتًا في الاسترخاء. إن قضاء الوقت مع الأصدقاء عنصر أساسي لصحتك العقلية ورفاهيتك.

تُظهر الأبحاث أن الأشخاص الذين لديهم أصدقاء يثقون فيهم، يكونون أكثر رضا عن حياتهم وأقل عُرضة للاكتئاب.

6. تحديد آليات التأقلم غير الصحية:

فكر في العادات التي تلجأ إليها عندما تشعر بالتوتر أو الحزن، ربما تزيد من ساعات عملك، أو تنغمس في مشروع معين، أو تصبح مهووسًا بفريقك الرياضي المفضل.

يقول الدكتور بورلاند: «نرى غالبًا أن الرجال يحاولون الهروب من مشكلاتهم بالانغماس في شيء آخر بشكل مفرط وغير صحي».

ينصح بمراقبة زيادة السلوكيات الخطرة أو ظهور علامات الإدمان مثل شرب الكحول بإفراط أو الانغماس في ألعاب الفيديو.

من السلوكيات الأخرى المثيرة للقلق:

  •  تعاطي المخدرات.
  •  شراء مشتريات ضخمة باندفاع.
  •  المقامرة.
  •  قضاء وقت طويل على الإنترنت.
  •  العلاقات الجنسية غير الآمنة.
  •  ممارسة الرياضة بإفراط.

إذا كنت تشعر أن آليات التأقلم غير الصحية هذه تحت سيطرتك، حاول تقليصها واستبدالها بعادات أكثر صحة. إذا كنت تواجه صعوبة في ذلك، خاصةً إذا كنت تتعامل مع إدمان، يجب أن تفكر في طلب المساعدة المتخصصة.

7. ممارسة الهوايات الصحية:

تساعد الهوايات على منح عقلك استراحة من ضغوط الحياة اليومية، وتمنحك الفرصة للإبداع والتعبير عن نفسك.

وجدت دراسة عام 2023 أن الانخراط في هواية يرتبط بأعراض أقل من الاكتئاب، وزيادة السعادة العامة.

يقول الدكتور بورلاند: «خلال الجائحة، عملت مع العديد من المرضى الذكور على اكتشاف اهتمامات صحية لم يكونوا على دراية بها، أو أشياء لم يفعلوها منذ سنوات».

لا تتردد في استعادة هواياتك القديمة أو اكتشاف هوايات جديدة.

8. تحكم في تنفسك:

قد يساعد التحكم في التنفس على وضع جسمك في حالة أكثر استرخاء وخالية من التوتر.

التنفس العميق هو أساس التأمل، وهي ممارسة تساعد على تصفية الذهن باستخدام تقنيات عقلية وجسدية.

يقول الدكتور بورلاند: «أنا من المؤيدين الكبار للتنفس العميق اليومي أو التأمل».

إذا كنت جديدًا على هذه الممارسات، قد تساعدك التطبيقات أو الفيديوهات على البدء.

9. النشاط البدني:

تُعد التمارين الرياضية واحدة من أفضل الأشياء التي يمكنك فعلها لصحتك العقلية والجسدية، فالرياضة تساعد على تعزيز هرمون الإندورفين وتخفيف الألم وتقليل التوتر.

يقول الدكتور بورلاند: «أول شيء أنصح به مرضاي هو تخصيص وقت لممارسة الرياضة، سواء في الصالة الرياضية أو في المنزل» .

10. الاهتمام بصحتك البدنية:

الصحة العقلية غير المُعالجة قد تتحول سريعًا إلى مشكلات متعلقة بالصحة الجسدية.

يقول الدكتور بورلاند: «عندما لا يتعامل الرجال مع مشكلاتهم العقلية، قد يلجؤون إلى نظام غذائي غير صحي وقد لا يمارسون الرياضة بشكل كافٍ، ما يؤدي إلى زيادة الوزن» .

الاهتمام بصحتك البدنية من خلال النظام الغذائي الصحي وممارسة الرياضة يساعد في الحفاظ على ذهنك سليمًا.

11. طلب الدعم المتخصص:

الدعم النفسي المختص من معالج نفسي قد يكون عنصرًا أساسيًا في معالجة مشكلاتك.

يقول الدكتور بورلاند: «من المهم أن يكون لدى الرجال مكان آمن للتحدث عن تجاربهم».

إذا كنت مترددًا في طلب المساعدة بسبب الوصمة الاجتماعية، أو لا تعرف ماذا تتوقع من العلاج النفسي، يطمئنك الدكتور بورلاند بأن الجلسات تُجرى بوتيرة مريحة لك ودون أي ضغوط أو توقعات.

يوفر العلاج شعورًا بالتحرر من القلق، ويمنحك فرصة للتحدث بصراحة عما يدور في ذهنك.

اقرأ أيضًا:

القلق عند الرجال: العلامات والأعراض

هل يمنع هرمون التستوستيرون البكاء؟

ترجمة: د. خالد الحاج حسن

تدقيق : جلال المصري

المصدر